12 05 2016
رفضت المحكمة الدستورية الطعن على المادة 4 من قانون أمن الدولة والتي تجرم مخالفة القانون بشأن تعريض الكويت لقطع العلاقات مع السعودية، في طعن تقدم به احد المغردين، وقالت المحكمة انه وان كان الاصل في النصوص الجزائية ان تصاغ في حدود ضيقة لضمان ان يكون تطبيقها محكما على نحو لا يؤذن بتداخل معانيها او تعدد تأويلاتها، فلا يكون بيانها واضحا جليا، ولا تحديدها قاطعا، ولا فهمها مستقيما مع عباراتها، بل مبهما خافيا على اوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص الجزائي المؤثم لهذه الافعال.
واضافت المحكمة ان هذا النص يتناول تجريم افعال مادية لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير المكفولة بالدستور.
وتابعت المحكمة وحيث ان المادة 4 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 تنص على ان «يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل من قام بغير اذن من الحكومة بجمع الجند او قام بعمل عدائي آخر ضد دولة أجنبية من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب او قطع العلاقات السياسية».
فاذا ترتب على الفعل وقوع الحرب او قطع العلاقات السياسية تكون العقوبة الحبس المؤبد».
وحيث ان الطاعن ينعى على (الفقرة الاولى) من المادة سالفة الذكر مخالفتها لنصوص المواد (30) و(36) و(47) من الدستور، اذ صيغت عبارات هذه الفقرة من تلك المادة مفتقرة الى عناصر الضبط والاحكام الموضوعي، ومفتقرة الى التحديد الجازم لضوابط تطبيقها لانطوائها على خفاء وغموض على نحو قد يفضي الى تعدد تأويلاتها ويصار الجدل في شأن حقيقة محتواها مما يجعل هذا التجهيل موطئا للاخلال بحقوق كفلها الدستور لاسيما حرية الرأي وحق التعبير.
وحيث ان هذا النعي مردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من انه وان كان الاصل في النصوص الجزائية هو ان تصاغ في حدود ضيقة لضمان ان يكون تطبيقها محكما على نحو لا يؤذن بتداخل معانيها او تعدد تأويلاتها، والمقصود بغموض النص الجزائي هو ان يجهل المشرع بالافعال التي اثمها، فلا يكون بيانها واضحا جليا، ولا تحديدها قاطعا، ولا فهمها مستقيما مع عباراتها، بل مبهما خافيا على اوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص الجزائي المؤثم لهذه الافعال، ودلالته ونطاق تطبيقه، وحقيقة ما يرمي اليه، ليصير انفاذ ذلك النص مرتبطا بمعايير شخصية مرجعها الى تقدير القائمين على تطبيقه، واحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية، بيد انه من المقرر ايضا ان الاصل في تفسير النصوص التشريعية بصفة عامة، والنصوص الجزائية بصفة خاصة هو الا تحمل على غير مقاصدها، والا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، او يؤول الى الالتواء بها عن سياقها، والحاصل ان عبارات الفقرة الاولى من المادة (4) من القانون رقم (31) لسنة 1970 سالف الذكر قد جاءت واضحة جلية، ومحددة بصورة يقينية، لا التباس فيها ولا غموض، كاشفة - بما لا يدع مجالا للبس او الابهام - عن الركن المادي للجريمة ببيان ماهية الافعال المنهي عنها، وقد جاء تحديدا قاطعا بها وجازما لضوابط تطبيقها، وفهمها مستقيما لعباراتها، وفق معايير تتعلق بها وحدها في حدود ضيقة دون انفلات عباراتها، وقد تمثل الركن المادي لهذه الجريمة في قيام شخص بغير اذن من الحكومة بجمع الجند ضد دولة اجنبية، او القيام بعمل عدائي اخر ضد تلك الدولة من شأنها تعريض الكويت لخطر الحرب او لقطع العلاقات السياسية معها، اما تجريم جمع الجند فذلك لان الاصل فيه - بحسب طبيعته - انه عمل عسكري لا تقوم به الا الدولة، بل يعد في حقيقته وجها من اوجه الجريمة المنظمة بما ينصرف معه معنى جمع الجند او حشد الجند الى تجنيد وتسخير العناصر والجماعات لخدمة هدف مؤثم وصولا الى نتيجة من شأنها تعريض مصالح الدولة العليا وعلاقاتها مع الدول للخطر، واما عن المقصود بأي عمل عدائي اخر فهو كل فعل ظاهر الخطورة من جنس جمع الجند، ولا يكون للدولة شأن به، ويتعين في هذا العمل المؤثم ان يكون فعلا ماديا وخارجيا ملموسا محسوسا، لان ما يبطنه الشخص ولا يلمسه الغير لا يناله التجريم ولا العقاب، وانه وان كانت هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية والتي يعتبر القصد الجنائي ركنا فيها، فإنه لا يتم اثباتها بعيدا عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر اركانها هذه بأوصافها التي حددها المشرع، ومتى كان ذلك وكان النص على النحو المتقدم انما يتناول تجريم افعال مادية لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور والمنظمة قانونا، ولا يستفاد من هذا النص ما يغاير هذا النظر ولا تماس معه على اي وجه من الوجوه، وبالتالي فإن بيان الافعال المؤثمة التي عينها النص التشريعي المطعون فيه لا يكون بذلك مناهضا لاحكام الدستور الذي خول للمشرع في مجال تنظيم الحقوق والواجبات ان يحدد وفق اسس موضوعية، ومن خلال النظم الجزائية التي يقرها اركان كل جريمة دون ان يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفا بها، الامر الذي يغدو معه النعي على التنظيم الجزائي بمخالفته للدستور على النحو السالف غير قائم على اساس، وبالترتيب على ما تقدم فإن قالة التجهيل بالافعال المؤثمة تكون لا محل لها، مما يتعين ومن ثم القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الاسباب: حكمت المحكمة: برفض الدعوى.
© Al Anba 2016