يبدو واضح لنا أن العالم الذي اعتاد عليه المستثمرون خلال السنوات القليلة الماضية مختلف تمامًا عما نحتاج إلى التعود عليه في السنوات القادمة.
هنا نلقي نظرة على أربعة توقعات من المرجح أن تعززها أزمة فيروس كورونا أو تسرعها والتي بنيتها على تجاربنا بعد الأزمة المالية العالمية، يمكن لهذه التوقعات ان تساعد في توجيه المستثمرين خلال فترة اضطراب غير مسبوق.
وقد حددنا عدد من القوى الاقتصادية التي نعتقد أنها ستشكل المشهد الاستثماري أمامنا، وبالرغم من ان التاريخ لا يتكرر بالضرورة، الا ان هذه التوقعات تبدو مع مرور كل يوم كحقائق لا مفر منها.
التوقع رقم 1: أسعار فائدة منخفضة
ان معدلات الادخار المرتفعة والاستثمار الرأسمالي المنخفض سيؤدي إلى تباطؤ النمو وانخفاض معدل الفائدة المتوازن، أي معدل الفائدة عندما تكون البطالة عند معدلها الطبيعي ويكون التضخم مستقر.
كما ان حجم الاستثمار الضعيف سيعيق تعافي الإنتاجية ويعزز تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، فإن تفشي كورونا يعزز الاستنتاج بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة بالقيمة الحقيقية لفترة طويلة.
التوقع رقم 2: زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية
مثلما اضطر القطاع المصرفي إلى زيادة الحماية ضد المخاطر بعد الأزمة المالية العالمية منذ أكثر من عقد من الزمان، من المتوقع أن يفعل القطاع الصحي الشيء نفسه بعد الوباء. ان زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية سوف يتسارع بشكل اكبر مع مضاعفات فيروس كورونا.
على وجه الخصوص ، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على الصحة مع قيام الحكومات ببناء المزيد من المرونة في أنظمتها الصحية. سيشكل هذا الأمر جزء من اتجاه أوسع حيث من المرجح أن تلعب الحكومات دور أكثر في دعم الطلب الكلي، والذي يتضمن إجمالي الطلب على السلع والخدمات المرغوب فيها، في الاقتصاد من خلال السياسة المالية، وسيكون الإنفاق الحكومي أعلى لتعويض تباطؤ الطلب الخاص.
وسيشكل هذا تحدي لوزارات المالية في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي أن إجمالي الدين الحكومي سيرتفع إلى 150%من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة العشرين بحلول نهاية عام 2021، والسبب في ذلك يعود إلى حد كبير الى جائحة كورونا. لذلك، ستواجه الحكومات الخيار غير المفضل المتمثل في زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق العام لاحتواء عجز الميزانية.
التوقع رقم 3: الديون
يرى الكثيرون أن الديون لن تنخفض من خلال التقشف المالي، ولكن من خلال التضخم.
وهذا قد يعني تقويض الحكومات لاستقلال البنوك المركزية ، والابتعاد عن أهداف التضخم ، وفي نهاية المطاف تبني سياسات مثل النظرية النقدية الحديثة (MMT) أو طباعة النقود بشكل مباشر لإنفاقه في الاقتصاد.
الفكرة المركزية لـ MMT هي أن الحكومات التي لديها نظام عملات ورقية تحت سيطرتها يمكنها طباعة بقدر ما تحتاج إلى إنفاقه لأنه لا يمكن إفسادها أو إفلاسها ما لم يتم اتخاذ القرار السياسي للقيام بذلك.
يقول البعض إن مثل هذا الإنفاق سيكون غير مسؤول من الناحية المالية لأن التضخم سيرتفع بشكل كبير وتنخفض معه القيمة الحقيقية للديون.
ستكون النتيجة بعد ذلك تضخم أعلى وربما مفرط. ستنخفض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، ولكن مثل هذه السياسات لا تجعل الحكومات تتمتع بالشعبية.
التوقع رقم 4: التغيير التكنولوجي المتسارع
من المتوقع ان نمو الأجور سيظل ضعيف، بل قد يزداد التفاوت في الدخل أكثر. من المرجح أن يكون الدافع وراء هذا التفاوت هو التسارع في التكنولوجيا بعد الأزمة.
هناك قوتان تعملان هنا. أولاً ، هناك تأثير "الأزمة باعتبارها أم الاختراع" ، حيث أدى الاضطرار إلى البقاء في المنزل إلى تعزيز تجارة التجزئة عبر الإنترنت وعقد المؤتمرات عبر الفيديو وجميع جوانب العمل عن بُعد. و بالتالي ليس من المستغرب أن شركات التكنولوجيا (كما يمثلها مؤشر ناسداك) قادت الارتفاع الأخير في أسواق الأسهم الأمريكية.
ثانيًا ، التأثير طويل المدى، حيث تجبر الجائحة الشركات على إعادة التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بها. من المرجح أن تؤدي صعوبات السفر والحاجة إلى جعل سلسة التوريد أكثر مرونة إلى تنوع أكبر في الموردين، مع ما يعني هذا من المزيد من التشغيل الآلي بدلاً من زيادة الطلب على العمالة المحلية.
من المرجح أن يكون الذكاء الصناعي هو الفائز ، مما يسرع من الثورة الصناعية الرابعة.
على المدى الطويل، من المحتمل أن يؤدي التغيير التكنولوجي المتسارع إلى زيادة الإنتاجية لأنه سيقلل من العديد من المدخلات المرتبطة بالأعمال مثل تكاليف السفر وصيانة المساحات المكتبية. وعلى الرغم من ذلك ، فإنه يعني فقدان الوظائف لتلك القطاعات من الاقتصاد التي تسهل الأعمال التجارية مثل شركات السفر وشركات الطيران وشركات إدارة المكاتب.
العالم تغير حتما
في حين أن الاقتصاد قد يكون قادر على الانتقال في النهاية إلى مستوى جديد من الإنتاجية العالية، فإن التأثير الفوري هو إزاحة العمال الذين سيحتاجون بعد ذلك إلى إعادة المهارات أو الانتقال للحصول على عمل في الاقتصاد الجديد. سيؤدي هذا إلى زيادة الشعور بعدم الرضا تجاه الاقتصاد ودفع الناس إلى البحث عن حلول شعبية.
أن اتجاهات عدم المساواة الآخذة في الاتساع ستستمر خلال هذه المرحلة، مما يزيد مرة أخرى من البحث عن حلول شعبية. سوف تجد الحكومات نفسها في مأزق متزايد الصعوبة؛ و من غير المرجح أن يكون لديهم الفسحة المالية الاحتياطية لتجنب بعض هذا الضغط من خلال زيادة الإنفاق.
من المرجح أن يعزز الفيروس الاتجاهات التي كانت تقود النشاط قبل اندلاع تفشي المرض، من خلال تحدي مسار النمو ، وخلق ضغط أكبر على المالية الحكومية وزيادة عدم المساواة مع انتشار التكنولوجيا بشكل متزايد.
سيتزايد تدخل الحكومة وسيحتاج المستثمرون إلى أن يكونوا أكثر مرونة من أي وقت مضى لتحقيق أهدافهم.
لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:
كورونا والاقتصاد ونحن ..كيف سنتغير؟
القطاع المصرفي وامتحان فبراير: (الجزء الثاني)
مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال
هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟
لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى
سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟
كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟
قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟
العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة
السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
© Opinion 2021
المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.