PHOTO
تواجه الإدارة التونسية عراقيل سياسية تقف بينها وبين الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، ما يعقّد مهمة الرئيس قيس سعيد في إصلاح الاقتصاد التونسي المتدهور بعد انفراده بالسلطة في يوليو الماضي.
وكانت البنك المركزي التونسي قد أعلن في شهر نوفمبر استئناف المفاوضات بين تونس والصندوق بعد توقف دام لعدة أشهر عقب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد واطاحته بحزب النهضة الإسلامي بدعوى إصلاح الفساد السياسي الذي شهدته البلاد، ومنها إقالة رئيس الحكومة ووقف البرلمان وتعليق العمل بفصول من الدستور.
وهذا هو القرض الثالث التي تسعى تونس إلى الحصول عليه من صندوق النقد الدولي منذ ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والذي أعقبه تدهور اقتصادي كبير في البلاد على مدار العقد الماضي نتيجة للاضطرابات السياسية المتكررة وهجمات الجماعات المتطرفة.
وتشهد تونس اسوأ أحوالها الاقتصادية مع عجز مالي قدره 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي وانكماش اقتصادي بلغ 8.8% في العام الماضي.
لا مزيد من التسامح
ويقول معز الجودي، الخبير الاقتصادي ورئيس معهد الإداريين التونسيين، وهو كيان تونسي يدعم تطوير إدارة قطاع الأعمال في البلاد، إن صندوق النقد كان متسامح مع تونس بعد 2011 فيما يتعلق بمتطلبات البرنامجين السابقين، والتي عجزت السلطات التونسية بنسبة كبيرة في تلبيتهم، ما جعل مسؤولي الصندوق غير راضين عن مخرجات ونتائج كل من البرنامجين.
وبلغت قيمة برنامج الصندوق الأول مع تونس بعد رحيل بن علي 1.7 مليار دولار في 2013 والثاني 2.8 مليار دولار في 2016. ويسعى الآن البلد الشمال افريقي الأصغر من حيث المساحة إلى الحصول على قرض بقيمة حوالي 4 مليارات دولار وهو الأكبر في تاريخه.
ويعاني الاقتصاد التونسي من سوء مناخ الأعمال وضعف النمو الاقتصادي وعدم قدرته على خلق الموارد اللازمة لتحمل المصاريف المتزايدة وخاصة العمومية، بحسب الجودي.
وما يزيد الموقف تعقيدًا، يقول الجودي، هو الظرف السياسي التي تمر به البلاد في الوقت الحالي، ما يجعل موافقة الصندوق على البرنامج مستبعدة، بالإضافة إلى زيادة صعوبة مهمة الحكومة التونسية في تطبيق شروط البرنامج.
ولم تستطع حكومات تونسية متعاقبة تطبيق متطلبات صندوق النقد التقشفية وسط ضغوطات شعبية وسياسية، وذلك بعكس مصر، التي نالت الثناء من الصندوق لنجاحها في تمرير إجراءات صعبة بداية من 2016، تضمنت تخفيض سعر العملة ورفع الضرائب.
وقال الجودي "كل حكومة تأتي تتعهد بإجراء تلك الإصلاحات ولا تقوم بها. صندوق النقد الدولي الآن يقول اذا تحبوا تدخلوا في برنامج جديد معانا لازم تعهد واضح" وجدول زمني مفصل يشرح تطبيق تلك الإجراءات، التي يصفها الخبير الاقتصادي بالهامة من أجل وضع تونس على طريق التعافي.
ما هي طلبات الصندوق؟
ووضح الجودي أنه هناك 5 إجراءات أساسية قد يطلبها الصندوق من الحكومة:
1-تخفيض كتلة أجور الوظائف العمومية التي تخطت 20 مليار دينار (أكثر من 7 مليار دولار) وتمثل 17% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس. ويصف الجودي إجمالي قيمة تكلفة الأجور ب"المهول"، مضيفا أن 700 ألف موظف حكومي، في بلد لا يتخطى عدد سكانه 12 مليون نسمة، لا يحققون إنتاجية مقبولة مع استنزاف المصاريف العمومية.
2-إصلاح المنشآت العمومية عديمة الجدوى الاقتصادية، ومن ضمنها شركة الخطوط الجوية التونسية وشركة الكهرباء والغاز وشركة "فوسفات قفصة" التي كانت من الثروات الحكومية في الماضي، بحسب الجودي.
3-إعادة النظر في الدعم "لان الدولة تدعم المواد الاساسية" مثل الخبز والزيت والسكر، "وهي في حالة عجز وتستلف من الخارج بالعملة الصعبة" لتوفير التمويل اللازم له. وتمثل ميزانية الدعم 8% من ميزانية الدولة وتقدر بـ17.6 مليار دينار (6.1 مليار دولار).
4-إصلاح منظومة العدالة الجنائية وسط تهرب جنائي متكرر في تونس.
5-تأمين الصناديق الاجتماعية حيث هناك تهديد لمعاش مئات الآلاف من المتقاعدين التونسيين نتيجة نقص المساهمات.
"الضبابية"
يشير الجودي أن الوضع الحالي في تونس يتسم ب"ضبابية في التعامل مع الملف الاقتصادي" مع استمرار الضغوط والاقتراض الداخلي من البنوك لتسديد فاتورة الأجور وباقي الالتزامات.
وما يزيد من ضبابية الموقف هو أن من غير المعروف إلى متى ستبقى الحكومة الحالية وما هي الخطوات القادمة للإصلاح السياسي في تونس. فمع وقف البرلمان وتعليق العمل بفصول من الدستور لم يتم تحديد موعد الانتخابات القادمة وإنهاء الوضع المؤقت الحالي.
ويؤكد الجودي أنه من المستبعد أن يوافق صندوق النقد على اتفاق مع تونس في وجود حكومة مؤقتة أو "هشة وضعيفة سياسيا"، الأمر الذي يجعله يستبعد إجراء اتفاق في الوقت الحالي.
وتواصل موقع زاوية عربي مع صندوق النقد الدولي عبر البريد الالكتروني للتعليق على إمكانية التوصل لاتفاق مع الحكومة التونسية بخصوص برنامج تمويل جديد، ولم يرد حتى اللحظة.
وتشير سارة يركيس، وهي زميلة في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، التابع لمركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط ومقره بيروت إن بعض المتطلبات لإصلاح الاقتصاد المطلوبة في تونس "لا تتمشى مع بعضها البعض"، مثل تخفيض نسب البطالة وتخفيض أجور القطاع العام الذي بالضرورة سيؤدي إلى اقتطاع وظائف حكومية.
لا مجال للتقشف
شهدت تونس اندلاع احتجاجات واشتباكات مع قوات الأمن بشكل متكرر في العام الماضي والحالي في أماكن مختلفة من البلاد اثر ارتفاع معدل البطالة الذي تفاقم مع الجائحة وانهيار المنظومة الصحية في البلاد وسط زيادة عدد المصابين.
وكان معدل البطالة في تونس قد وصل إلى 17.8% في الربع الأول من 2021، مع تدهور الزراعة والسياحة، وهما أهم قطاعين تشغيليين في البلاد.
ومع المزيد من المظاهرات ضد الرئيس سعيد بعد الإجراءات التي اتخذها وسط تردي أكبر للأحوال الاقتصادية، من المتوقع أن يواجه تطبيق الإصلاحات المطلوبة لقرض الصندوق برفض صارم من الشارع التونسي.
ورغم أن نظريا يستطيع قيس سعيد في ظل الأوضاع الحالية أن يطبق مثل هذه الإجراءات بشكل منفرد بدون الرجوع لأي جهات حكومية، "إلا أنه في هذه الحالة سيجازف بخسارة دعم الاتحاد العام التونسي للشغل وقطاعات عريضة من الشعب التونسي والذي يحتاجه لإبقاء الحكومة الهشة"، وفقا ليركيس.
وفي خطاب يوم السبت الماضي، وصف نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل التونسي، وهو اتحاد العمال الرئيسي في البلاد، الرئيس قيس سعيد بأنه "شخص يمشي في الظلام"، مؤكدا رفض مساندته بشكل غير مشروط في ظل عدم اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الأوضاع في تونس.
وتتوقع يركيس أن في كل الأحوال سيخسر قيس سعيد المزيد من شعبيته مع الوقت وستزداد المظاهرات ضده في ظل عدم معالجة أوجاع تونس الاقتصادية.
(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز)
(للتواصل: ahmed.feteha@refinitiv.com)
© ZAWYA 2021
#تحليل مطول
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام