PHOTO
يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الكويتي بنسبة 8.1% في 2020، ومن المتوقع ان تستمر معاناة الكويت في العام الحالي.
ويرجع ذلك إلى تدهور التوقعات لأسعار النفط وجائحة كورونا، حيث شعرت الكويت بشدة بتأثير الصدمة المزدوجة مع انخفاض الطلب العالمي على الطاقة وتسبب حرب الأسعار الروسية السعودية في انهيار أسعار النفط في الربع الأول من 2020.
وتعاني الكويت من حساسية شديدة لتقلب أسعار النفط أكثر من أي دولة أخرى. فالكويت من أكثر دول مجلس التعاون الخليجي اعتمادا على النفط والغاز. يبلغ متوسط الدخل النفطي %90 من إجمالي الإيرادات، وهو يمثل %50 من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من %90 من صادرات الكويت.
وبالرغم من حاجة الكويت الماسة لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الادمان على النفط ومعالجة الاختلالات الهيكلية الأخرى في الاقتصاد لحماية ثروة الكويت الهائلة من التآكل، الا ان الاختلاف الداخلي الدائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية للحكومة غالبا ما يؤدي الى عرقلة مسار الإصلاح الاقتصادي وشل الجهود المبذولة لاتخاذ التعديلات المالية التي تمس الحاجة إليها وتنفيذ أي خطط تنويع هادفة.
التحول من الانفاق الى الاستثمار
إن الاستثمار غير النفطي في الكويت مدفوع بشكل أساسي بالإنفاق الحكومي. ونظرا الى اعتماد الكويت الكبير على النفط، يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إعاقة الاستثمارات المعززة للنمو في مجالات مختلفة كالبنية التحتية، ما يحرم الاقتصاد الكويتي من آثار مضاعفة كبيرة من شأنها أن تحفز نمو القطاع الخاص.
ويعتبر نقص الاستثمار الطويل الأجل في البنية التحتية أحد أعراض العبء المالي الهائل للتكاليف الباهظة لنظام الرعاية الاجتماعية الواسع.
ويشكل ارتفاع الأجور والتوظيف المضمون وساعات العمل القصيرة حافز قوي للكويتيين لاختيار العمل في القطاع العام بدلا من القطاع الخاص، ويوظف القطاع العام الكويتي نحو %80 من الكويتيين. يمثل هذا الإنفاق عبء كبير على ميزانية الكويت حيث تستهلك رواتب ومخصصات وإعانات القطاع العام أكثر من %70 من إجمالي الميزانية.
بناء عليه، فإن تقليص فاتورة الأجور العامة والإلغاء التدريجي للإعانات العامة غير الفعالة، من شأنه أن يوفر موارد مالية مهمة لزيادة الإنفاق الرأسمالي الذي يساهم في تعزيز النمو وخلق فرص العمل في القطاع غير النفطي والخاص. ومن شأن زيادة الإنفاق على المشاريع الاستثمارية أن تساعد في معالجة نقص الاستثمار الطويل الأمد في البنية التحتية للكويت.
كما ان هذا الانتفاخ الغير الصحي اقتصاديا للقطاع العام من الأسباب الرئيسية لغياب الكفاءة والإنتاجية، وانتشار البيروقراطية والروتين المفرط. وتظهر اعراض هذا الانتفاخ في الكويت، في ضعف سجل تسليم المشاريع في قطاع البنية التحتية حتى بات التأخير أمر شائع في تنفيذ المشاريع.
وتجلى ذلك مؤخرا في قرار هيئة الموانئ الكويتية بتأجيل مشروع ميناء مبارك الكبير الذي تبلغ قيمته 6.5 مليار دولار في جزيرة بوبيان، قبالة سواحل العراق، والذي كان حجر الزاوية في خطة رؤية الكويت 2025 لتنويع الاقتصاد. ويمثل تعليق العمل في ميناء مبارك الكبير، الذي كان من المقرر أن يبدأ تشغيله بحلول عام 2019، تباطؤ في الاستثمارات غير النفطية ويؤكد الحاجة إلى تحسين اختيار المشاريع والتخطيط والتنفيذ.
وتتخلف الكويت عن نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية جودة البنية التحتية.
ففي تقرير التنافسية العالمية 2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت الكويت المرتبة 66 بين 141 دولة من حيث جودة بنيتها التحتية.
ازمة السيولة والإصلاح المالي
نتيجة انخفاض أسعار النفط وتعطيل كورونا للاقتصاد العالمي والاغلاقات المتكررة للاقتصاد الكويتي، من المتوقع ان تنخفض إيرادات السنة المالية 2020-2021 إلى النصف. ويقدر صندوق النقد الدولي أن الدين الحكومي يجب أن يرتفع إلى أكثر من 74% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025 من أجل سد احتياجات التمويل على المدى المتوسط. كما تتوقع وكالة موديز أن الكويت ستحتاج إلى 90 مليار دولار من الديون لتلبية احتياجات التمويل الحكومية حتى السنة المالية التي تنتهي في مارس 2024.
وكانت الكويت قد استنفدت بسرعة صندوق الاحتياطي العام - احتياطي السيولة الرئيسي للحكومة - لتمويل الميزانية في العام 2020 بعد ازمة الرواتب والسيولة مع استمرار غياب التفويض القانوني لإصدار الديون أو السحب من أصول صندوق الثروة السيادي المحتفظ بها في صندوق الأجيال القادمة.
وفي ظل ازمة السيولة والضغوط المالية مع حزم التحفيز الاقتصادية نتيجة اغلاقات كورونا، لم تتمكن الكويت من الاستفادة من المستثمرين الدوليين والاقتراض من أسواق الديون العالمية لتمويل عجزها، كما دول الخليج الأخرى، لأن البرلمان رفض تجديد قانون الديون الذي انتهى في عام 2017. ويبرر المجلس التشريعي منطقهم على أساس أنهم لم يروا بعد خطط لإصلاح الاقتصاد وتحويل اعتماده الكبير على النفط.
ويعارض البرلمان بنفس القدر الاستفادة من صندوق الأجيال القادمة، رابع أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، حيث يقدر بنحو 550 مليار دولار، كوسيلة لسد النقص في التمويل. ويتطلب النفاذ الى الصندوق تفويض قانوني من البرلمان، الامر الذي لم يحدث الا مرة واحدة في تاريخ الكويت خلال حرب الخليج الأولى.
والجدير بالذكر ان وكالة التصنيف الائتماني موديز كانت قد خفضت تصنيف الكويت للمرة الأولى خلال العام 2020. وفي حالة استمرار ضغوط السيولة المرتفعة، فان الكويت تخاطر بتخفيضات إضافية في التصنيف الائتماني، الذي يزيد من تكاليف الاقتراض الحكومية في أي بيع سندات دولية في المستقبل.
قرارات جريئة
ان استنفاد الكويت لأصولها السائلة وتدهور قيمة صادراتها النفطية، مترافقا مع الفشل في تنفيذ الإصلاح المالي وتنويع الاقتصاد سيجبر الكويت على اللجوء لصندوق الأجيال القادمة في وقت أقرب بكثير مما كان متوقع، مما يعرض للخطر رفاهية أجيال المستقبل من الكويتيين.
بينما تحتاج الكويت إلى الاقتراض لتجنب نفاد السيولة، فإن الالتفاف على الإصلاح المالي مع الاعتماد فقط على زيادة الديون من شأنه أن يزيد عبء ديون الكويت بشكل كبير وسط تدهور آفاق أسعار النفط، مما يؤدي إلى تآكل قدرة الكويت طويلة الأجل على خدمة الديون المتصاعدة.
لا بديل عن القرارات الغير الشعبية للإصلاح المالي، والمتمثلة في احتواء نمو التوظيف العام، المساهم الرئيسي في الضغوط المالية في الكويت. وهذا الامر يجعل نمو القطاع الخاص حاسم في استيعاب معظم المواطنين الكويتيين المتوقع دخولهم سوق العمل في السنوات المقبلة.
وخير الإصلاح عاجله، فكلما تأخر الوقت زادت التكلفة واتسعت الفجوة.
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
© ZAWYA 2021
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام