PHOTO
كانت إيران بالكاد قد بدأت في جني الفوائد الاقتصادية لاتفاقها النووي لعام 2015 مع القوى العالمية عندما انسحب دونالد ترامب وفرض عقوبات صارمة لدرجة أنها أغرقت البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ الثمانينات.
الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، وعد بإعادة التعامل مع الجمهورية الإسلامية واختار بعض مهندسي الاتفاقية الأصلية لشغل مناصب سياسية عليا.
شرعت الولايات المتحدة وإيران في الأسابيع الأخيرة في مفاوضات من أجل العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي الإيراني. ,ولكن أتخذت إيران موقف صعب، حيث طالبت الولايات المتحدة بالتحرك أولاً ورفع العقوبات التي فرضتها على التعامل مع الجمهورية الإسلامية بشكل كامل قبل أي شيء.
لكن قد لا تتمتع إيران بالثبات الاقتصادي الذي من شأنه أن يسمح لها بمواصلة عنادها والبقاء اقتصاديًا تحت العقوبات، وحتى لو تم تخفيف العقوبات مرة أخرى في نهاية المطاف، فإن طريق إيران إلى التعافي قد يكون أكثر صعوبة هذه المرة.
لماذا وكيف؟
يتميز الاقتصاد الإيراني بقطاعاته الهيدروكربونية والزراعية والخدمية، فضلاً عن التواجد الملحوظ للدولة في التصنيع والخدمات المالية.
بحسب تقارير البنك الدولي، تحتل إيران المرتبة الثانية في العالم لاحتياطيات الغاز الطبيعي والمرتبة الرابعة لاحتياطيات النفط الخام المؤكدة، وفي حين أن الموارد الاقتصادية قد تعتبر متنوعة نسبيًا بالنسبة لدولة مصدرة للنفط، لا يزال النشاط الاقتصادي والعائدات الحكومية يعتمدان على عائدات النفط، وبالتالي كانت متقلبة.
تقلص الاقتصاد الإيراني بشكل حاد خلال سنوات ترامب. ولأنها غير قادرة على تصدير معظم نفطها بسبب العقوبات الجديدة، لجأت الحكومة إلى الصادرات الأخرى بدلاً من ذلك، مما دفع بقوة لتطوير التصنيع المحلي وتوسيع التجارة مع الجيران المباشرين. ساعد ذلك في تعويض بعض التأثير. وهذا يعني أيضًا أنه بحلول الوقت الذي ضرب فيه فيروس كورونا الطلب العالمي على النفط العام الماضي، كانت إيران أكثر استعدادًا لامتصاص الصدمة من زملائها من مصدري النفط الخام.
كان الريال الإيراني أكبر ضحايا لسياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجها ترامب، فقد خسر نحو 80% من قيمته مقابل الدولار، مما أدى إلى زيادة التضخم والقوة الشرائية المدمرة ودفع ملايين العائلات إلى الفقر. وأدت الجهود المبذولة لتثبيت العملة من خلال التحكم في السعر ومقاضاة الصرافة إلى نتائج عكسية، مما أدى إلى إضعاف الريال أكثر مع ازدهار السوق السوداء.
ومع فقدان الريال لقيمته، شهدت الأسهم مكاسب غير مسبوقة. ارتفع المؤشر الرئيسي في بورصة طهران للأوراق المالية بأكثر من 600% منذ يناير 2019 مع سعي أعداد قياسية من المستثمرين الجدد لحماية مدخراتهم من التضخم. هذا وقد بدأ السوق يفقد قيمته منذ انتخاب بايدن وسط توقعات بتخفيف العقوبات وتعزز الريال مرة أخرى.
كان الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإيران قبل أن يفرض الاتحاد عقوبات نفطية في عام 2012 بسبب البرنامج النووي للبلاد. منذ ذلك الحين، أصبحت الصين الوجهة الأولى لإيران لصادرات الطاقة وأكبر مصدر للواردات. لقد كانت الزبون الوحيد للنفط الإيراني منذ دخول عقوبات ترامب حيز التنفيذ في 2018.
الوضع صعب
بالإضافة إلى العقوبات، تضررت إيران بشدة من جائحة فيروس كورونا مما زاد الطين بلة.
أنه من المتوقع أن تقوم الدولة بتلقيح شريحة كبيرة من سكانها في موعد لا يتجاوز منتصف عام 2022، وفقًا لتقرير لصندوق النقد الدولي. والجدير بالذكر انه ولأول مرة منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، لجأت الجمهورية الإسلامية إلى صندوق النقد الدولي العام الماضي وطلبت المساعدة الطارئة البالغة 5 مليارات دولار لمساعدتها في مكافحة الوباء.
ان التضخم المرتفع الذي ابتليت به البلاد في السنوات الأخيرة، مؤشر على المأزق الاقتصادي الإيراني. حيث ان التضخم السنوي مرتفع للغاية (يصل إلى 50%) في السنوات الثلاث الماضية. كثير من الناس الذين كانوا يتلقون مساعدات نقدية شهرية منذ عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ، خرجوا من الفقر، ولكن بسبب التضخم السنوي المرتفع فإن هذه المساعدات النقدية الشهرية اليوم فقدت قيمتها الشرائية بشكل كامل تقريبا.
مؤشر اقتصادي آخر هو حجم الدين. الذي بلغ 254 مليار دولار. هذا دين ضخم وخاصة أن الإيرانيين لا يعيشون في رفاهية في السنوات الأخيرة.
تقلص الاقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة، حيث شهد تراجع بلغ نحو 13% في 2018-2019، بعد فرض العقوبات. وفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2021، ومن المتوقع أن ترتفع البطالة، التي تبلغ حاليًا 10.8%، خلال العامين المقبلين.
لكن الانهيار التام لا يبدو قريبا
على الرغم من كل هذا، ليس من المتوقع أن ينهار الاقتصاد الإيراني في المستقبل القريب، حتى لو استمرت العقوبات. فقد ساعد القمع على إسكات الاستياء من الضائقة الاقتصادية التي نتجت عن العقوبات.
بالإضافة إلى قمع المنشقين، تجدر الإشارة إلى اتفاق تم توقيعه مؤخرًا بين الصين وإيران، والذي عزز اتفاق مدته 25 عام للتعاون في التجارة، من بين أمور أخرى. هذه الصفقة، إلى جانب الإجراءات الأخرى التي تقوم بها الدول التي تتجاوز القيود الأمريكية، تتيح للنظام فرصة التنفس التي يحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
يوافق اغلب الخبراء والمحللين على أن الاقتصاد الإيراني لن ينهار غدًا، ولكن قدرته على الصمود مع العقوبات المفروضة محدودة للغاية. ما سيفعله بايدن هو إلقاء حبل النجاة للنظام.
هل يختار النظام أولوية الاقتصاد؟
إذا لم تُرفع العقوبات بسرعة، ستضطر الحكومة الى الاقتراض مرة أخرى من البنك المركزي، وسيستمر عرض النقود في النمو أكثر من حجم الاقتصاد. قد يؤدي هذا إلى تضخم مفرط خارج عن السيطرة، وربما يكون مشابه لما لوحظ في فنزويلا. لذلك، لا يمكن تصور آفاق الاقتصاد الإيراني بتفاؤل إذا لم يتم رفع العقوبات.
مع وضع هذا الخطر في الاعتبار، يبدو أن الإيرانيين بحاجة إلى حل وسط يمكن للولايات المتحدة من خلالها العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة والمطالبة برفع كامل للعقوبات.
بمجرد خروج العقوبات من الطريق، من المتوقع أن يزدهر الاقتصاد الإيراني. يمكن أن يتوقع أن ينمو الاقتصاد الإيراني من خلال تصدير النفط إلى مستواه قبل العقوبات الأمريكية تحت حكم ترامب. الاتفاقات مع الدول الأخرى ستعزز الاقتصاد أيضا. ومع ذلك فان استئناف العمل مع الشركات الغربية قد يكون أبطأ لأن الشركات الغربية قد لا تزال بحاجة إلى بعض الوقت لتقييم المخاطر السياسية حول إيران.
بإمكان الاقتصاد الإيراني القفز خطوات كبيرة الى الامام كونه يتمتع بإمكانيات كبيرة. ولكن على النظام ان يحدد أهدافه بشكل واضح في مفاوضات فيننا. فهل يتنازل النظام لإنقاذ الاقتصاد؟
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
© ZAWYA 2021
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام