PHOTO
06 08 2016
نفي وزارة المالية المصرية وجود شروط من صندوق النقد الدولي مقابل تقديم القروض التي طلبتها مصر منه والمقدرة بـ12 مليار دولار من الصعب تصديقه. فنحن نعرف أن هذا الصندوق ليس جمعية خيرية ولا مؤسسة أو دولة صديقة لمصر حتى يقدم قروضه لها هكذا. فصندوق النقد الدولي هو مؤسسة مالية وبالتالي فإن أول ما يستهدفه هو ضمان سداد المبالغ التي ينوي إقراضها.وعلى هذا الأساس فإن الصندوق سوف يضع الضوابط والشروط التي تضمن استرداد ما يقدمه لمصر من مال. وبالتالي فإنه وقبل أي شيء سوف يطلب من موظفيه الاطلاع على كافة مؤشرات الاقتصاد المصري وعلى رأسها نسبة التضخم والديون التي على البلد ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي والسياسة المالية والنقدية التي تتبعها الحكومة لسداد الديون التي عليها. وهي ديون، مثلما نعلم كبيرة جداً، تصل إلى أكثر من 300 مليار دولار. وهذا يعني أن نسبة الدين القومي إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 100% تقريباً.
وأنا هنا أتذكر مدرس الاقتصاد في الجامعة الذي كان يكرر دائماً: أنه في اليوم الذي يقدم فيه صندوق النقد قروضاً إلى بلد ما فإن كبار المسؤولين فيه يُلاحظون في اليوم الثاني وهم يتجولون في لندن وباريس لإنفاق تلك الأموال على متعهم. وأنا أورد ذلك ليس من أجل التشكيك في أحبائنا وإخوتنا ولكن لفهم الشروط التي سوف يضعها موظفو صندوق النقد الدولي الذي اصطدموا في الماضي، وربما لا زالوا، بتلك الظاهرة.
وعلى هذا الأساس ومن أجل ضمان استرجاع المبالغ التي سوف يقدمونها فإن أول الشروط التي سوف يضعها الصندوق هو استقرار سعر صرف الجنيه المصري الذي سوف تحول إليه المبالغ المقترضة. كما أن خصخصة العديد من الشركات الحكومية هي الأخرى سوف تكون من ضمن الشروط لتصبح رافداً من الروافد التي على أساسها سوف تتم جدولة الديون المصرية. وبالتأكيد فإن الصندوق سوف يطلب تقديم تسهيلات إضافية لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية وذلك لتحسين وضع الحساب الجاري وتعزيز ميزان المدفوعات.
ولكن كل ذلك ربما يكون أهون من الضرائب التي سوف يطالب الصندوق بفرضها على العديد من السلع ومن ضمنها بعض السلع الاستهلاكية الضرورية. فتجربة مصر في هذا المجال تدعو إلى توخي الحذر. فأحداث 18 و19 يناير 1977 قد نشبت تحديداً بعد إقرار الإجراءات التقشفية التي كانت من ضمن الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي على مصر التي كانت حينها في أمس الحاجة لموارد مالية إضافية.
من ناحية أخرى فإن تلك الشروط عندما ننظر إليها من زاوية المكاسب فسوف نرى إنها ربما تعود بالفائدة على مصر. فتطبيق ما سوف يطلبه الصندوق من شأنه أن يؤدي إلى إصلاح السياسة المالية والنقدية ورفع الشفافية. وهذا ما تحتاجه مصر. فهي تشبه إلى حد ما الإجراءات التي تفرض على الشركات قبل منحها شهادات الأيزو. ولهذا فمن المتوقع أن يرتفع التصنيف الائتماني لمصر بعد التوقيع على الاتفاق. وهذا بالتأكيد سوف يشجع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية ويخفض من تكاليف الديون التي تحتاجها مصر في المستقبل.
© صحيفة الرياض 2016