PHOTO
بعد تأخير دام أكثر من أربعة اشهر احيل في 26 من يناير الماضي مشروع الموازنة العامة 2021 الى رئاسة مجلس الوزراء وسط سجال دستوري حول قانونية اجتماع الحكومة المستقيلة لإقرار الموازنة.
ففي حين يعتبر البعض ان اجتماع الحكومة لإقرار الموازنة يعتبر تفعيل لحكومة تصريف الأعمال خارج ما يسمح به الاطار الدستوري، يعتبر آخرون ان الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة في غياب التوافق على تشكيل حكومة جديدة يحتم إقرار الموازنة ويستندون في ذلك على سابقة حدثت في الستينات من القرن الماضي.
ويعد إقرار الموازنة من البنود الإصلاحية الأساسية التي طالب بها المجتمع الدولي لإصلاح الانتظام في المالية العامة قبل البحث في موضوع المساعدات.
كان لبنان بعد سنوات من الإهمال المالي وفي غياب الموازنات العامة قد ابتدع نظرية الانفاق الاثني عشري، وهي قاعدة الانفاق من خارج الموازنة بناء على الموازنات السابقة. تقوم الحكومة بقسمة قيمة الموازنة السابقة على 12 وتحتسب بذلك معدل الانفاق الشهري في السنة الحالية.
اما اليوم فان الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية، وتراجع عائدات الدولة الضريبية واشتداد الأزمة المعيشية، يعني ان تغير أساسي يجب ان يطرأ على برنامج الموازنة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، و المقاربة السابقة القائمة على مجرد تقدير الإيرادات والنفقات لم تعد تنفع.
فهل يقدم مشروع الموازنة مقاربة جديدة تنقذ اللبنانيين من المستنقع الحالي ام انها تكرار للموازنات السابقة؟
تشمل الموازنة الجديدة 111 بند وتحتوي على تفاصيل لإيرادات مشكوك بالقدرة على تحصيلها وتفاصيل لانفاق الدولة على الرواتب والأجور والنفقات الإدارية الرسمية. اما من ناحية المضمون فيمكن القول ان أرقام الموازنة غير واقعية وذات تقديرات نظرية على الأقل.
تفاصيل الموازنة الجديدة
1- تجاهل أزمة سعر الصرف
أول ما يلفت النظر في مشروع الموازنة انها تعتمد في تقديراتها وخاصة النفقات التي تقوم على الاستيراد على سعر الصرف الرسمي أي 1,500 ليرة مقابل الدولار في حين تخطي السعر الحقيقي المتداول 8,000 ليرة للدولار، ما يثير العديد من الشكوك حول واقعية هذه الأرقام من ناحية القيمة الحقيقية للقدرة الشرائية للرواتب والأجور وقدرة مصرف لبنان على تمويل الاستيراد على سعر الصرف المعتمد في ظل نفاذ الاحتياطي الأجنبي.
ويلحظ في هذا الاطار الغياب التام لالتزامات الدولة للدائنين الدوليين، والمقدرة بالدولار، وان كان متوقعا ، كون لبنان كان قد تخلف عن سداد الديون في العام الماضي.
2- إعفاءات ضريبية و مصرفية
تتضمن الموازنة العديد من البنود المتعلقة بالإعفاءات الضريبية والتي كانت متوقعة نتيجة تعطل الدورة الاقتصادية وعملية الإنتاج مع اغلاق العديد من المؤسسات أبوابها. وتلفت المادة 74 من الموازنة النظر كونها تمنح اعفاء المصارف من ضريبة الفوائد عن الودائع الأجنبية التي يتم ايداعها نقدا أو من خلال تحويل مصرفي. ويعتبر ذلك محاولة يائسة لجذب الأموال التي لن تأتي في ظل الأزمة المصرفية واستمرار المصارف في حجز الودائع والاستمرار في فرض الرسوم على كل عملية يقوم بها المودع في المصارف.
مع هذه الإعفاءات وتراجع الواردات المالية الغير ضريبية خاصة الجمركية والاتصالات والضريبة على القيمة المضافة، من المستبعد ان تتمكن الدولة من تغطية نفقاتها الأساسية ما يعني ان الدولة ستلجأ الى الاقتراض. بعد التخلف عن سداد الديون والخروج من الأسواق المالية العالمية، الاقتراض بات يعني حصريا اللجوء الى مصرف لبنان والأرجح عن طريق طباعة المزيد من الليرة، وذلك سيؤدي حتما الى المزيد من التضخم وانهيار إضافي في سعر الصرف.
وبالرغم من المطالبة المتكررة لتدخل صندوق النقد الا ان مشروع الموازنة لم يذكر أي خطوة عمل أو برنامج يتعلق بإعادة هيكلة الإدارة اللبنانية وإعادة النظر في حجم القطاع العام لا سيما في ما يتعلق بالتقاعد والتعويضات، وكيف ستتمكن من تسديد المبالغ المستحقة عليها، والأهم كيف سيتم تعويض المستفيدين بعد ان انخفضت القيمة الحقيقية لأموال التقاعد والتعويضات إلى الثلث تقريبا.
3- الكهرباء
وبالكاد أيضا تطرقت الموازنة الى بند الكهرباء بالرغم من كونه أكثر القطاعات هدرا وفسادا والمساهم الأول في عجز الموازنات المتكرر والمسؤول المباشر عن حوالي ثلث الدين العام. وفي غياب أي رؤية لإصلاح القطاع يمنح مشروع الموازنة وزير الطاقة صلاحية رفع التعرفة تدريجيا على الاستهلاك مع محاولة إبقاء التعرفة منخفضة لذوي الاستهلاك المنخفض والأهداف الصناعية.
وبالإضافة الى بعض البنود التي تهدف الى تشجيع الاستثمارات والأعمال في لبنان، أجاز البند 95 من الموازنة لكل عربي أو اجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان الحصول على إقامة طيلة مدة ملكيته، على ان تكون قيمتها بالحد الأدنى 350 ألف دولار في بيروت و 200 ألف دولار خارجها. ويعتبر هذا البند محاولة أخرى يائسة لجذب الدولار الى لبنان.
ولكن مع استثناء المادة للسوريين والفلسطينيين، لنا ان نسال من ستجذبهم الإقامة في بلد يعاني من انهيار مالي واقتصادي وصحي كارثي؟ وكيف ستضمن لهم المصارف إمكانية سحب استثماراتهم بالدولار الى الخارج في حال أرادوا ذلك؟
4- جديد الموازنة....ضريبة التضامن الوطني
المادة 37 والمتعلّقة بضريبة التضامن الوطني قد تكون وحدها جديد موازنة 2021. هي ضريبة استثنائية تصاعدية تُفرض لمرة واحدة على كل حساب ودائع لدى المصارف اللبنانية، وتقدّر بنسبة معينة على الودائع بالدولار او ما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر الصرف 1,500 ليرة للدولار الواحد وستطبق كالتالي:
1 في المئة عن كل حساب تبلغ قيمته مليون دولار ولا يتجاوز 20 مليون دولار.
1.5 في المئة عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 20 مليون دولار ولا يتجاوز 50 مليون دولار.
و2 في المئة عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 50 مليون دولار.
ونسال هنا، هل ستتمكن الدولة من تحصيل هذه الضريبة من أصحاب الودائع الكبيرة وخاصة بعد ان عجزت تكرارا عن الزام المصارف وكبار المودعين بإعادة أموالهم التي تم تهريبها الى الخارج مع غياب قانون ضبط الرساميل (كابتل كونترول)؟
واذا ما تمكنت من ذلك فان الية التطبيق يجب ان تكون واضحة مع اعتماد مركزية الودائع اذ لا يجوز ان تفرض الضريبة على من وضع أمواله في مصرف واحد في حين يستثني منها من وزع أمواله على مصارف عديدة.
للأسف لا تبدو الموازنة بشكلها الحالي أكثر من مجرد تكرار للموازنات السابقة. البلد تغير كثيرا في حين مشروع الموازنة ما زال يراوح مكانه. وهي لا تتضمن أي بنود إصلاحية او تنموية وإقرارها بدون تشكيل حكومة ببرنامج إصلاحي ضمن مشروع مع صندوق النقد الدولي يبقى فقط ضمن اطار استحقاق دستوري لازم الاجراء.
البلد بات في مكان آخر.
لم يعدي يكفي تشخيص المرض، بل يجب ان يبدأ العلاج.
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح
© ZAWYA 2021
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام