07 08 2016
( التقرير من إعداد التميمي وشركاه باللغة الإنجليزية، ومترجم للعربية بواسطة "زاوية عربي")
في إصدارنا لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، كان علينا أن نطلع بالمُهمَّة المؤسفة التي تتعلَّق بتغطية حادث فقدان طائرة من طراز A329 إيرباص ميتروجيت في صحراء سيناء وهي في طريقها من شرم الشيخ في مصر إلى سانت بطرسبرج في روسيا، وما يتبع هذا الأمر من تحقيقات تنظيميَّة واستقصائية.
فقدت طائرة مصر للطيران من طراز A329 إيرباص ميتروجيت اتصالها بالرادار بصورِة مأساويَّة في 19 مايو(أيار) 2016 بعد إقلاعها من مطار شارل ديغول في باريس بحوالي ثلاث ساعات ونصف، وبعد 10 دقائق فقط من دخولها المجال الجوي المصري؛ وكانت الطائرة التي صُنعَت عام2003 تحمل 66 شخصًا من المسافرين وأفراد طاقم الطائرة، تحلق على ارتفاع قدره 37.000قدم عندما "اختفت" الطائرة من شاشات الرادار.
وكما هو الحال مع كارثة الميتروجيت، فقد ثارت التَّكهُنات حول سبب الحادث، واستعاد المُحقِّقون أجهزة تسجيل "الصندوق الأسود" لرحلة الطائرة في وقت النشر، وقاموا بتحليل البيانات التي كان يُترقُّب نتائجها بلهفة نظرًا لعدم كفاية المعلومات المُتاحة في الوقت الحالي بغرض تحديد ظروف الفقدان.
وقد ذكرت وكالة سلامة الطيران بفرنسا أن الطائرة قد بثت مجموعة من الرسائل الآليَّة مُشيرة إلى تصاعُد الأدخنة في قمرة القيادة، ووجود خطأ في وحدة التحكُّم في الطيران قبل فقد الاتصال، وقد أكَّدت السلطات المصريَّة على أن المُحقِّقين تلقُّوا تقارير الأقمار الصناعيَّة التي تُشير إلى تلقِّي نداء استغاثة إلكتروني من جهاز الإرسال المُختص بتحديد المواقع في حالات الطوارئ بالطائرة ELT قبل فترة وجيزة من اختفاء الطائرة من شاشات الرادار.
وكما هو الحال مع الميتروجيت وجميع حالات اختفاء الطائرات، فقد كان هناك تكهُّنات واسعة النطاق لوسائل الإعلام حول تحديد سبب الكارثة والتي تتراوح بين عُطل ميكانيكي كارثي إلى احتماليَّة وجود قنبلة زرعها الإرهابيون.
ولسوء الحظ، فقد حاولت بعض تقارير وسائل الإعلام في الشرق الأوسط أن تُقدِّم تفسيرات بشأن التعويضات واجبة الدفع نتيجة فقدان الطائرة، وأوضحت الفهم الخاطئ للمفاهيم المُتعلِّقة بقانون الملاحة الجويَّة الدولي، وتُشير إحدى المقالات إلى وجود قانون ملاحة جويَّة خاص يقضي بدفع مبالغ مُحددة لعائلات الرُّكَّاب بناء على جنسيَّة الضحيَّة ثم سرد مجموعة من المبالغ واجبة الدفع على أساس جنسيتهم.
وكما هو الحال مع جميع التكهُّنات المُثارة عقب هذه الأحداث المريعة، حيث تشتعل جذوة العواطف ومن الضروري تفسير كلا من الأسباب الدقيقة لحادث الطائرة (التي لن تكون مُتاحة حتى يُجرى التحقيق في الحادث بصورٍة صحيحة)، والمفاهيم القانونيَّة والإطار الدولي المرتبطان بالكوارث الجويَّة وأي مُطالبات مرتبطة بالمسئوليَّة عن الحادث الجوي تفسيرًا دقيقًا أيضًا لتجنُّب الرفع الزائف لتوقُّعات العائلات الثكلى بصورٍة خاصة.
وتحكم المُعاهدة الدوليَّة قانون الملاحة الجويَّة، ويُجرى التعامل مع المُطالبات المُرتبطة بالمسئوليَّة عن الحادث الجوي ضمن نظام ينص ظاهريًّا على أداء التعويض الحصري لأي مُطالبة للراكب ضد شركة الخطوط الجويَّة؛ وقد جرى التصديق على الاتفاقيَّة المُتعلِّقة بتوحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي أو "اتفاقيَّة وارسو" في عام 1929، ومنذ هذا التاريخ فقد جرى تعديلها وتحديثها واستبدالها خلال العديد من الآليَّات مثل بروتوكول لاهاي لعام 1955 ("اتفاقيَّة وارسو المُعدَّلة")، واتفاقية غوادالاخارا لعام 1961، وبروتوكول مدينة جواتيمالا لعام 1971، وبروتوكول مونتريال رقم 4 لعام 1975.
وقد جرى صياغة اتفاقيَّة مونتريال لعام 1999 ("الاتفاقية") في مُحاولة لتحديث وتعزيز اتفاقية وارسو، ولاستبدال نظام وارسو بنظام التوحيد الآلي الجديد، والقصد من وراء الاتفاقية هو تحقيق مستوى من التوحيد العالمي ليعكس ذلك موقفًا أكثر وضوحًا للركاب على أساس حقوق المُستهلِك، ويعكس التوازن بين مصالح المُستهلكين وشركات النقل الجوي، ويوفِّر تعويضات معقولة في حالة وجود مُطالبات ضد شركات النقل الجوي.
وتنطبق الاتفاقية على النقل الجوي للركاب والبضائع حيثما يكون مكان المُغادرة ووجهة الوصول هما الإقليمان لاثنين من الأطراف من الدول الأعضاء، أو الإقليم لطرف واحد من الدول الأعضاء إذا كان هناك اتفاقا على مكان التوقُّف داخل إقليم دولة ليست من الدول الأعضاء. ينبغي على الدولة توقيع وتصديق وإقرار الاتفاقية وإدخالها إلى حيِّز التنفيذ من خلال قانون الدولة حتى تتأهَّل للدخول في الاتفاقيَّة باعتبارها طرف وعضو من الأعضاء.
وهناك 119 دولة دخلوا الاتفاقية حول العالم بحلول عام 2016، ومن الجدير بالملاحظة أن دول أخرى مثل روسيا لم تُصدِّق على الاتفاقيَّة الجديدة، ولا تزال تخضع لاتفاقية وارسو المُعدَّلة، ولهذا السبب، تُعامل مُطالبات المسئوليَّة عن الحادث الناشئة عن فقدان طائرة المتروجيت في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2015 في سيناء بمصر على الرحلة المُقررة من شرم الشيخ في مصر إلى سانت بطرسبرج في روسيا بموجب اتفاقية وارسو المُعدَّلة القديمة.
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في مصر في 25 أبريل (نيسان) لعام 2005، وفي فرنسا في 28 يونيه (حزيران) لعام 2004، وبذلك أصبحت كل من مصر وفرنسا أطراف أعضاء في الاتفاقية، وقد كان من المُقرر أن تُحلِّق رحلة خطوط مصر للطيران 804 بين باريس والقاهرة، وتُطبَّق الاتفاقية على مُطالبات المسئوليَّة الناشئة عن الفقدان.
تتحمَّل شركة الخطوط الجويَّة المسئوليَّة عن الحادث بموجب المادة 17 من الاتفاقيَّة والتي تنص على أن "يتحمَّل الناقل المسئوليَّة عن الأضرار الناتجة في حالة الوفاة أو الأضرار الجسديَّة شريطة أن يقع الحادث الذي تسبب في الوفاة أو الإصابة على متن الطائرة أو في أثناء أي عمليات الركوب على متن الطائرة أو النزول منها فقط".
تنص المادة 21 من الاتفاقيَّة على مستوى التعويض الناشئ عن المادة 17، وينص ذلك على أن الخطوط الجويَّة لا يمكن أن تُقصي أو تحد من مسئوليتها تجاه أي خسائر حتى113.100 من حقوق السحب الخاصة SDR، وتُعتبر حقوق السحب الخاصة شكلَا من أشكال العملة التي يُحددها صندوق النقد الدولي، وتُحسَب على أساس سلة عملات لأربع عملات دوليَّة رئيسيَّة وهي اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي، ويكون سعر صرف واحد من حقوق السحب الخاصة SDR مقابل واحد دولار أمريكي هو 1.40 دولار أمريكي (بحلول 1 يونيه 2016) الأمر الذي جعل مستوى التعويض الحالي بموجب المادة 21 مساويًا 158.550 دولار أمريكي.
وتنص المادة 23 على أنه سيُجرى تحديد سعر تحويل الصرف المُطبَّق لحقوق السحب الخاصة SDR وخاصة في حالات الإجراءات القضائيَّة في تاريخ صدور الحكم.
وبينما لا تستطيع شركة الخطوط الجويَّة أن تُقصي أو تحد مسئوليتها عن التعويض حتى 113.100 من حقوق السحب الخاصة SDR؛ فلا يضمن ذلك حقًا تلقائيًّا لأسر الركاب لاسترداد قيمة الأضرار، ولا يزال مستوى التعويضات الممنوحة عن الخسائر خاضعًا للأدلة القاطعة وإثبات الوثائق.
وتسمح المادة 21 أيضًا لعائلات الركاب أو الركاب أنفسهم بالمُطالبة بمبلغ أعلى دون المبلغ الحالي الذي يبلغ 113.100 من حقوق السحب الخاصة SDR، إلا أن ذلك سيستمر خاضعًا إلى الدليل القاطع، ويُسمَح لشركة الخطوط الجويَّة برفع نوعين من الدفوع المنصوص عليها في الاتفاقيَّة، وهذه الدفوع كتالي:
· لم يقع هذا الضرر جرَّاء إهمال أو فعل آخر غير شرعي أو إغفال من جانب الشركة الناقلة أو موظَّفيها أو وُكلاءها؛ أو
· يرجع هذا الضرر فقط إلى إهمال أو فعل آخر غير شرعي أو إغفال من جانب الغير.
تسمح المادة 28 لشركة الخطوط الجويَّة، وخاصة في حوادث الطائرات، بدفع دُفعات ماليَّة مُقدَّمة لأي طرف يحق له المُطالبة بالتعويض، وستضع العديد من شركات الخطوط الجويَّة شرطًا على الدفع المُقدَّم في ظروف الخسارة الكُليَّة للطائرات؛ وبرغم أن الدفع مُقدَّمًا لا يعني أن شركة الخطوط الجويَّة تعترف بأي مسئوليَّة من جانبها، وسيُجرى تعويض قيمة المبلغ المدفوع مُقابل أي مبالغ أخرى إضافيَّة قد تضطر شركة الخطوط الجويَّة لدفعها كتعويض عن الخسائر.
وتنص المادة 29 على "وجوب خضوع أي دعوى للتعويض عن الخسائر التي أُقيمت ضد شركة خطوط جويَّة بموجب الاتفاقية أو بسبب فعل غير مشروع أو غير ذلك كيفما كان مرجعها إلى شروط وحدود المسؤولية على النحو المبين في إطار الاتفاقية؛ وباختصار تنص المادة 29 صراحة على كون الاتفاقية نظامًا حصريًّا، ويُعتبر أي إجراء يُتَّخذ من جانب الراكب أو أفراد عائلته للمُطالبة بالتعويض عن الوفاة أو الإصابة الجسديَّة بموجب المادة 17 وسيلة شرعيَّة حصريَّة لاسترداد الحقوق؛ وعلاوة على ذلك، تنص المادة 29 على أن "في أي إجراء من هذا القبيل، لا تكون مبالغ التعويضات في الدعاوى أو التأديبية أو أي دعاوى أخرى غير تعويضيَّة قابلة للاسترداد".
بالإضافة إلى أن الاتفاقية التي تنص على وسيلة حصريَّة لاسترداد الحقوق، تنص الاتفاقية على أن الطرف الذي يرغب في رفع دعوى قانونيَّة يكون قادرا على القيام بذلك في خمس نطاقات قضائية فقط، وهي كالتالي:
i. في البلد محل إقامة شركة النقل؛
ii. في البلد محل المركز الرئيسي لعمل شركة النقل؛
iii. في البلد الذي تملك فيه شركة النقل مكانًا للعمل خلال العقد الذي أُبرم؛
iv. في مكان الوصول؛ أو
v. في إقليم دولة الطرف الذي يكون للراكب حق الإقامة الدائمة والأساسية فيه، وتقوم شركة النقل بتشغيل خدماتها منه وإليه في وقت وقوع الحادث.
وفيما يتعلق بالشروط i، وii أعلاه، فمن الواضح أن شركة مصر للطيران تأسست وتدير أعمالها التجاريَّة من مصر، وبالتالي ستُرفع أي دعاوى مُطالبات بموجب البندين i، وii أعلاه في مصر، وبالأخذ في الاعتبار البند iii المذكور أعلاه، قد يكون مكان شراء وكيفية شراء التذكرة من العوامل ذات الصلة. أما فيما يتعلَّق بالبند iv المذكور أعلاه، حيث كانت مصر وجهة الوصول، فأي شخص يرغب في رفع دعوى بالمُطالبة بموجب هذا البند، فعليه أن يتقدَّم برفع الدعوى في مصر، وفيما يخص البند v، بغض النظر عن جنسيَّات الركَّاب، يمكن رفع دعوى المُطالبة داخل إقليم الدولة الذي يكون للرُّكَّاب حق الإقامة الدائمة والأساسية فيه في وقت وقوع الحادث، ويعني ذلك أن الراكب المصري الذي كان يُقيم في فرنسا يمكنه رفع دعوى بالمُطالبة هناك بعد أن يثبت أن إقامته الأساسية والدائمة بفرنسا.
وجانب آخر من الاتفاقية ينبغي أن يكون معلومًا وهو أن هناك حدًا مُطلقًا قدره عامين ينبغي أن تُقام خلاله دعاوى المُطالبات، وإلا ستكون دعوى المُطالبة محظورة بموجب المادة 35، ويُجرى احتساب ذلك إما من تاريخ الوصول إلى جهة الوصول، أو من التاريخ الذي يجب أن تصل فيه الطائرة أو التاريخ الذي يتوقَّف فيه النقل.
وتُعتبر معرفة قواعد الاتفاقيَّة على أساس تقييد التقاضي أو وضح حدود لنطاق التقاضي لبدء إجراءات التقاضي أمرًا ضروريًّا، وخصوصًا في ضوء تقارير وسائل الإعلام المُربكة في الشرق الأوسط الأمر الذي يُشير إلى أنه من حق الركاب المُطالبة بمبالغ ثابتة على أساس جنسيتهم، ولا يُمثل ذلك الوضع القائم، حيث سيُجرى التعامل مع المُطالبات وفقًا للاتفاقيَّة وفي النطاق القضائي المحلي الذي تُرفع فيه الدعوى القضائيَّة، أو في النطاق القضائي الذي يُجرى تسوية القضية فيه.
ومن الإنصاف أن نشير بأن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على المبلغ المالي الذي يقره الحكم النهائي بما في ذلك راتب الضحية وعمرها ومتوسِّط العمر المتوقَّع لها، وقد يختلف هذا الأمر من دولة إلى دولة؛ وعلاوة على ذلك، ففي بعض الأنظمة القضائيَّة، على سبيل المثال في الولايات المُتحدة الأمريكيَّة، يمكن أن يصدر حكم قضائي بمبلغ مالي مرتفع على أساس العوامل المذكورة أعلاه، وعلى الرغم من ذلك، فما يُقال عن منح مبلغ مالي ثابت على أساس جنسية الراكب هو أمر عار تمامًا عن الصحة.
ومن المأمول أن تستعيد سلطات التحقيق الصندوق الأسود للطائرة سريعًا، وتُحدد سبب الحادث، ومن المرجو أيضًا في تلك الأثناء أن يُجرى حل المسائل المُتعلِّقة بالمسئوليَّة عن الحادث على وجه السرعة ووفقًا لقانون الطيران الدولي، وتعويض الأسر المكلومة على هذا الأساس.
© Al Tamimi & Company 2016