PHOTO
* جماعات مسلحة تخطف العاملين في المجال الطبي لطلب فدية
* أطباء يتحدثون عن انهيار الأمن في العامين الأخيرين
من سارة دعدوش
اسطنبول 22 ديسمبر كانون الأول (رويترز) - كان الدكتور خليل أغا يعمل في مستشفى بشمال غرب سوريا عندما طرق مسلحون ملثمون بابه ولوحوا بورقة تفيد أنه مطلوب لدى إحدى الجماعات الإسلامية ذات النفوذ. وألقوا به في سيارتهم مقيد اليدين معصوب العينين.
وطلب الخاطفون 100 ألف دولار فدية لإطلاق سراحه. وأصبح الطبيب الجراح واحدا من عشرة من العاملين في المجال الطبي يقول أطباء إنهم تعرضوا للخطف هذا العام في منطقة تحت سيطرة المعارضة تنزلق تدريجيا إلى الفوضى.
أدى اتفاق توصلت إليه روسيا وتركيا قبل ثلاثة أشهر إلى تحاشي هجوم من الجيش السوري لاستعادة المنطقة التي تقع حول محافظة إدلب. غير أن انخفاض التمويل الخارجي سواء للجماعات المتشددة أو للشرطة المحلية التي تواجه صعوبات في فرض قدر من النظام أضعف الأمن.
والآن يشعر العاملون في المجال الطبي بالوطأة إذ تتنافس عصابات مسلحة على النفوذ والمال. وتستهدف العصابات الأطباء لأنهم مشهورون ولأن دخلهم مرتفع نسبيا ولأنهم يميلون لإبداء آراء تتعارض مع آراء خاطفيهم.
قال منذر خليل رئيس مديرية الصحة في إدلب إنه لم تقع أي اعتداءات تقريبا على العاملين في المجال الطبي في السنوات الخمس الأولى من الحرب الأهلية.
وقال "بداية من 2011 حتى نهاية 2016، تقريبا ما كان في أي اعتداءات على كوادرنا وسياراتنا. بس آخر سنتين صار في عبوات ناسفة تستهدف سياراتنا. سرقة سيارات. اعتقالات. محاولات اغتيال".
وقبل أربعة أشهر كان الدكتور أغا يعمل في مستشفاه بشرق محافظة اللاذقية قرب إدلب عندما سمع طرقة على الباب. فتح الباب فوجد رجلين مسلحين أبلغاه أنه مطلوب أمام محكمة تديرها جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية التي تسيطر على قطاع كبير من المنطقة.
قيد الاثنان يداه وعصبا عينيه. ويقول الدكتور أغا "بعد سبع أيام لحتى طلعوني لحتى شفت الضوء".
واتهمه الخاطفون بالعمل مع تركيا وجمعيات أهلية أجنبية وجماعة معارضة سورية أخرى وطالبوا زوجته بدفع 100 ألف دولار. فباعت مجوهراتها وسيارته واقترضت المال من أكبر عدد ممكن من الناس لدفع الفدية.
* اضطرابات في الشمال الغربي
ازداد الوضع سوءا بوصول عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين من جيوب المعارضة المهزومة في مناطق أخرى من سوريا إلى الشمال الغربي آخر المعاقل الرئيسية للمعارضة المناوئة للرئيس بشار الأسد.
وقال الدكتور أغا "وزاد عدد الفصائل، زاد التناحر بين الفصائل، وفي ناس سيطرت وفي ناس انقرضت.
"صار كل واحد يشتغل لحاله، على أجندة معينة، أجندة سواء سياسية أو أجندة دينية. وبالتالي ما بقى حدا مسيطر على منطقة معينة لحتى يكون صار الأمن فيها".
وتسيطر على المنطقة مجموعة من جماعات المعارضة أقواها هيئة تحرير الشام التي اندمج فيها عدد من الجماعات الإسلامية وتهيمن عليها جماعة كانت تعرف باسم جبهة النصرة التي انشقت على تنظيم القاعدة في 2016.
وتحارب جماعات أخرى تحت لواء الجيش السوري الحر بدعم تركي في تحالف يسمى الجبهة الوطنية للتحرير.
وتوقف التمويل الخارجي لعدة جماعات في أعقاب قرار أمريكي بوقف برنامجها التمويلي العام الماضي فانقطع المال عن بعض الجماعات التي كانت تعتمد اعتمادا كاملا تقريبا على تبرعات من الخارج ودفع ذلك بعضها للخطف لتدبير أمورها.
وفي وقت سابق من العام الجاري أدى انخفاض في الدعم البريطاني إلى توقف تمويل مشروعات من بينها إنشاء قوة شرطة مستقلة.
ولم يتم تسليح الشرطة السورية الحرة العاملة فقط في مناطق المعارضة التي لا تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام بما يتسق مع اتفاق الدول الغربية الداعمة لها وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والدنمرك وهولندا وكندا وألمانيا.
ومنذ توقف التمويل رفع بعض رجال الشرطة السلاح. لكن لا حيلة لهم في الدفاع عن المدنيين والأطباء من عمليات الخطف على أيدي جماعات مسلحة في مناطق لا تخضع لسيطرتهم.
وقال العقيد ماهر غريبة "نحنا ما منقول إنو نحنا ... عنا (عندنا) عصا سحرية".
وقال العميد فؤاد سويد قائد شرطة إدلب الحرة إن انخفاض التمويل أدى أيضا إلى إرغام رجال الشرطة على البحث عن وظائف أخرى لتغطية مصروفاتهم الأمر الذي أضعف عملهم في مجال الأمن.
وأضاف أن رجال الشرطة مضطرون لترك أعمالهم والبحث عن عمل في بساتين الزيتون وحصاد البطاطا والعمل كعمال باليومية أو كخبازين.
* "لا حرب ولا سلم"
خلال الصيف نظم الأطباء في إدلب إضرابا عن العمل لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على أعمال الخطف وتفشي انعدام الأمن. وبدأ بعض الأطباء حمل أسلحة صغيرة على سبيل الحماية رغم أن آخرين قالوا إنها لن توفر لهم الحماية.
وقال صيدلي تعرض للخطف في الآونة الأخيرة "ولكن السلاح الفردي شو بيعمل أمام مجموعة مسلحة ومجهزة؟"
كان الصيدلي الذي طلب عدم نشر اسمه يجوب قرية في إدلب في إطار عمله عندما استوقفه مسلحون. كانت المجموعة المسلحة مكونة من سبعة أفراد يركبون شاحنة بيك أب مثبت عليها بندقية. وأرغمته المجموعة على ترك سيارته وعصبوا عينيه وأخذوا منه هاتفه.
ثم انطلقوا به إلى جهة غير معلومة وحبسوه في حجرة مظلمة تحت حراسة حيث احتجزوه خمسة أيام وعذبوه. وأرسلوا تسجيلات لعملية تعذيبه إلى زوجته وطالبوها بدفع 150 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه.
وباعت زوجة الصيدلي كل مجوهراتها واقترضت المال حتى جمعت 18 ألف دولار وتفاوضت مع المجموعة المسلحة على هذا المبلغ حتى تحقق لها إطلاق سراحه.
لم يعد الدكتور أغا إلى مستشفاه لمدة ثلاثة أشهر بعد إخلاء سبيله وأصبح لديه الآن قائمة تضم أسماء 29 شخصا يدين لهم بالمال.
ويقول إنه ما زال يشعر بالخوف لكنه عاد إلى المستشفى لإجراء الجراحات رغم تحذيرات أصدقائه له من العودة.
ويبدي الدكتور أغا ما يشبه الشعور بالحنين للقنابل في فترة الهدوء النسبي التي أعقبت هدنة سبتمبر أيلول إذ يقول:
"نحنا ما نتمنى بالفترة يلي نحنا فيها. بنتمنى يكون في قصف وفي اشتباكات. لأن العالم بتلتهي. الوضع اللي نحنا فيه، لا حرب ولا سلم، مصيبة".
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير علا شوقي)