مقال رأي مقدم من محمد طربيه أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان
في آواخر عام 2019 سأل احد الصحفيين الرئيس اللبناني ميشال عون: إلى أين يتجه لبنان اذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة؟ فأجاب: "الى جهنم".
و بالرغم من هذه الجهنم التي تلوح في الأفق، لم تتمكن الطبقة السياسة حتى اليوم من تشكيل حكومة ما أدى الى انهيار المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة انقاذ وذهبت معها خطة الإنقاذ الدولية ادراج الرياح. ولذلك، يخشى اللبنانيون من أن الأيام القادمة ستكون أكثر قتامة.
و اليوم، فان الطريق الى جهنم يبدو مأساويا جدا على شكل فضائح وانهيارات تتوالى الواحدة تلو الأخرى.
احتياطات البلاد الأجنبية على وشك النضوب، ومن المتوقع ان تنخفض معها قيمة العملة أكثر مع ازدياد مضطرد للبطالة والفقر والتضخم.
هذا بالإضافة إلى التأثير السلبي للارتفاع المخيف وغير المنضبط في حالات الإصابة بفيروس كورونا على الاقتصاد المتعثر بالفعل والذي أدى إلى اغلاق البلاد منذ بداية العام الحالي مع تصاعد الاضطرابات الأمنية وخطر الاضطرابات الاجتماعية مع عودة المظاهرات الى الشوارع خاصة في طرابلس ومناطق عديدة أخرى.
أهم الأزمات
أزمة محروقات
تفاقمت أزمة المحروقات مع الأزمة المصرفية وشح الدولار واستنفاذ الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي الذي حذر من بدء رفع الدعم عن السلعة الحيوية التي يستوردها لبنان بنسبة 100%.
وبالرغم من ان البنك المركزي كان اتفق مع الشركات المستوردة للنفط على شراء الوقود عن طريق دفع 85% من القيمة بالليرة اللبنانية و 15% بالدولار، الا ان هذه الشركات تجد صعوبة في تأمين هذه النسبة من الدولارات مما دفع بعض الشركات للامتناع عن تسليم المحروقات إلى محطات الوقود.
وتتعمق الأزمة أكثر مع جشع التجار الذين يلجئون الى احتكار كميات كبيرة من المحروقات لبيعها بأسعار مرتفعة بعد خفض الدعم إضافة الى التهريب الى الخارج.
والجدير بالذكر ان رفع الدعم نهائيا عن المحروقات سيؤدي الى ارتفاع الأسعار من 5 الى 6 مرات، وسينعكس سلبا على العديد من القطاعات الأخرى كالأفراد والنقل والكهرباء.
بالتالي من المتوقع أن يؤدي رفع الدعم إلى زيادة كلفة إنفاق الأسرة على الكهرباء والغاز والنقل، وفي حال لم يتم حماية الطبقة الفقيرة بطرق أخرى كبطاقات التموين على سبيل المثال فان العديد من هذه العائلات ستحرم من القدرة على شراء المحروقات او ستضطر لتغيير نمط استهلاكها للحد الأدنى.
أزمة غذاء
كانت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) أواخر عام 2020 توقعت أن نصف السكان في لبنان قد يتعذر عليهم الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام. و مع الأزمة المالية النقدية ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية بشكل حاد بالتزامن مع تقليل رواتب الموظفين وسحب الدولار من السوق اللبناني.
وبسبب الخوف من جائحة كورونا والاغلاقات الفاشلة المتكررة، إضافة الى محاولة المستهلكين استباق ارتفاع الأسعار، سارع الكثيرون الى تخزين المواد الغذائية ما أدى الى ازدياد الطلب عليها، وسمح للتجار باستغلال الوضع الاقتصادي واحتكار السوق بدون أي رقيب.
ومع غياب الرقابة الفاعلة واتباع سياسات الدعم والمراقبة الخاطئة وبالرغم من زعم وزارة الاقتصاد والتجارة لعدة أشهر محاولة السيطرة على هذا الاحتكار، إلا أن الأسعار استمرت بالارتفاع يومياً وبشكل كبير ومتفاوت بين المناطق، حتى على السلع الغذائية المصنعة في لبنان، والسلع المصنعة قبل تفجر الأزمة الاقتصادية.
وساهم جشع التجار مع التهريب طمعا في الأرباح الى استفحال الأزمة وفقدان مواد أساسية من الأسواق. وانخفض الحد الأدنى للأجور من ما يعادل 450$ الى حوالي 160$ بسبب أزمة الدولار وكون لبنان غير قادر على تأمين الأمن الغذائي الذاتي. إضافة الى ذلك، انخفض الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي ومع عدم قدرة التجار على تأمين الدولار لاستيراد المواد الغذائية ، انتشر الخوف من مجاعة محتملة.
أزمة دواء
في عز أزمة كورونا العالمية وما ان أعلن مصرف لبنان عزمه رفع الدعم عن الدواء المستورد حتى تهافت اللبنانيون على شراء الدواء خوفا من ارتفاع أسعار الأدوية بشكل جنوني، ومع تداول الأخبار عن تهريب بعض الأدوية إلى الخارج واحتكار شركات أدوية ووكلاء لبعضها الآخر سعياً إلى التحكم بأسعارها في الفترة المقبلة، بدأت أزمة انقطاع العديد من أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة.
وبالرغم من محاولة مصرف لبنان لجم الهلع بإعلانه ان الدواء سيكون آخر ما سيُرفع عنه الدعم الا ان الخوف استفحل باللبناني الذي لم يصدق تصريحات المسؤولين.
فرفع الدعم يعني ارتفاع أسعار الأدوية حوالى 5 أضعاف قد تعجز امامه المؤسسات الدوائية عن الشراء وهو ما دفع بالمواطنين الى التخزين خوفا من انقطاع الدواء في المستقبل فمن كان يبتاع علبة دواء شهرياً، صار يخزن 5 أو 6 علب منه، الأمر الذي أدى الى تقليص مخزون مستودعات الأدوية، الذي كان من المفترض أن يكفي لنحو 6 أشهر، في حين بات اليوم يكفي لشهر ونصف.
اضطرابات أمنية واجتماعية
مع تدهور الأوضاع على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية بدأت تتزايد انتهاكات الأمن الداخلي وارتفعت معها معدلات الجريمة، وحذر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي من تدهور الأمن الاجتماعي الذي تغذيه الأزمة الاقتصادية في الوقت الذي انتشرت فيه جرائم لسرقة مبالغ صغيرة من المال أو جرائم سطو بهدف الدواء أو للحصول على الطعام.
انهيار الأمن الاجتماعي في لبنان لم يعد تهديد الآن بل بات يتحول الى واقع ملموس مع توالي الأزمات. ومع انتشار الفقر سيؤدي رفع الدعم حتما الى شغب بسبب الغذاء كما حصل في طرابلس في الأيام القليلة الماضية، وغالبا ما تتخذ هذه الاضطرابات مواجهات مع قوات الأمن. المعادلة واضحة وصريحة، فهناك الكثير من السلاح في لبنان و الكثير من العاطلين عن العمل.
يبقى الخوف من ان تتحول هذه الاضطرابات الى حدث يومي. وهكذا في الطريق الى جهنم لبنان ، تصبح الحياة اليومية أكثر صعوبة.
لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:
مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال
هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟
لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى
سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟
كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟
قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟
العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة
السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
© Opinion 2021
المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.