06 06 2016

( التقرير من إعداد التميمي وشركاه باللغة الإنجليزية، ومترجم للعربية بواسطة "زاوية عربي")

في حكم صادر عن محكمة أبو ظبي الابتدائية في مارس (آذار) عام 2016، نجح التميمي في الدفاع عن شركة خطوط جوية دولية في دعوى "الدية" (أو دية القتل) وتعويض ورثة الركاب الذين ماتوا بسبب الأزمة القلبية على متن الطائرة.

ومن بين العديد من الإشكاليات الواقعية التي قررتها المحكمة، تم التعامل مع مفاهيم قانون الطيران مثل تعريف كلمة "حادثة" و"موت" و"إصابة جسدية"، فضلاً عن مسئولية الخطوط الجوية بشكل عام ومسئوليتها عملاً بقانون الإمارات العربية المتحدة الاتحادي رقم 17 لعام 1991 (لتحديد مبلغ الدية الشرعية عن موت شخص عن غير عمد) وقانون الإمارات العربية المتحدة الاتحادي رقم 9 لعام 2005 (تعديل الدية المستحقة عن القتل الخطأ)، (ويعرف كلاهما معاً بقانون الدية الشرعية بالإمارات العربية المتحدة). هذا وتسلط القضية الضوء على أهمية أن يكون لديك فهم شامل عن مفاهيم القانون الجوي الدولي وفهم فروق دقيقة معينة في فقه التشريع بدولة الإمارات العربية المتحدة والقانون في التعامل مع دعاوى الموت والإصابة الجسدية.

اتفاقية مونتريال

تعد الإمارات العربية المتحدة من ضمن الأطراف الموقعة على اتفاقية مونتريال لعام 1999 (الاتفاقية)، والتي بدورها قد تم تنفيذها داخل الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 13 لعام 2000 (المصادقة على اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل الدولي بموجب اتفاقية مونتريال لعام 1999). ويتم تنفيذها في الإمارات العربية المتحدة منذ تاريخ 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. وتسري الاتفاقية على كافة قضايا النقل الدولي للأشخاص والأمتعة والبضائع التي تقوم بها الطائرة فيما يتعلق بالبت فيها، بشأن الحمولة التي أصلها واتجاهها في دولتين متعاقدتين مختلفتين أو دولة واحدة ذهاباً وإياباً مع الاتفاق على موقع التوقف في الدولة الأخرى. وفي حالة الحوادث أو الإصابة الجسدية أو الوفاة على متن الطائرة، فإن الحكم ذو الصلة الذي يجب دراسته هو المادة 17 من الاتفاقية والتي تنص على أن "يتحمل الناقل مسئولية الأضرار المستدامة في حالة الوفاة أو الإصابة الجسدية للراكب شريطة فقط أن يكون الحادث الذي تسبب في الوفاة أو الإصابة قد وقع على متن الطائرة أو في نطاق أي من عمليات الإقلاع أو الهبوط (مع التأكيد على ذلك).

أثار نص المادة رقم 17 قدراً كبيراً من الدعاوى القضائية والسوابق القضائية في جميع أنحاء العالم، وركزت كثير من تلك الحالات القانونية على تعريف كلمة "حادثة" وما تعنيه "الإصابة الجسدية".

ولقد وقعت الكثير من الحوادث والأحداث على متن الطائرة والتي لا تعتبر "حادثًا" للأغراض الواردة بهذه الاتفاقية؛ وإذا اتخذنا المثال الأخير الذي تعاملت فيه شركة التميمي مع محكمة أبو ظبي الابتدائية، حيث تعرض أحد الركاب إلى أزمة قلبية على متن الطائرة، ولا يعتبر ذلك "حادثاً" وفقاً للأغراض الواردة في المادة رقم 17.

هناك مجموعة واسعة من السوابق القضائية الدولية التي تتعامل مع المادة رقم 17 المتعلقة بتفسير الحادث في الحالتين بموجب الاتفاقية (وسابقتها اتفاقية وارسو عام 1929)؛ ولقد قضت محكمة الولايات المتحدة العليا في قضية إير فرانس ضد ساكس، حيث رفضت الحكم بالتعويض لراكب أصيب بالصمم نتيجة لانخفاض ضغط الطائرة، والذي يعتبر نتيجة طبيعية لعمل الطائرة أثناء هبوطها. فقد وجدت المحكمة أن إصابة الأذن الداخلية للراكب تسبب فيها أذنه الداخلية ومشكلات الجيوب الأنفية الخاصة بجسده، بدلاً من أي شيء آخر غير عادي أو غير متوقع حول عملية الطيران. وخلصت محكمة الولايات المتحدة العليا إلى أن مفهوم الحادث يتحقق، بموجب المادة رقم 17، فقط إذا كان سبب إصابة الراكب غير متوقع أو غير عادي أو لأمر لا يتعلق بالراكب.

وفي قضية كايرس ضد لوفت هانزا، عانى أحد الركاب من أزمة قلبية على متن رحلة جوية عبر المحيط الأطلسي من ميامي إلى فرانكفورت وبدأت الإجراءات القضائية ضد لوفت هانزا بسبب تفاقم الأضرار التي لحقت بقلب الراكب بسبب عدم هبوط الطائرة، ولذلك يمكن للمريض أن يذهب فوراً للمستشفى قبل تحديد الموعد للوصول إلى فرانكفورت. وخلصت محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة إلى أن تفاقم الإصابة ليس بسبب حدث غير عادي أو غير متوقع أو حدث خارج الطائرة للمدعي، ولا يشكل ذلك حادثاً في إطار المعنى الوارد باتفاقية وارسو.

وفي المملكة المتحدة، في قضية مجلس اللوردات البريطاني بشأن عودة الجلطة ضد مجموعة النقل الجوي، وقد تم التعامل في القضية الفئوية حيث يوجد 55 مدعي ضد 27 خط جوي زاعمين أن الركاب قد عانوا من جلطة (وقد أطلق عليها حينها متلازمة الفئة الاقتصادية)، وقد كانوا يستحقون التعويض بموجب المادة رقم 17. وكان الادعاء بأن الركاب قد جلسوا في وضع ضيق لفترات طويلة مما سبب تكوين جلطات الدم في الجسم مسببًا سكتات دماغية أو الأزمة القلبية أو الشلل أو الوفاة؛ وقد تمسك مجلس اللوردات بأن الجلطات والأمراض ذات الصلة مثل تجلط الدم والانسداد لا يعتبر حادثاً في إطار المعنى الوارد في المادة 17 من الاتفاقية، وكذلك لا يعتبر عدم تحذير الركاب بمخاطر الجلطات الدموية حادثاً أيضاً.

وفي قضية فورد ضد شركة الخطوط الجوية الماليزية بيرهارد، ذكر أن الحقن بمعرفة شخص مؤهل طبياً لمعالجة راكب آخر، مما أدى إلى سوء حالة الراكب بدلاً من تحسنها، لا يعتبر حادثًا؛ فهذا الإجراء لا يشكل جزءً من العملية العادية أو الطبيعية أو المتوقعة بالطائرة وفقأً لقضية ساكس ضد إير فرانس، ولكن إعطاء الحقن بمعرفة الطبيب أملاً وتوقعاً بأن العلاج قد يريح الحالة المشكو منها ويعتبر حدثًا متوقعًا أو عاديًا ولذلك لا يشكل هذا حادثا.

وفي قضية وسينغ ضد الخطوط الجوية الكاريبية المحدودة، حُكمَ بأنه طالما لم يخرج الطاقم عن سياسات وإجراءات الخطوط الجوية في الاستجابة الطبية لراكب مريض، فهذا ليس بحادث. وفي قضية الصفا ضد لوفت هانزا، كانت استجابة الطاقم لحالة طبية طارئة باتباع السياسات والإجراءات لا يعتبر حادثًا أيضاً.

وعلى الرغم من ذلك، هناك قضايا يمكن فيها التعويض بموجب المادة رقم 17، في الخطوط الجوية الأوليمبية ضد حسين، أعادت المحكمة العليا بالولايات المتحدة النظر في تعريف كلمة "حادث" من إير فرانس ضد ساكس، حيث تنشأ المسئولية فقط عندما يصاب الراكب نتيجة حدث غير متوقع أو عادي أو أن حدوثها قد نتج عن أمر خارج سيطرة الراكب. وفي القضية الأوليمبية، توفي الراكب على متن الطائرة، لأنه كان لديه حساسية من دخان السجائر، وقد طلبت الزوجة من مضيفة الطيران نقله إلى المقعد بعيداً عن دخان السجائر، ولكنها أخبرتها عن خطأ أنه لا يوجد مقعد شاغر آخر. ثم خلصت المحكمة أن الرابط السببي هنا حدث غير متوقع أو غير عادي أو حدث خارجياً للراكب، فاعتبر تقاعس مضيفة الطيران في تقديم المساعدة لهذه الواقعة، أيضاً حادث. ومن الجدير بالذكر أنه في القضية ذاتها، في الحكم المخالف النافي للادعاء، اتبع القاضي سكاليا السوابق القضائية من أستراليا والمملكة المتحدة، والذي خلص إلى أن عدم اتخاذ أي إجراء لا يمكن أن يعتبر حادثا، بدلاً من أن يكون غير حادث، ولذلك فهو ليس بحادث بموجب المادة 17.

وهناك أمر آخر بموجب المادة 17، حول ما إذا كان هناك تعويض عن الضرر النفسي بالإضافة إلى "الإصابة الجسدية" أم لا. وخلصت المحكمة العليا بالولايات المتحدة في قضية "الخطوط الجوية الشرقية ضد فلويد" بأن التعويض بموجب المادة 17 من اتفاقية وارسو اقتضت أن يكون هناك "وفاة أو "إصابة جسدية" وأن الضرر العاطفي لا يعد وحده كافيًا لفرض التعويض حتى ولو كان هذا في حادث حيث فقد الطيار المحركات الثلاث وبدأ بالاستعداد للهبوط بالطائرة في المحيط، إذ أعيد تشغيل أحد المحركات وهبطت الطائرة بسلام، فخلصت المحكمة إلى أنه لا تتحمل شركة النقل الجوية المسئولية بموجب المادة 17 عندما لم تتسبب الحادثة في وفاة أحد الركاب أو في الإصابة البدنية أو جرج بدني واضح.

في المملكة المتحدة، نظر مجلس اللوردات في قضية موريس ضد خطوط كيه إل إم الجوية الملكية الهولندية بشأن تعويض فتاة عمرها 16 عاماً بموجب المادة 17، مقابل الأضرار التي تعرضت لها حيث أنها تعاني من اكتئاب سريري بعد أن اعتدى عليها أحد الركاب الآخرين جنسياً على متن طائرة من كوالالمبور إلى أمستردام. وخلصت إلى أن المادة 17 لا تسمح لشخصٍ الحصول على تعويضٍ مقابل ضرر عاطفي.

وكما يتبين مما ورد أعلاه، فإن مفهوم "حادث" و"الإصابة الجسدية" ونص المادة 17 يثيران قدرًا كبيرًا من السوابق القضائية في جميع أنحاء العالم؛ وقد تناولت شركة التميمي الأمر في الإمارات العربية المتحدة، حيث أن حالات الاتفاقية ومفاهيمها كانت على قدر كبير من الترابط مع الإشكاليات التي تتفق مع قانون الشريعة المحلي والإجراءات المحلية في محكمة الإمارات العربية المتحدة.

كان المدعون هم ورثة عائلة المتوفى، وقد تقدموا بدعوى للتعويض عن الضرر المادي والأخلاقي والنفسي ومبلغ الدية ضد الخطوط الجوية عن مسئوليتها بموجب المادة 17 من الاتفاقية، وشروط عقد النقل، والشريعة والقانون المدني لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ وقد زعم المدعون أنه بالإضافة إلى الدية الشرعية فهم يطالبون بالتعويض عن الأضرار الملموسة وغير الملموسة والنفسية.

وبموجب قانون الإمارات العربية المتحدة، فإن مبلغ التعويض الذي قد يمنح للورثة في حالة الموت الخطأ يطلق عليه الدية؛ وعملاً بالمادة الأولى من تحديد قانون الدية الشرعية، إذا لم يثبت الموت الخطأ، يجوز منح 200,000 درهم إماراتي بدون إثبات أي ضرر يعاني منه الورثة. وبالإضافة إلى ذلك، يحق للورثة الحصول على تعويض عن الأضرار الأخلاقية والبدنية والنفسية عن حدث الموت الخطأ للموصي، عملاً بالقانون الاتحادي رقم 5 لعام 1985 (قانون المعاملات المدنية الإماراتي، مع مراعاة ما يثبت هذا الضرر وإثبات ثلاث عناصر مسبوقة الشرط للادعاء بالتقصير في المسئولية وهي (1) الخطأ؛ و(2) الضرر؛ و(3) الرابط السببي بين الخطأ والضرر. وإذا أثبت هذا الضرر وتم تحقيق الشروط المسبقة، تتراوح قيمة التعويضات ما بين 50,000 و500,000 درهم إماراتي.

وفي الواقع، فقد انتاب الراكب حالة مرضية بشكل مفاجئ على متن الطائرة المتجهة من واشنطن إلى الإمارات العربية المتحدة، وقد مرت ساعة من ظهور أعراض موت الراكب بأزمة قلبية. وخلال هذا الوقت، حضر للراكب طبيبين من على متن الطائرة وتم تقديم الرعاية الطبية والتي تضمنت استخدام مزيل الرجفان والتخطيط الكهربي على القلب، وقد حدث ذلك أثناء تحليق الطائرة فوق البحر.

وكان من المتعارف عليه بالنسبة لمحاكم الإمارات العربية المتحدة أن تقوم في مثل تلك الأمور بتعيين خبير لديه علم بأمور الطيران، وفي هذه الحالة كان الخبير لديه القدرة على اتخاذ القرار بأن الخطوط الجوية ليست مسئولة عن الوفاة، والذي تسبب فيه أزمة قلبية داخلية للراكب. وكان الهبوط الاضطراري صعب، بما أن الطائرة كانت تطير فوق بحر، واستمر الأمر من البداية للنهاية لما يقرب من ساعة واحدة، وهي ليست كافية لحالة الهبوط الاضطراري. لم يخطر الفريق (بميد لينك) وهي الطريقة التي يتم بواسطتها الاتصال من طاقم الطائرة بخبراء طبيون للاستعانة بالنصيحة الطبية) للقيام بهبوط اضطراري، وقد قدم المدعي عليه للمتوفى كافة الرعاية الطبية اللازمة للتعامل مع الأزمة القلبية، بما في ذلك الطبيبين على متن الطائرة. ومن المقرر بموجب القوانين والسوابق القضائية، أنه بإمكان المحكمة أن تعتمد على تقرير الخبير، ولا تلتزم المحكمة بإعادة تكليف الخبير، حيث يتعامل التقرير بالكامل مع اعتراضات المدعي. وقد وجدت المحكمة عدم وجود مسئولية من جانب الخطوط الجوية حيث أن الأمر يتعلق بالقدر.

وفي هذه الحالة الخاصة، عينت المحكمة خبير أكثر معرفة بشئون الطيران ويمكنه التعامل مع الأمر باحترافية وعدل، ونظراً للاعتماد الذي تضعه المحكمة على تقارير الخبير، فهذه تذكرة لمدى أهمية المستشارين القانونيين لحضور اجتماعات الخبير، وتقديم موجز كامل للخبير فيما يتعلق بالوقائع التي حدثت على متن الطائرة، فضلاً عن الأنظمة القانونية وأنظمة السلامة التي لها صلة وثيقة بالسفر بالطائرات الدولية. ومن المهم أيضاً معرفة أن الاتفاقية هي معاهدة دولية شاملة تتعامل مع مشكلات القانون الجوي الدولي. وعلى الرغم من ذلك، هناك حاجة أيضاً لمعرفة الإجراءات ومفاهيم الشريعة ولا يمكن المبالغة في أهمية تعيين خبير محكمة يكون مؤهلًا تأهيلاً مناسباً لتسهيل العملية الصحيحة لتشريع مسئولية الطيران في الإمارات العربية المتحدة.

تعتبر القضية مثالًا عمليًا حول كيفية تفسير ومعالجة محاكم الإمارات العربية المتحدة لدعاوى الوفاة على متن الطائرات، وخصوصاً حينما تقع الوفاة العادية. ويجب أن يوضع في الاعتبار أنه على الرغم من أن هذا الحكم هو حكم قطعي صادر من محكمة أبو ظبي الابتدائية، إلا أنه لا يجوز للمدعين الطعن فيه أمام أي من المحاكم العليا، ويساعد ذلك في توضيح الحجج التي كثيراً ما تنشأ فيما يتعلق بمعنى كلمة حادث المشار إليها في المادة 17 من الاتفاقية؛ وبالإضافة إلى ذلك، أكدت محكمة الإمارات العربية المتحدة موقفها القانوني إلى حد فرض الدية الشرعية، حيث لا يحق للورثة المطالبة بالدية عند الوفاة نتيجة أمر إلهي، دون إثبات وجود أي عمل أو إهمال من جانب الناقل.

للمزيد من المعلومات يرجى زيارة الرابط التالي:

www.tamimi.com/en/magazine/law-update/section-14/may-9/death-or-bodily-injury-on-board-the-aircraft-a-uae-perspective.html#sthash.YFudvFO4.dpuf

© Al Tamimi & Company 2016