تسعى السعودية لجعل مدينة الرياض مركز مالي لمنطقة الشرق الأوسط، فيما يبدو أنها ستتمكن من منافسة دبي، اعتمادا على عوامل اجتماعية وسوقية تجذب الشركات والأفراد معا، إلى جانب المحفزات المالية التي أطلقتها الحكومة، وفق ما يراه محللون.

الحوافز التي أطلقتها المملكة تضمنت إعفاء المقرات الإقليمية للشركات من ضريبة الدخل على الكيانات لمدة 30 سنة، وكذلك ضريبة الاستقطاع على أنشطتها المعتمدة، فيما تعمل على تسهيل الإجراءات للشركات من خلال برنامج أطلقته العام الماضي يدعى برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية.

في أبريل من هذا العام، أعلن صندوق النقد الدولي افتتاح مقر إقليمي في السعودية، لينضم لنحو 450 مستثمر دولي حصلوا على تراخيص لمقار إقليمية في المملكة، وفق تصريحات لوزير الاستثمار السعودي خالد الفالح فبراير الماضي.

ربما تشير الأرقام إلى تسارع مساعي المملكة في خطتها خاصة مع الاستعداد لاستقبال إكسبو 2030، لكن لا يمكن إغفال المنافسة مع دبي، التي عرفت على مدى سنوات بأنها مركز الأعمال في المنطقة، بل واعتمد اقتصاد الإمارة غير الغنية بالنفط على السياحة والأعمال كمصدر للناتج المحلي الإجمالي.

والرياض - التي تسعى السعودية لتحويلها لدبي الجديدة - هي مصدر 50% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة، ويقطنها 4.5 مليون شاب وشابة تقل أعمارهم عن 35 سنة وهو ما يعادل حوالي نصف عدد سكان العاصمة السعودية البالغ نحو 9 مليون نسمة.

 

أكثر جاذبية للحياة العائلية X أكثر جاذبية للفئات الأصغر سنا

التحول الثقافي في الرياض مؤخرا – مع استثمارات بمليارات الريالات في قطاع الترفيه والسماح بالحفلات الغنائية والسينما ودعمها حكوميا – ساهم في تغيير الصورة النمطية "المتشددة دينيا" عن المملكة، ويرى محللون أن التغيرات الاجتماعية والفرص التي تتيحها الرياض للأسر للمعيشة قد تكون دافع جذب قوي للشركات والأعمال.

"على الجانب الاجتماعي، تضع الرياض نفسها كمكان أكثر توجها للحياة العائلية، بينما أصبحت دبي أكثر جاذبية للفئة الأصغر سنا.. (بزيادة الترفيه) ستزداد جاذبية الرياض مما قد يحفز الأشخاص والشركات على الانتقال إلى هناك، بطريقة مماثلة لدبي،" وفق ما قاله سامر تلحوق كبير محللي المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فيتش سوليوشنز.

وأضاف تلحوق لزاوية عربي أن التوسع في خيارات الترفيه إلى جانب توفير التعليم والرعاية الصحية عالي الجودة – وهي القطاعات التي تدعمها السعودية أيضا كجزء من رؤية 2030 - قد يجذب الأشخاص الذين يرون أن مثل هذه البيئة مثالية لتربية الأسرة.

عملاء من الشركات X عملاء من الشركات والأفراد

إضافة لذلك، يسهم حجم السوق السعودي في تقوية نكهة فاتح الشهية للمستثمرين بالمقارنة مع الإمارات، من حيث حجم المستهلكين، وحجم الاستثمارات الحكومية وتركيز الحكومة على تسريع تنمية القطاعات غير النفطية في المملكة التي تنفذ خفض طوعي لإنتاجها من البترول.

قال علي متولي، مستشار الاقتصاد والأعمال في شركة IBIS Consultancy التي مقرها لندن، إن الشركة التي تريد افتتاح مقر إقليمي في الشرق الأوسط ستختار موقعه حسب عميلها المستهدف، فإذا كانت ساعية وراء عملاء من الشركات ستتجه للإمارات "أما لو (عملائها) شركات وأفراد يبقى السعودية لأنها أكبر من حيث عدد السكان فـشريحة المستهلكين أكبر وبالتالي فرصة النمو أكبر".

ووفق تلحوق، تظل السعودية - التي يتخطى عدد سكانها الـ 32 مليون شخص أي نحو 3 أضعاف سكان الإمارات - أكبر سوق في دول مجلس التعاون الخليجي.

وسيكون استثمار المملكة في قطاعات مثل الخدمات اللوجيستية والترفيهية والمالية قادر على منافسة دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى على الرغم من بعض المنافسة.

"لا نرى أن المنافسة من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تشكل عقبة رئيسية أمام المملكة العربية السعودية لتتمكن من تنويع اقتصادها في هذه القطاعات، حيث توفر عروضها قيمة مضافة على الصعيدين المحلي والدولي،"حسب تلحوق.

السرعة X أعمال أكثر مع الحكومة

تساعد الاستثمارات التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة الذي يدير أصول بنحو 3.47 تريليون ريال (925.3 مليار دولار) على جذب الشركات خاصة تلك التي تهتم بالعمل مع الحكومة.

"السعودية ركزت على الشركات اللي بتتعامل مع الحكومة b2g مش أي قطاع تاني،" بحسب متولي. وهو ما اتفق معه تلحوق، بأن الشركات التي تفتتح مقرها الإقليمي الرئيسي في الرياض تعطي الأولوية للعقود الحكومية.

وقال متولي إن الشركات اتجهت إلى الإمارات لأنها كانت أسرع في إتاحة الفرصة "لكن السعودية لما يبقى عندها نفس البيئة الاقتصادية والتشريعية بتاعت الامارات ساعتها السعودية تكتسح اكيد.. التشريعات اللي بتحفز الشركات وتعمل مناخ يسهل عملياتهم هي الأساس".

ولتنشيط أدوات الاستثمار، تعمل السعودية بنشاط على تطوير سوق الأوراق المالية "تداول" من خلال زيادة أعداد الاكتتابات العامة الأولية وتحسين وصولها إلى المستثمرين الأجانب.

وخلال الربع الأول من العام الجاري، سيطرت السعودية على الاكتتابات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال 9 اكتتابات أولية من أصل 10 اكتتابات، فيما نفذت شركة أرامكو العملاقة للنفط بحلول منتصف العام طرح ثانوي جمعت من خلاله 42.10 مليار ريال سعودي (11.23 مليار دولار).

هذه الفرص سواء من المستهلكين أو مشروعات الحكومة، تجذب أيضا شركات خارج السعودية للتوسع بالمملكة من خلال تأسيس شركات تابعة أو دخول في شراكات.

ويتوقع المحللان أن تنمو إيرادات القطاع غير النفطي وتتوسع أنشطته على المدى الطويل، مع الاهتمام بالإنفاق الحكومي على أنشطته.

وقال تلحوق إن "تنفيذ رؤية 2030 وما تلاها من تطور اقتصادي سريع في القطاع غير النفطي يوفر للشركات الأجنبية فرص للنمو في المملكة العربية السعودية".

وأشار إلى أن القطاعات المهمة التي ستساعد الحكومة السعودية على دعم ماليتها العامة ستكون قطاعات توفر المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين، حيث ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك المحلي وبالتالي إيرادات الضرائب.

وأضاف أن النقطة التي يمكننا عندها القول إن الاقتصاد السعودي قد قام بالتنويع بعيدا عن النفط هي النقطة التي لا تؤدي فيها الصدمات التي تتعرض لها أسعار النفط - سواء كانت إيجابية أو سلبية - إلى تغيير بيئة الاقتصاد الكلي بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي والمالية العامة والتوازن الخارجي للبلاد.

"سيكون من الصعب تحديد رقم دقيق هنا، لكن حصة أقل من 20% من النفط في الإيرادات الحكومية والصادرات ستكون مقياس جيد لإثبات أن السعودية قد نوعت اقتصادها بشكل كبير بعيدا عن النفط،" حسب تلحوق.

ومثلت الإيرادات النفطية للسعودية نحو 62% من إجمالي الإيرادات خلال الربع الأول من 2024، فيما سجل حجم مساهمة الأنشطة غير النفطية زيادة ملحوظة خلال العام الماضي ليصل إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

ماذا حدث في 2024؟

- نشرت الجريدة الرسمية في المملكة "أم القرى" في فبراير 2024، تفاصيل القواعد الضريبية للمقرات الإقليمية، وبدأ العمل بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية.

- تضمنت القواعد، منح المقرات الإقليمية - المستوفية لمعايير التأهيل - ضريبة الدخل بنسبة صفر بالمئة على الدخل من الأنشطة المؤهلة والمحققة من قبل المقر الإقليمي، وضريبة الاستقطاع بنسبة صفر بالمئة على بعض المدفوعات التي يقوم بها المقر الإقليمي مثل توزيعات الأرباح.

- أصدرت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية، دليل إرشادي للمعايير اللازمة للاستفادة بالإعفاءات، وتضمنت أن يمتلـك الكيان صاحب المقر الإقليمي شركتين تابعتين أو فرعين على الأقل في دول أخرى بخلاف دولة المقر الرئيسي والسعودية.

كما تضمنت المعايير، أن يكون للمقر الإقليمي مكتب فعلي بالسعودية، وأن يتكبد نفقات تشغيلية ويحقق إيرادات ناتجة عن الأنشطة في المملكة. وتستمر مدة الإعفاء الضريبي 30 سنة قابلة للتجديد وتحسب من تاريخ إصدار الترخيص للمقر الإقليمي.

- أعلنت وزارة الاستثمار السعودية، زيادة عدد التراخيص الاستثمارية المصدرة خلال الربع الأول من العام 2024 بنحو 93% على أساس سنوي، إلى 3157 ترخيص. وتصدر قطاع التشييد قائمة القطاعات المرخص لها.

 

(إعداد: شيماء حفظي، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا