07 07 2016

برنت يتراجع وسط صعود الدولار ومخاوف اقتصادية

مالت أسعار النفط أمس للانخفاض، ما يعكس استمرار تقلبات الأسواق الدولية وغياب الاستقرار نتيجة تنامي المخاوف من تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى جانب الشكوك الواسعة حول التعافي الاقتصادي وقدرته على تحقيق معدلات نمو جيدة، وقد تزامنت تلك المخاوف الاقتصادية مع صعود الدولار، ما أسهم في زيادة الضغط على أسعار النفط.

وتشير التقديرات والتوقعات الاقتصادية المتداولة في الأسواق إلى أن دول الخليج قد تستفيد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث ستسعى لندن إلى توثيق العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول الخليج لجذب استثمارات جديدة والاستفادة من تراجع الاسترليني على نحو حاد وغير مسبوق أمام الدولار.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، سباستيان جرلاخ رئيس مجلس الأعمال الأوروبي، أن المعروض النفطي وإن كان ما زال متفوقا على الطلب إلا أن كل التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن السوق تتجه إلى تراجعات حادة في المعروض نتيجة تقلص الاستثمارات والانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول القائمة، لافتا إلى ضرورة الاستعداد لموجات واسعة من الطلب الآسيوي في الفترة المقبلة نتيجة النمو السكاني وازدياد احتياجات الطاقة.

ونوه جرلاخ إلى أهمية الحفاظ على استمرارية الاستثمار تحت أي ظروف صعبة للسوق، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال برامج فعالة لرفع الكفاءة وزيادة الابتكار وضغط الإنفاق التشغيلي للحصول على أعلى عائد ممكن، مضيفا أن كبار الشركات الدولية تتجه إلى البحث عن فرص الاستثمار ذات الربحية المرتفعة، وأغلبها تتجه إلى الشرق الأوسط على الرغم من غياب الاستقرار السياسي عن كثير من دول المنطقة.

من جانبه، قال لـ "الاقتصادية"، إريك بونينو مدير شركة "رويال داتش شل" في بريطانيا، إن الخروج من الاتحاد الأوروبي يجب أن يتم بشكل سريع وشفاف، وهو ما سيساعد الأسواق على امتصاص تأثير التداعيات الاقتصادية السلبية ويدفع في اتجاه استقرار الأسواق وتجاوزها تأثيرات هذا الحدث التاريخي الكبير.

ونوه بونينو إلى ضرورة أن تكون الخطط وبرامج العمل الاقتصادية متجهة صوب تحقيق مستقبل اقتصادي أفضل والخروج من الاتحاد الأوروبي لا يعني عزلة بريطانيا، بل إنه سيساعدها على أن تكون أقوى اقتصاديا وأكثر استقلالية وسيستمر التنسيق والتعاون والتكامل مع التكتل.

وأشار بونينو إلى أنه تم أخيرا تنظيم عديد من المنتديات الدولية في لندن التي ركزت على عرض بعض من ألمع الأفكار المهمة لتطوير منظومة الطاقة ودعم ريادة الأعمال، وهذا جزء أساسي من رحلة العمل الشاقة نحو الوصول إلى مستقبل منخفض الكربون. مشيرا إلى التزام "شل" بدعم الجيل القادم من رواد الأعمال والعمل حثيثا على معالجة تحديات الطاقة في العالم.

ويؤكد لـ "الاقتصادية"، إيفيليو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، أن مخاطر الإمدادات ما زالت قائمة بقوة في السوق، في ضوء عدم استقرار عدد كبير من مناطق الإنتاج حول العالم، خاصة في نيجيريا وليبيا والعراق، إلى جانب ضعف إمدادات أمريكا الشمالية وكندا. مشيرا إلى أن القلق على الإمدادات يمثل عنصرا لتحفيز نمو الأسعار والحد من فرص حدوث انخفاضات حادة في الأسعار.

وأوضح ستايلوف أن صعود الدولار يمثل في المقابل مزيدا من الضغوط على أسعار الخام، خاصة بعد انهيار الاسترليني لأدنى مستوى في 30 عاما عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهبوط اليوان لأدنى مستوى أمام الدولار في ست سنوات، كما أن البيانات غير المستقرة للأداء الاقتصادي في الصين ينعكس سريعا على مستويات الطلب العالمي على النفط الخام.

وأضاف ستايلوف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعد فرصة متميزة أمام المنطقة العربية، خاصة دول الخليج لزيادة الشراكة التجارية والاستثمارية مع بريطانيا، في ضوء بحث لندن عن شركاء اقتصاديين جدد يدعمون اقتصادها، في ظل هذه المرحلة المهمة من التحول السياسي والاقتصادي غير المسبوق في تاريخ بريطانيا، كما أن انخفاض الاسترليني سيجعل الصادرات البريطانية أكثر تنافسية ومن ثم يمكن أن تجد فرصا أكبر في المنطقة العربية.

من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط أمس مواصلة خسائرها للجلسة الثالثة على التوالي في ظل صعود الدولار والمخاوف الاقتصادية التي ثارت عقب تصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويترقب المستثمرون أيضا بيانات مخزونات الخام الأمريكية التي تأخر صدورها بسبب عطلة عيد الاستقلال يوم الإثنين الماضي، وانخفض سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 30 سنتا إلى 47.66 دولار للبرميل، بعدما هبط 4.1 في المائة أمس الأول.

ونزل سعر الخام الأمريكي 25 سنتا إلى 46.35 دولار للبرميل، بعدما هبط 5 في المائة ليصل إلى 46.60 دولار للبرميل عند التسوية أمس الأول، وقد تغير بيانات مخزونات الخام الأمريكية مسار القوة الدافعة للسوق إذا أظهرت انخفاض المخزون مجددا بما يشير إلى بدء انحسار تخمة المعروض.

وأظهر استطلاع أن المحللين يتوقعون انخفاض مخزونات النفط التجارية في الولايات المتحدة للأسبوع السابع على التوالي مع هبوط محتمل لمخزونات البنزين، ويتوقع المحللون انخفاض مخزونات الخام بواقع 2.5 مليون برميل ومخزونات البنزين بمقدار 1.2 مليون برميل.

وأشار المتعاملون أيضا إلى بيانات من جينسكيب لمعلومات السوق تظهر زيادة 230 ألفا و25 برميلا في مخزونات نقطة تسليم العقود الآجلة للخام الأمريكي في كاشينج بولاية أوكلاهوما على مدى الأسبوع المنتهي أول تموز (يوليو).

وقال ديفيد تومسون نائب الرئيس التنفيذي لباورهاوس للوساطة في السلع الأولية التي مقرها واشنطن إن هناك تداولات لتحاشي المخاطرة على نطاق واسع، والأسهم والسلع الأولية والاسترليني جميعها متراجعة، بينما تصعد السندات الأمريكية وأذون الخزانة بقوة.

وأسعار النفط مرتفعة نحو 80 في المائة من أدنى مستوياتها في 12 عاما قرب 27 دولارا لبرنت و26 دولارا للخام الأمريكي المسجلة في الربع الأول من العام، وتغذى الانتعاش على تعطيلات الإمدادات في كندا ونيجيريا التي أوجدت انطباعا بانتهاء تخمة معروض دامت عامين.

لكن التعافي الجزئي للإنتاج النيجيري ساعد في رفع إنتاج "أوبك" من الخام في الشهر الماضي، واعتبر تيم إيفانز إخصائي عقود الطاقة بـ "سيتي فيوتشرز" في نيويورك، أن زيادة إنتاج "أوبك" قد تؤخر عودة التوازن المتوقعة للسوق العالمية.

وذكرت تقارير إخبارية أن إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" من النفط ارتفع خلال حزيران (يونيو) الماضي في أعقاب تحسن إنتاج نيجيريا بعد إصلاح الأضرار التي أصابت البنية التحتية لقطاع النفط نتيجة هجمات المسلحين عليها.

وذكرت وكالة بلومبرج للأنباء الاقتصادية أن متوسط إنتاج نيجيريا ارتفع بمقدار 90 ألف برميل يوميا إلى 1.53 مليون برميل يوميا مقارنة بالشهر السابق، وكانت نيجيريا قد تمكنت من إصلاح بعض أنابيب النفط التي تعرضت لإشعال النار بسبب هجمات المسلحين على المنشآت النفطية في منطقة دلتا نهر النيجر بحسب تصريح إيمانويل كاشيكو وزير الدولة النيجيري للموارد النفطية يوم 27 حزيران (يونيو) الماضي.

في الوقت نفسه ارتفع إنتاج السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم إلى 10.33 مليون برميل يوميا خلال الشهر الماضي بزيادة قدرها 70 ألف برميل يوميا، حيث يزيد إنتاج الخام في السعودية خلال فصل الصيف لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في البلاد.

وارتفع إنتاج ليبيا بمقدار 40 ألف برميل إلى 320 ألف برميل يوميا، وكان الإنتاج قد شهد اضطرابا خلال أيار (مايو) الماضي نتيجة وقف شحن النفط الليبي من ميناء مرسى الحريقة النفطي بسبب الخلافات بين مسؤولي قطاع النفط في الجزء الشرقي من ليبيا، وسجل العراق أكبر تراجع في إنتاجه النفطي خلال الشهر الماضي بمقدار 70 ألف طن إلى 4.3 مليون برميل يوميا، واستقر إنتاج إيران عند مستوى 3.5 مليون برميل يوميا.

من جهة أخرى، سجلت إمدادات البنزين في السوق الأمريكية مستويات قياسية، حيث تعمل مصافي النفط في الولايات المتحدة بكامل طاقتها إلى جانب زيادة الواردات، في حين جاء نمو الطلب على الوقود أقل من المتوقع، وهو ما يهدد بارتفاع أسعار النفط الخام.

ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء الاقتصادية عن جون كيلدوف الشريك في صندوق "أجيان كابيتال" للاستثمار الذي يركز على سوق الطاقة قوله إن جزءا كبيرا من ارتفاع أسعار النفط في وقت سابق من العام الجاري كان يعود بدرجة كبيرة إلى الآمال في زيادة الطلب على الوقود، ما يدفع سعر الخام إلى الارتفاع، لكن هذا لم يحدث وسيؤثر البنزين سلبا في السوق.

© الاقتصادية 2016