PHOTO
قد يتعين على الحكومة السعودية إصدار سندات وصكوك دولية في العام الجديد، لكن بوتيرة أبطأ نتيجة ظروف السوق مع توقعات باستمرار أسعار الفائدة مرتفعة لبعض الوقت وتركيز الحكومة على مصادر تمويل متعددة تساعد في تنفيذ خططها التوسعية، بحسب محللين تحدثوا لزاوية عربي.
البدائل هذه ستكون تعويضا لإيرادات النفط التي ستفقدها المملكة نتيجة توقعات انخفاض أسعار الخام خلال 2025، حيث يتوقع محللون وشركات أبحاث أن تنخفض إلى نحو 70 - 76 دولار للبرميل في المتوسط.
"توقع فريق النفط والغاز لدينا أن يبلغ متوسط أسعار النفط 76 دولار أمريكي للبرميل في عام 2025. وهذا انخفاض من حوالي 80 دولار أمريكي للبرميل في عام 2024،" حسب رامونا مبارك، رئيسة الخدمات المصرفية والمالية في فيتش سليوشنز لزاوية عربي.
هذه المستويات المتوقعة هي أقل من أسعار النفط في عام 2022 وقت أن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية ودفعت أسعار الخام لمستويات قياسية، وهو نفس العام الذي حققت فيه السعودية فائض في ميزانيتها كان الأول في نحو عقد.
وتتوقع المملكة أن يبلغ نسبة العجز في الموازنة خلال العام الجاري 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي أعلى من تقديراتها السابقة للعام، وأن يتقلص طفيفا في 2025 إلى 2.3%.
إصدارات 2024
تأتي توقعات أسعار النفط أدنى بكثير من سعر التعادل المالي للسعودية، والمُقدر بـ 96.20 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، حسب جوزيف ضاهرية، كبير استراتيجي السوق في Tickmill للوساطة التي مقرها لندن ولها مكتب بدبي، لزاوية عربي.
وقال ضاهرية: "من المرجح أن توسع المملكة العربية السعودية إصداراتها من السندات والصكوك السيادية بشكل كبير.. زيادة الاقتراض تبدو أمر لا مفر منه".
وفي يناير 2024، أصدرت السعودية سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار، على 3 شرائح، لمدة 6 و10 و30 عام، بعائد 4.75%، 5% و5.75% على التوالي. كما أصدرت في يونيو من نفس العام صكوك دولية بقيمة 5 مليار دولار مقسمة على 3 شرائح بآجال 3 و 6 و 10 سنوات، وبعائد 5.25%.
وتوقع علي متولي مستشار الاقتصاد والأعمال في شركة IBIS Consultancy التي مقرها لندن، لزاوية عربي، أن "لجوء السعودية للأسواق الدولية خيار موجود.. أه تكلفة الاقتراض هتبقى عالية لكن السعودية لسه عندها مساحة للسيطرة على معدلات الدين".
وتتوقع وزارة المالية السعودية أن ترتفع نسبة الدين العام من نحو 29.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى 29.9% في 2025، وهو ما تعتبره مبارك مستوى منخفض وفق المعايير العالمية.
ورغم ما يبدو من إصرار المملكة على التوسع في أنشطتها غير النفطية، وحاجتها للتمويل، ما يشير إلى إمكانية توسع في إصدارات الديون، لكن "الوتيرة قد تتباطأ بسبب ظروف السوق والتزام المملكة بمستويات دين مستدامة،" وفق ضاهرية.
ويتوقع أن تستمر أسعار الفائدة عالميا مرتفعة إلى حد ما في 2025، وسط تكهنات بأن يبطئ الفيدرالي الأمريكي من معدل خفض الفائدة العام المقبل، إضافة لشكل الاقتصاد الذي يريده الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب والذي قد يرفع معدلات التضخم.
النفط
في ديسمبر، قرر تحالف أوبك بلس الذي تتزعمه السعودية وروسيا، تأجيل بدء زيادة إنتاج النفط، ثلاثة أشهر حتى أبريل وتأجيل إلغاء كل تخفيضات الإنتاج حتى نهاية 2026 بدلا من نهاية 2025، وسط ضعف الطلب وزيادة إنتاج موردين آخرين للسوق.
كما تشير التوقعات إلى ضغوط مرتقبة في 2025 على دول التحالف إذا توسعت الولايات المتحدة في إنتاجها من النفط تحت إدارة ترمب - الذي أبدى نية لحفر المزيد من آبار النفط - ما يعني تقليص صادرات التحالف للسوق ناهيك عن أسعار أقل.
"أسعار النفط مهمة. لم نصل مرحلة حتى هنا (أي في الإمارات) فيها الاقتصاد متنوع لدرجة أن النفط لا يعد المسؤول عن ضبط الإيقاع بشكل أو بآخر،" بحسب سايمون وليامز، كبير الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي لمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا في حديث لصحفيين في دبي نوفمبر الماضي متحدثا عن دول مجلس التعاون الخليجي ككل.
وأضاف وليامز: "وبالطبع في السعودية التي يلعب فيها الإنفاق (الحكومي) دور مهم في النمو".
وأشار تقرير لـ "إتش إس بي سي" صدر نهاية العام وشارك فيه وليامز إلى أن متوسط سعر خام برنت عند 70 دولار للبرميل والذي يتوقعه البنك للعام الجديد هو مستوى يمكن التحكم فيه، ولكنه يمثل نهاية "منطقة الراحة" لدول مجلس التعاون بشكل عام.
صندوق الاستثمارات العامة
سيكون الصندوق السيادي السعودي رهان واضح على تمويل التوسعات وجذب المستثمرين والشراكات للمساهمة في تنفيذ خطط تنويع الاقتصاد، وفق المحللين.
الصندوق الذي تأسس في 1971 بحجم أصول تبلغ حاليا 3.47 تريليون ريال ( 925.3 مليار دولار)، أعلن مؤخرا نيته تقليص محفظته الاستثمارية الخارجية من 30% إلى ما بين 18-20% وهو ما يراه ضاهرية من Tickmill للوساطة اتجاه نحو "إعادة توجيه المزيد من رؤوس الأموال نحو التنمية المحلية".
وحسب مبارك من فيتش سليوشنز فإن "إعادة تخصيص هذه الأصول من شأنها أن تحرر ما يعادل قيمته 8% من الناتج المحلي الإجمالي نحو الاستثمار المحلي".
تتوقع مبارك، أن ينمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة بنسبة 4.7% في عام 2025 مقارنة بـ 4.0% في عام 2024.
وحسب بيانات وزارة المالية السعودية، يتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة بشقيه النفطي وغير النفطي خلال 2025 بنسبة 4.6% مقابل نمو طفيف متوقع في 2024 عند 0.8%.
لكن وفق متولي من IBIS Consultancy، كان من الممكن أن يشهد القطاع غير النفطي نمو أكبر إذا كانت أسعار النفط أعلى.
"هيبقى فيه نمو (للقطاع غير النفطي) لكن كان ممكن يبقى النمو أعلى لو أسعار البترول أعلى،" وفق متولي، الذي أشار إلى إمكانية تباطؤ الإنفاق الحكومي في 2025 - المعتمد على الدخل القادم من صادرات البترول - على القطاع غير النفطي بما فيه البنية التحتية ما قد يزيد مدة المشروعات خاصة السياحية والصناعية.
تتوقع السعودية إيرادات نفطية بنحو 758 مليار ريال في 2024، بتغير طفيف عن 755 مليار ريال سعودي حققتها في 2023. ولا تزال إيرادات النفط أقل من عام 2022 الذي سجلت خلاله 857 مليار ريال.
وخلال 2025، تتوقع السعودية تراجع في إجمالي الإيرادات من القطاعين النفطي وغير النفطي بنحو 3.7% عن توقعات العام الجاري - في إطار موازنة متحفظة - ما جعلها تخفض الإنفاق المتوقع للعام الجديد بنسبة 4.5% على أساس سنوي.
لكن قد يجد صندوق الاستثمارات العامة طريقة لتعويض هذا التراجع للإنفاق لتمويل توسعاته من خلال سوق الدين العالمي، فمثلا خلال 2024 طرح الصندوق سندات بقيمة 5 مليار دولار، وصكوك بقيمة 2 مليار دولار، وسندات بالجنيه الإسترليني بقيمة 650 مليون جنيه إسترليني.
وبعيدا عن إصدار الديون، تعد الشراكة مع القطاع الخاص والخصخصة وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسائل لتخفيف الضغوط على المالية العامة، حسب مبارك ومتولي.
تشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الثاني من 2024 سجل 11.7 مليار ريال بتراجع بـ 7.5% على أساس سنوي وإن ارتفع على أساس فصلي بـ 23.4%.
تخلت الحكومة السعودية في يونيو 2024، عن حصة إضافية من عملاق النفط أرامكو وجمعت نحو 12 مليار دولار لتمويل احتياجاتها المالية، من طرح ثانوي لحصة 0.64% إضافية من الشركة في البورصة السعودية.
ومؤخرا، يركز الصندوق السيادي على استثمارات في قطاعات غير نفطية، حيث استحوذ على 15% في شركة أف جي بي توبكو، المالكة للشركة المشغلة لمطار هيثرو، كما أطلق شركة لإدارة الفنادق.
لكن ورغم المحاولات، يبدو أن التوسع المستمر في القطاع غير النفطي في السعودية "سيستغرق وقت قبل أن يتمكن من تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط بشكل كبير. وحتى ذلك الحين، سيظل لتقلبات أسعار النفط تأثير كبير على صحة المالية العامة للمملكة واستقرارها الاقتصادي وقدرتها على تمويل جهود التنويع،" وفق ضاهرية.
وختاما يمكن القول كما لخصها ضاهرية:"لا يزال هيكل الاقتصاد السعودي واحتياجاته المالية يتطلبان مراقبة دقيقة لأسعار النفط حيث تمثل مداخيل النفط جزء مهم من إيرادات الميزانية".
(إعداد: شيماء حفظي، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)
#تحليلمطول
للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا