شهدت أسواق الدين العربية أداء قوي في 2024، بالتماشي مع أسواق الدين العالمية التي سجلت أرقام قياسية، حيث استُهل العام بتوقعات قوية بشأن خفض أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى انخفاض حاد في العوائد، وخاصة بين أبريل وأغسطس، قبل أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي، وبعد طول انتظار، بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر وهو أول قرار في اتجاه تيسير السياسة النقدية منذ أربع سنوات.

ونتيجة لذلك، سعت الأسواق العالمية وخاصة اقتصادات الأسواق الناشئة والتي منها العربية للاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة، مما دفع بإصدارات السندات عالمياً إلى مستويات قياسية جديدة وصلت إلى 10.7 تريليون دولار، بزيادة نسبتها 20% مقارنة مع 2023، وفقاً لبيانات مجموعة بورصة لندن.

التفاصيل

بشكل عام

سعى المُصدرون للاستفادة من تحسن ظروف السيولة العالمية في 2024، مع بدء البنوك المركزية الكبرى في تيسير سياساتها النقدية وتجنب أي اضطرابات محتملة قد تتأتى عن التطورات الجيوسياسية.

عليه، بلغ إجمالي إصدارات أسواق الدين المدرجة الجديدة في المنطقة العربية 102.8 مليار دولار في 2024، بارتفاع نسبته 14.7%، من 89.6 مليار دولار في 2023، وهو ما يعزى بشكل رئيسي إلى ارتفاع إصدارات السندات الحكومية وأذون الخزانة المدرجة، بالإضافة إلى سندات الشركات المدرجة خلال العام.

أنواع أدوات الدين

من حيث النوع، استمرت السندات الحكومية وأذون الخزانة المدرجة والصادرة عن الحكومات العربية في الاستحواذ على الحصة الأكبر من أدوات أسواق الدين المدرجة على مستوى المنطقة العربية خلال العام، وذلك بنسبة 78.9% من إجمالي الإصدارات المدرجة الجديدة في المنطقة، لتصل إلى 81.2 مليار دولار في 2024 (بارتفاع من 73.9 مليار دولار في 2023).

بينما شكلت سندات الشركات العربية المدرجة ما نسبته 11.7% من الإجمالي، بقيمة 12 مليار دولار (بارتفاع من 4.2 مليار دولار في العام 2023).

بالتوازي مع ذلك، شكلت الصكوك العربية المدرجة حوالي 9.4% من إجمالي الإصدارات بقيمة 9.7 مليار دولار (بانخفاض من 11.6 مليار دولار في العام 2023).

الدول

أما من حيث توزيع الإصدارات المدرجة بحسب الدول، استحوذت دول مجلس التعاون الخليجي على 52% من إجمالي إصدارات الدين الجديدة في المنطقة العربية في 2024، بينما تصدرت عربياً مصر إصدارات السندات الحكومية وأذون الخزانة المحلية المدرجة في مصر بحصة بلغت 36.4% (أو 29.5 مليار دولار) في العام 2024.

الجدير بالذكر أن البورصة المصرية بدأت في سبتمبر 2023 التداول على أذون الخزانة من خلال نظام تداول الأدوات المالية الحكومية الثابتة (GFIT)، الذي تم تطويره من قبل البورصة المصرية خلال 2021 للتداول على سندات الخزانة.

تلت مصر، على المستوى العربي، قطر بنسبة 16.7% (موزعة ما بين أذون خزانة وسندات حكومية) والبحرين بنسبة 16.5% (موزعة ما بين أذون خزانة وسندات حكومية).

 

أكبر الإصدارات

استحوذت الدول العربية غير الخليجية على 59.3% من إجمالي إصدارات السندات الحكومية وأذون الخزانة المدرجة في المنطقة، بزيادة نسبتها 2.7% مقارنة مع العام 2023.

احتلت أبو ظبي المرتبة الأولى في إصدارات سندات الشركات المدرجة بنسبة بلغت 83% (أو 10.0 مليار دولار)، في ظل 4 سندات لشركة أبوظبي التنموية القابضة و6 سندات لشركة المعمورة القابضة المتنوعة.

هذا فيما احتلت السعودية المرتبة الأولى عربياً كأكبر مصدر للصكوك، بنسبة 83.2% من إجمالي الصكوك المدرجة الصادرة في المنطقة العربية (أو 8.0 مليار دولار)، تلتها البحرين بنسبة 8.6% من الإجمالي (أو ما يعادل 0.8 مليار دولار).

عام 2025

من المتوقع أن يستمر التيسير النقدي في 2025، وإن على ما يبدو بوتيرة أبطأ مما كان متوقع في السابق.

وإذا أضفنا لذلك الاحتياجات التمويلية المرتفعة في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب برامج التنوع الاقتصادي الجارية، من المتوقع أن يدفع هذا المُصدرين إلى اغتنام أي فرصة لإصدار سندات في السوق، وخاصة في النصف الثاني من العام.

ومن المتوقع أن يتزامن هذا مع اتضاح الصورة فيما يتعلق بأسعار الفائدة والتضخم.

أضف إلى ذلك، المخاوف من إمكانية رفع الأسعار في 2026 بسبب السياسات الأمريكية المتعلقة بالتعريفات الجمركية وترحيل المهاجرين غير الشرعيين والتي من المتوقع أن ترفع الأسعار في أمريكا.

من ناحية أخرى، فإن العجز المالي لدى بعض الحكومات في المنطقة، بما في ذلك السعودية التي تتوقع عجز مالي في موازنة 2025 بمقدار 101 مليار ريال (أو 26.9 مليار دولار)، هو عامل آخر قد يدعم إصدارات الدين السيادية من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لتمويل العجز المالي واستحقاقات الدين.

تجدر الإِشارة إلى أن موازنة مصر للعام المالي الحالي 2024-2025 الذي ينتهي آخر يونيو القادم كانت قد توقعت عجز مالي بنحو 1.2 تريليون جنيه (أي نحو 24 مليار دولار)، أو ما نسبته 7.3% من إجمالي الناتج المحلي، بارتفاع كبير عن العجز المالي خلال العام المالي السابق 2023-2024 والذي بلغ 505 مليار جنيه (أي نحو 10 مليار دولار).

في هذا السياق، من المتوقع أن تشهد إصدارات وزارة المالية من أذون وسندات الخزانة خلال العام 2025 نشاط قوي، مع تزايد إقبال المستثمرين الأجانب والمحليين على أذون وسندات الخزانة المصرية مع بداية 2025.

وذلك في ظل توجه مصر إلى إطالة متوسط أجل استحقاق الديون المحلية بحسب ما أشارت إليه وزارة المالية في مصر.

عليه، من المتوقع أن ترتفع إصدارات وزارة المالية بنسبة 360% خلال الربع الأول من 2025 (من يناير إلى مارس) بالمقارنة مع الربع الأول من 2024، وفق تقرير صادر عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التي أشارت فيه إلى أن مصر قد تصدر سندات خزانة بقيمة 203 مليار جنيه خلال الفترة من يناير إلى مارس 2025، مقارنة بنحو 44 مليار جنيه خلال الفترة المماثلة من العام السابق.

كما أعطى مزيد من الزخم عودة مصر لأسواق الدين العالمية لأول مرة فبراير الماضي منذ سبتمبر 2021 بإصدار سندات حكومية بقيمة 2 مليار دولار أدرجت في بورصة لندن بالإضافة لتوقعات بإصدار آخر لصكوك أو سندات خضراء قبل نهاية العام المالي الحالي.

 

(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، تحرير: ياسمين صالح، مراجعة قبل النشر: شيماء حفظي)

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا