PHOTO
كما هو معروف عالميا، تسهم محطات توليد الطاقة والكهرباء والسيارات التي تعمل بالبنزين بشكل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب أزمة التغيرات المناخية.
ومع محاولة العالم معالجة أزمة التغير المناخي المتفاقمة، بدأ التفكير في مصادر طاقة بديلة، من أحدثها الهيدروجين الأخضر، الذي يمتاز بقدرته على تخفيض انبعاثات الصناعات الثقيلة المسؤولة عن إطلاق ملايين الأطنان من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي سنويا.
الهيدروجين الأخضر هو واحد من أنواع الطاقة الخضراء الجديدة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، إذ ينتج عنه انبعاثات كربون أقل بكثير سواء بالمقارنة مع الوقود الأحفوري أو حتى مع أنواع الهيدروجين الأخرى كالهيدروجين الرمادي، والذي ينتج عن طريق استخدام الغاز الطبيعي. كما أنه لا يحتاج إلى تطوير ضخم أو مكلف في البنية التحتية، خاصة مع إمكانية استخدام خطوط أنابيب الغاز الطبيعي لنقله.
استراتيجية مصر للهيدروجين الأخضر
بعد تقدم أحرزته مصر في مجال الطاقة المتجددة، بدأت الحكومة في تنظيم عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر التي تتطلب طاقة نظيفة، وهو ما نتج عنه اعتماد "الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون" في فبراير 2024، لتكمل استراتيجيات مصر الخضراء الأخرى مثل "استراتيجية التنمية المستدامة" و"الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050".
تهدف استراتيجية الهيدروجين إلى أن تصبح مصر إحدى الدول الرائدة في اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون على مستوى العالم، والوصول إلى نسبة تتراوح بين 5 و8% من السوق العالمية للهيدروجين، وخلق 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2040، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل من 10 إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2040.
وتشمل مستهدفات مصر من اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون أيضا خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بواقع 40 مليون طن سنويا بحلول عام 2040 بما يتماشى مع جهود الدولة للحد من الانبعاثات الكربونية وحماية البيئة.
كما تستهدف الاستراتيجية الوصول إلى أمن الطاقة، وهو أمر مهم لمصر للتحوط ضد تقلبات أسعار الطاقة عالميا، في وقت تسعى فيه الدولة للوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية إلى أكثر من 42% بحلول عام 2030.
ولدى مصر بالفعل مساحات شاسعة من الأراضي وكذلك إمكانيات مؤهلة من موارد الطاقة النظيفة الكفيلة بإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما يعني أن هناك وفرة من الأراضي المطلة على مصادر المياه السطحية (المسطحات المائية) التي تمكن من إتمام عمليات إنتاج الهيدروجين الأخضر مع توافر الطاقة النظيفة من مشروعات الطاقة الشمسية والرياح التي تم تنفيذها خلال العقد الأخير.
وأنشأت مصر في عام 2022 المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته بهدف توحيد جهود تحفيز الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما يتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة وخطط الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضمان القدرة التنافسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
خطوات على طريق الإنتاج
وقعت الحكومة المصرية حتى أغسطس 2023 ما يصل إلى 20 مذكرة تفاهم مع كبرى الشركات المطورة للهيدروجين الأخضر، وتم تحويل نحو 10 من هذه الشراكات إلى اتفاقيات إطارية لتنفيذ استثمارات بقيمة نحو 83 مليار دولار، لإنتاج 15 مليون طن سنويا من الأمونيا الخضراء والميثان الاخضر المُصنّع.
ووفر سعي مصر لإقامة مشروعات للهيدروجين الأخضر فرص إضافية لدمج الاستثمارات الأجنبية والمحلية وفتح مجالات جديدة أمام شركات القطاع الخاص المصري والخليجي والأوروبي للمشاركة في تلك المشروعات. وجاءت استثمارات مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، وأغلبها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، من شركات بالمنطقة العربية وأخرى من دول بالاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى بريطانيا والهند.
وفي نوفمبر 2022، أُعلن بدء التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى من مصنع للهيدروجين الأخضر في العين السخنة، سينتج عند اكتماله أكثر من 15 ألف طن من الهيدروجين الأخضر كمادة خام لإنتاج ما يصل إلى 90 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويا في مصنعين منفصلين لشركة فيرتيغلوب، وهي أحد المطورين لمصنع الهيدروجين الأخضر إلى جانب شركتي "سكاتك إيه إس إيه" و"أوراسكوم للإنشاء" وصندوق مصر السيادي.
وأُعلن في نوفمبر 2023 أن شركة فيرتيغلوب - التي تأسست في أبوظبي وهي شراكة بين شركتي بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) الإماراتية و "أو سي آي" - صدرت أول شحنة أمونيا خضراء من مشروعها للهيدروجين الأخضر بمصر.
إضافة لهذا، وقعت شركة أكوا باور السعودية للطاقة المتجددة في ديسمبر الماضي اتفاقية إطارية مع مصر لمشروع للهيدروجين الأخضر، وتشمل الاتفاقية وضع خطة عمل لتطوير المرحلة الأولى من مشروع بطاقة إنتاجية تصل إلى 600 ألف طن سنويا من الأمونيا الخضراء - التي يعتمد إنتاجها على الهيدروجين الأخضر - وبإجمالي استثمارات تتجاوز 4 مليار دولار، مع نيّة التوسع لتطوير المرحلة الثانية بطاقة إنتاجية قدرها مليوني طن سنويا.
وتشير تلك الخطوات إلى أن مصر تسعى لحجز مقعدها مبكرا في سوق تصدير الهيدروجين الأخضر والاستفادة من مزاياها الاقتصادية، خاصة إذا علمنا أن نمو الطلب على الهيدروجين الأخضر من المتوقع أن يصل إلى حوالي 530 مليون طن ويحتمل أن يزيح ما يقرب من 10.4 مليار برميل من النفط المكافئ بحلول عام 2050.
توسع ومشروعات طموحة
وقعت الحكومة المصرية في 28 فبراير 2024 سبعة مذكرات تفاهم في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة مع سبعة مطورين عالميين باستثمارات متوقعة تبلغ نحو 41 مليار دولار على مدى 10 سنوات، ليرتفع بذلك عدد مذكرات التفاهم الموقعة في المجال إلى 27 منها 11 تم تحويلها إلى اتفاقية إطارية.
ومن بين مشروعات الهيدروجين الأخضر الطموحة في مصر ذلك الناتج عن اتفاق الحكومة مع شركة الطاقة الهندية رينيو باور لإقامة منشأة كاملة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنتاج الهيدروجين بقيمة تقدر بـ 8 مليار دولار. وتبلغ القيمة المتوقعة للمرحلة الأولى من المنشأة 710 مليون دولار. ومع نهاية إنشاء كل مراحل المشروع، سيكون المستهدف الرسمي للطاقة المنتجة 1.32 مليون طن سنويا من الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
كما تعتزم شركة غلوبال إك البريطانية إنتاج مليوني طن سنويا من مشروع للهيدروجين الأخضر، على أن يبدأ إنتاج المرحلة الأولى منه في عام 2026. ورغم ضخامة الرقم، إلا أنه ليس الاستثمار الأكثر طموحا، إذ يفوقه حجما بقليل مشروع شركة إيه سي إم إي الهندية بقدرة إنتاجية تصل إلى 2.2 مليون طن سنويا.
وتستهدف مصر إنتاج 20 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و100 ألف طن من الأمونيا الخضراء المعتمدة على الطاقة النظيفة بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن يتم استخدام هذه الطاقة في صناعات وقطاعات مختلفة.
خطوات لتحفيز الاستثمارات
عملت مصر على تحفيز الاستثمارات في مشروعات إنتاج الطاقة المتجددة عامة والهيدروجين الأخضر بشكل خاص عبر قوانين وإجراءات خلال الأعوام الأخيرة لإيجاد حوافز جديدة للقطاع الخاص للدخول والتوسع في المجال.
ولعل أحد أبرز تلك الخطوات، هو مشروع قانون حوافز إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي وافق عليه مجلس النواب المصري في يناير 2024 ويقدم تسهيلات وحوافز لمشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته تيسر على الشركات عملية الإنتاج والتصدير.
وتشمل الحوافز التي نص عليها القانون لمشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ حافز استثماري نقدي يسمى "حافز الهيدروجين الأخضر" لا تقل قيمته عن 33% ولا تتجاوز 55% من قيمة الضريبة المسددة على الدخل من مباشرة النشاط في المشروع أو توسعاته.
وتتضمن الحوافز أيضا إعفاء معدات المشروع والمواد الخام ووسائل النقل عدا سيارات الركوب من ضريبة القيمة المضافة، وأن تكون ضريبة القيمة المضافة صفر% لصادرات مشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
ومن بين الحوافز كذلك، تخفيض بنسبة 30% من قيمة رسوم مقابل الانتفاع بالموانئ البحرية والنقل البحري ومقابل الخدمات التي تقدم للسفن في الموانئ البحرية المصرية، وتخفيض بنسبة 25% من قيمة مقابل حق الانتفاع بالأراضي الصناعية المخصصة لإقامة مصنع إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
تنافس إقليمي
تطمح مصر إلى أن تكون مركز إقليمي للهيدروجين الأخضر وللطاقة الخضراء ككل. وسيزيد استخدام الهيدروجين الأخضر في إنتاج الأمونيا الخضراء من فرص تصديرها للعالم، في ظل زيادة القيود على المنتجات ذات الانبعاثات الكربونية الهائلة. وهذا هو الحال مع معايير الاتحاد الأوروبي المعلن تنفيذها خلال الأعوام المقبلة بهدف الالتزام باتفاقية باريس للمناخ.
لكن مسعى مصر ذلك يقابله نهج مماثل من دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسط اتجاه عالمي أوسع نطاقا نحو الطاقة الخضراء - وبالتالي الهيدروجين الأخضر كونه منخفض الانبعاثات - لكبح ظاهرة التغير المناخي.
فبجانب السباق العالمي نحو الهيدروجين الأخضر، هناك منافسة جدية بالمنطقة بالتوازي.
وعلى الرغم من الاستثمار السعودي والإماراتي في مشروعات الهيدروجين بمصر، إلا أن الدولتين الخليجيتين النفطيتين - الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) - تحاولان تطوير مشاريعهما الخاصة داخل حدودهما، وإن لم تكن تلك المشاريع كافية بعد لتكون على قدم المساواة مع ما أحرزته مصر بسبب تفوقها في عدد المشروعات وحجم الاستثمارات بالإضافة لإجمالي إنتاج الطاقة المتجددة الممكن استخدامها.
وتأتي مصر على رأس قائمة الدول العربية من حيث عدد المشروعات التي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، بنحو 23 مشروع من حوالي 73 مشروع في صناعة الهيدروجين على مستوى الوطن العربي، بحسب ما أوردته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الحكومية في يناير 2024.
ويمكن حصر السباق الخليجي بين ثلاث دول هي الإمارات والسعودية وعُمان، ومن خارج الخليج من العراق. كما أن هناك سباق أقل قوة في غرب القارة الإفريقية بين الجزائر والمغرب وموريتانيا التي تخطوا جميعها خطواتها الأولى بهذا المضمار.
(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة)
#مقالرأي
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)