عاصفة كورونا مجدداً...! لم يعد بإمكاننا تحليل أي مؤشر اقتصادي دون ذكر الضيف الثقيل غير المرغوب فيه كوفيد-19. هذه المرة، نتحدث عن الاستثمارات الأجنبية وتوجهاتها عالمياً خلال النصف الأول من 2020، وهي إحدى الصور التي تظهر فيها بوضوح آثار الجائحة على اقتصاد الكوكب إن صح مثل هذا التعبير، الذي لا نجد غيره لتوضيح أن آثاره قد طالت الجميع.
يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أهم المؤشرات الاقتصادية لأنه من ناحية يسهم في النمو الاقتصادي، انتقال الخبرات والمعرفة الفنية، أحد وسائل الاستفادة من المزايا النسبية للدول، وكذلك من ناحية أخرى يعد مؤشر على مدى جاذبية اقتصاد ما من حيث الفرص الاستثمارية والنظم الإدارية والمخاطر الكلية المحيطة بهذا الاقتصاد.
ومؤخراً، أصدرت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" تقريرها الذي يتناول أداء الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً خلال النصف الأول من 2020، ونحاول هنا إلقاء الضوء على أهم ما جاء فيه بشكل مبسط.
وضع الاستثمارات
انخفضت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي عالمياً خلال النصف الأول من العام الحالي لتبلغ حوالي 399 مليار دولار، وهي قيمة أقل بحوالي 49% مقارنة بالنصف المماثل من 2019، نسبة مفزعة وإن كانت متوقعة، بسبب إجراءات الغلق وصعوبة التحركات والتي أثرت بشدة على المشروعات القائمة وبالتالي أعادت العديد من الشركات والكيانات متعددة الجنسيات نظرها في أي توسعات أو مشروعات جديدة.
وقد طال هذا الانخفاض جميع أوجه الاستثمار الأجنبي المباشر.
على سبيل المثال، انخفضت تدفقات الاستثمارات الخضراء (التي تستهدف البعد البيئي والمستدام) بنسبة 37%، وكذلك حركة الاندماجات والاستحواذات والتي انخفضت بنسبة 15%.
الاقتصادات المتقدمة ووالنامية
كانت الرياح أكثر عصفاً في الاقتصادات المتقدمة، حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى 98 مليار دولار، أي انخفاض بنسبة 75% بالمقارنة بالعام السابق. ويكفي أن نشير هنا إلى ما ذكرته الأونكتاد أن هذا الرقم لم تره الدول المتقدمة منذ 1994...!
فقي دول ما يسمى بالـ EU27، أي الاتحاد الأوربي باستثناء المملكة المتحدة، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 29% على أساس سنوي لتسجل 133 مليار دولار انخفاضا من 186 مليار دولار، شهدت هولندا وحدها خروج استثمارات بحوالي 86 مليار دولار، كما فقدت إيطاليا استثمارات من شركة فودافون في أبراج تقوية شبكة شركة تيليكوم إيطاليا بحوالي 4.2 مليار دولار، مما ساهم في التراجع الشديد في تدفقات الاستثمار من 9 مليار في النصف الأول من العام السابق إلى 2 مليار في النصف المقارن من 2020.
الأزمة كانت أقل وطأة على التدفقات للدول النامية، بانخفاض في إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بحوالي 16% فقط. وقد كانت التدفقات إلى أفريقيا هي الأكثر انخفاضاً، بنسبة 28%، بينما دول أمريكا اللاتينية شهدت تراجع بـ 25%، بينما الدول النامية بآسيا كانت الأكثر حظا، بانخفاض نسبته 12% فقط بالمقارنة بالنصف الأول من 2019.
صدق أو لا تصدق
الصين كانت أقل تضرراً..! بالرغم من أندلاع أزمة كورونا في الصين أولا، إلا أنها كانت من الدول المحظوظة في التماسك النسبي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث انخفضت على أساس سنوي بـ 4% فقط، لتسجل 76 مليار دولار. وقد ساعد على هذا التماسك ارتفاع معاملات الدمج والاستحواذ بنسبة 84%، والتي كانت بشكل كبير في قطاع خدمات المعلومات والتجارة الإلكترونية.
وبعيداً عن ما كان بالفعل، تتوقع الأونكتاد أن تكون المحصلة النهائية لإجمالي عام 2020 من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أقل من العام السابق بحوالي 30% إلى 40%. ولا زال الأفق لأرقام التدفقات الاستثمارية مليئ بالغموض، شأنه شأن باقي المؤشرات الاقتصادية جميعها، وتعتمد إمكانية التعافي ومعدله على استمرارية الجائحة والنظرة المستقبلية للنشاط الاقتصادي وعودة الحياة لطبيعتها.
لقراة مقالات سابقة لإسراء:
أداء متباين للقطاع الخاص في السعودية والإمارات، المخاوف واحدة..
(إعداد: إسراء أحمد، وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة.
© Opinion 2020
المقال يعبر فقط عن عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية أستثمارية معيّنة.