PHOTO
اقتربت السنوية الثانية لاكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية و ما تبعها من دمار اقتصادي لحق بدول العالم أجمع، فهل من مؤشر أولي لمدى فعالية إجراءات التعافي التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي؟
قد نجد الإجابة لهذا السؤال بإلقاء نظرة على بيانات اقراض البنوك في الدول ال6، والتي اتخذ صناع القرار فيهم إجراءات متشابهة في طبيعتها لكن مختلفة في الحجم والاستهداف أدت إلى تفاوت نتائجها.
شرعت دول الخليج العربي في اتخاذ قرارات تقليدية في مواجهة الهبوط الحاد في انشطتها الاقتصادية الناتج عن الاقفال العام لمنع انتشار المرض، مثل خفض أسعار الفوائد وضخ سيولة في الأسواق وتأجيل سداد القروض المستحقة على القطاع الخاص، بل ومنع البعض تسريح العمالة مؤقتاً.
الآن، وبعد أكثر من عام على بدء هذه الإجراءات، نجد أن الاتجاه العام للمنطقة إيجابي. فقد زاد حجم الإقراض الكلي لبنوك دول المجلس بمعدل 7.1% سنوياً ليصل إلى أكثر من 1.6 تريليون دولار في أخر يونيو الماضي، بحسب شركة الخدمات الاستثمارية الكويتية كامكو انفست.
لكن بتدقيق النظر، تبرز أسواق السعودية وقطر في مقدمة المستفيدين، بحسب نمو التسهيلات الائتمانية المقدمة من قبل البنوك. وبالرغم من وجود علاقة بين الحزم التحفيزية وتعافي الإقراض، نجد أيضاً أن التركيبات الاقتصادية الخاصة بكل دولة وآليات اتخاذ القرار لعبت أدوار مهمة.
السعودية
في 2020 أعلن البنك المركزي السعودي عن حزمة من الإجراءات بلغت في مجملها ما يقرب من 61 مليار دولار— بحسب شركة خدمات المراجعات المالية KPMG — أو 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
شملت القرارات إعفاء أو تأجيل ما يعادل 18.6 مليار دولار من المستحقات الحكومية، و13.3 مليار دولار لتعزيز السيولة المصرفية وتمكين البنوك من مواصلة تقديم التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص. كما ضخ 50 مليار ريال سعودي في القطاع المصرفي من خلال الودائع لدعم السيولة المصرفية وائتمان القطاع الخاص.
ويبدو ان ذلك قد أدى الى نجاح كبير نتيجة الزيادة في التسهيلات الائتمانية في النصف الأول من عام 2021 والتي بلغت 17% على أساس سنوي لتصل إلى ما يقرب من 2 تريليون ريال (530 مليار دولار) . أظهر الإقراض للقطاعات الحكومية أقوى نمو، يليه نمو قطاع الزراعة وصيد الأسماك. ويعود ذلك بشكل أساسي الى تمديد البرامج الحكومية لدعم القطاعات الضعيفة والمتأثرة من الاغلاقات المتكررة نتيجة جائحة كورونا مع توقع بقاء أسعار الفائدة منخفضة حتى نهاية عام 2022.
قطر
أعلنت الحكومة القطرية عن جملة من القرارات التحفيزية وصلت قيمتها إلى 21 مليار دولار تقريباً، أو ما يعادل 10% من الناتج المحلي، بحسب وحدة الأبحاث الاقتصادية Economist Intelligence Unit التابعة للEconomist.
قدم مصرف قطر المركزي نافذة إعادة شراء بدون فائدة بقيمة 50 مليار ريال قطري أو 13.7 مليار دولار لتوفير السيولة للبنوك لتأجيل أقساط القروض أو منح قروض بنكية جديدة. وأجل بنك قطر للتنمية (QDB) أقساط جميع المقترضين لمدة 6 أشهر بالإضافة لبرنامج الضمان الوطني (NGP) الذي يخصص 5 مليارات ريال قطري كضمانات حكومية لمدة 12 شهر للبنوك المحلية لقروض شركات القطاع الخاص لمساعدتهم على دفع الأجور ورسوم الإيجار.
أدت حزمة الحوافز الى حث الشركات للاستفادة من الفوائد المخفضة ما أدى الى زيادة في الإقراض بلغ حوالي 14% في النصف الأول من 2021 مقارنة بنفس الفترة من 2020.
سـجلت الصناعة والخدمـات والاستهلاك نمـو جيد في طلب الائتمان وذلك من اجل ضمان الاستمرارية في تمويل المصاريف التشغيلية بعد عامين شديدي الصعوبة نتيجة الاغلاقات المتكررة للاقتصاد والاستفادة من حزم الحوافز النقدية والحكومية. ويمكــن ان يكون زيادة الطلــب علــى الائتمان أيضاً بسبب تسـريع وتيـرة مشـروعات البنيـة التحتيـة مع اقتراب حدث كاس العالم لكرة القدم.
البحرين
في 2020، قام مصرف البحرين المركزي مؤقتًا بتوسيع تسهيلات الإقراض بدون فائدة للبنوك بما يصل إلى 3.7 مليار دينار بحريني (10 مليار دولار أمريكي) أو ما يعادل 29% من الناتج المحلي الإجمالي لتسهيل سداد القروض المؤجلة وتمديد القروض الإضافية.
أيضا، قام مصرف البحرين المركزي بتنفيذ تأجيلات شاملة لسداد قروض القطاع الخاص (كل من أصل القرض والفائدة) من مارس إلى أغسطس 2020، والتي تم تمديدها لاحقًا عدة مرات، مع آخر مرحلة تأجيل سارية حتى ديسمبر 2021.
أدت هذه الإجراءات الي التوسع في الائتمان في البحرين بشكل مقبول حيث ارتفعت التسهيلات الائتمانية في النصف الأول بمعدل 5.3% مقارنة بنفس الفترة من العام 2020.
الكويت
وافق مجلس الأمة - البرلمان - على مشروع قانون لتأمين ضمانات للبنوك المحلية لتقديم المساعدة المالية للعملاء الذين تتأثر أعمالهم بوباء فيروس كورونا، تضمنت تخفيض للفوائد وايعاز للبنوك بتأخير مدفوعات القروض من الشركات والأسر المتضررة من الصدمة. كما تم زيادة الانفاق الحكومي بمقدار 500 مليون دينار (1.7 مليار دولار)، بحسب KPMG.
لم تنتج هذه الإجراءات نمو كبير على التسهيلات الائتمانية الممنوحة، فسجلت 40.8 مليار دينار (136 مليار دولار) في النصف الأول من العام، أو ما يعادل زيادة بنسبة 3.6% عن الفترة المشابهة في العام السابق.
عٌمان
في مستهل الأزمة العام الماضي، أعلن البنك المركزي العماني عن مجموعة من الإجراءات لدعم القطاع المالي وقدر تأثيرها من حيث السيولة الإضافية بمبلغ 8 مليارات ريال عُماني (20.8 مليار دولار أمريكي)، أو ما يمثل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي، بحسب صندوق النقد الدولي.
وتضمنت بعض الإجراءات زيادة سقف نسبة الإقراض (صافي الائتمان إلى قاعدة الودائع) بمقدار 5 نقاط مئوية إلى92.5% و قبول طلبات المقترضين المتأثرين بأثر فوري لتأجيل أقساط القرض لمدة ستة أشهر دون التأثير السلبي على تصنيف المخاطر لهذه القروض بالإضافة لتأجيل تصنيف مخاطر القروض المتعلقة بالمشاريع الحكومية لمدة ستة أشهر.
لم يكن لهذه الحزمة من الحوافز أثر كبير على طلب التسهيلات الائتمانية والتي ارتفعت بمقدار 2.1% في النصف الأول من هذا العام فقط مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
الإمارات
في 2020، أعلن المصرف المركزي عن حزمة بقيمة 70 مليار دولار أو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب KPMG من تدابير خطة الدعم الاقتصادي المستهدف من ضمنها قروض مضمونة بنسبة فائدة صفرية للبنوك.
لم ينتج عن الحزمة طفرة في الإقراض، بل انخفضت إجمالي التسهيلات الائتمانية على أساس سنوي بنحو 1.9% بنهاية شهر يونيو الماضي لتصل إلى ما يقرب من 1.6 مليار درهم (436 مليون دولار). قد تكون المفارقة نتيجة لعدة عوامل، منها تحفظ البنوك الإماراتية في الإقراض بشكل واسع خاصةً في ظل امتلاكها لأكبر نسبة من القروض المتعثرة (6%) بين البنوك الخليجية.
يمكن أيضاً تبرير الانكماش بانخفاض الأنشطة الغير نفطية مع توقف عدد من عمليات البناء والسياحة بسبب كوفيد واللذان أثرا بشكل مباشر على عدد كبير من الأعمال المرتبطة بهما. وللإيرادات الغير نفطية أهمية كبيرة في الإمارات حيث ان إيرادات النفط باتت تشكل 30% فقط من الناتج المحلي للبلد، وهي أقل نسبة بين دول مجلس التعاون بعد البحرين (18%)، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.
2022 إلى أين؟
بالرغم من التحديات التي واجهتها دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة الوباء، يبدو أن اجراءات الدعم الاقتصادي في كل منها قد بدأت بالفعل تحقيق المرجو منها حتى وإن تفاوتت المؤشرات الأولية. يتوقع البنك الدولي نمو ناتجهم المحلي مجتمعين بمقدار 2.2% في العام الحالي، بعد تسجيل انكماش بلغ 4.8% في 2020، مع زيادة الطلب العالمي على النفط ومشتقاته.
وكذلك يتوقع البنك الدولي أن تكون قطر من ضمن الأقوى نموا بين جيرانها بمعدلات 3% في السنة الجارية، 4.1% في القادمة، ثم 4.5% في 2023، حيث تتوقع المؤسسة زيادة كبيرة على طلب الغاز الطبيعي المسال من قبل دول جنوب وشرق آسيا مع تعافي قطاع الصناعة فيها هي الأخرى. ينتظر نمو ملحوظ أيضاً للسعودية والكويت يقدر ب2.4% في العام الحالي و 3% على المدى المتوسط في كل من البلدين مع عودة الطلب العالمي على النفط.
النمو عائد قوياً في عٌمان والبحرين أيضا، لكن بفضل الدعم الحكومي عن طريق الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في الأولى و الاستمرار في اجراءات الدعم المالي في الأخيرة. ينتظر أن تسجل عٌمان نمو يصل إلى 2.5% في عام 2021، يقفز إلى 5.3% في المدى المتوسط. وتستعيد البحرين معدل نمو 3.3%، ليبقى مستقراً لعدة سنوات لاحقة.
أما في الإمارات، يتوقع البنك الدولي نمو يصل إلى 1.2% في السنة الجارية، يتضاعف إلى 2.5% في 2022 و 2023 بفضل الإنفاق الحكومي والعوائد المتوقعة لاستضافة اكسبو 2020، والذي ينطلق الشهر القادم بعد تأخير عام بسبب جائحة كورونا. وكان صندوق النقد في أبريل الماضي رفع توقعه للنمو في الإمارات بشكل ملحوظ هذا العام من 1.3% ل 3.1%
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)
(تحرير: أحمد نعمة الله، وقد عمل أحمد في عدة صحف ووكالات إعلام عالمية ومحلية منها بلومبرغ)
سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح
© ZAWYA 2021
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام