08 06 2016

شدد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي على وجود خيارات عدة أمام دول الخليج للإصلاح، من بينها فرض ضريبة 5 في المئة على القيمة المضافة، تساهم بزيادة نحو 1 ونصف الواحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة فعالية الاستثمار العام الذي يمكن ان يوفر نحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن إجراء ادخارات إضافية من خلال تخفيض الاستثمارات غير الأساسية.

وأوضح التقرير الذي حمل عنوان «كيفية العيش في ظل تراجع أسعار النفط، التعديلات السياسية في الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط ووسط آسيا» أن مصدري النفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز ووسط آسيا يواجهون حالياً بيئة صعبة على الرغم من ان المنطقة تمتعت في السابق بفوائض مالية وخارجية ضخمة و توسع اقتصادي سريع على خلفية ارتفاع أسعار النفط. ووصلت معدلات النمو في الخليج والجزائر 5 في المئة، مقارنة مع 6 في المئة في الأسواق الناشئة والمتقدمة.

وفي هذا الإطار، لعبت زيادة معدلات الإنفاق العام دوراً مهماً في دفع النمو غير النفطي بالتزامن مع توجه صانعي السياسات الإيرادات النفطية نحو الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، تمتعت المصارف بسيولة وافرة من ودائع الفوائض التي حققها القطاع العام، ما ساهم في دعم النشاط والائتمان في القطاع الخاص.

تدني النفط

بيد أنه ومع تدني أسعار النفط بنحو 60 في المئة منذ 2014، بدأ النمو بالتراجع وشهدت الدول عجزاً في ميزانيتها وميزانها التجاري ما أثار مخاوف حول زيادة معدلات البطالة والمخاطر التي تهدد القطاع المالي.

وتشير التوقعات إلى تعافي بسيط في أسعار النفط من نحو 45 دولاراً للبرميل إلى ما بين 50 و55 دولاراً للبرميل في نهاية العقد الحالي، في ظل استمرار عدم اليقين تجاه هذه التوقعات. ويعكس احتمال استمرار تراجع أسعار النفط، المرونة المفاجئة التي أظهرها النفط الصخري الأميركي، والتوقعات بتعزيز إيران لمستوى صادراتها النفطية، واحتفاظ دول أخرى بمستوى الصادرات نفسه، فضلاً عن التعافي العالمي البطيء.

ولفت التقرير إلى ان دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز ووسط آسيا تواجه صعوبات أخرى بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط، من بنيها زيادة حدة الصراعات في المنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وارتفاع قيمة الدولار، وتباطؤ النمو في الصين، فضلاً عن الركود في روسيا وانخفاض قيمة الروبل.

وتابع ان دول الخليج والجزائر استخدمت احتياطاتها لامتصاص الصدمة النفطية الأولى وإطلاق إصلاحات سياسية سلسة، الأمر الذي انعكس من خلال انخفاض احتياط الصرف الأجنبي. ولجأت بعض الدول إلى السحب من صناديقها السيادية، في حين عمدت دول أخرى إلى خفض معدلات إنفاقها، إلا انه في ظل تدهور إضافي لأسعار النفط، فإن العجز المالي لن يتحسن هذا العام.

وتوقع التقرير ان تشهد دول الخليج والجزائر تراجعاً لافتاً في معدلات النمو خلال 2016، في الوقت الذي بدأ فيه تأثير تراجع أسعار النفط يظهر من خلال تشديد السياسية المالية، وتراجع ثقة القطاع الخاص، وتراجع السيولة في المصارف.

ومن المتوقع ان يصل معدل النمو هذا العام 2.1 في المئة، وهو ما دون مستوى النمو في 2016 الذي بلغ 3.6 في المئة، إلا انه من غير المتوقع ان تختبر الدول المصدرة للنفط ركوداً اقتصادياً.

وأضاف التقرير انه على الرغم من تبني الدول لمعايير تهدف إلى تخفيض العجز، فإن الانخفاض الحاد بأسعار النفط أدى إلى تدهور لافت في الميزان المالي. ويعتبر عجز الميزانية المتوقع هذا العام مرتفعا إلى حد ما في الخليج (13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بتراجع من فائض بنحو 8.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في 2013)، ما يعكس الاعتماد العالي للميزانيات الخليجية على الإيرادات النفطية.

وأوضح ان معدلات الدين العامة تعتبر متدنية كما ان المدخرات المالية المجمعة ضخمة في العديد من الدول، وذلك بفضل الدعامات المالية اللافتة على المدى القريب. وتستطيع الدول القادرة على الاقتراض والتي تمتلك مدخرات مالية كبيرة إجراء إصلاحات مالية أكثر تدرجاً، إلا ان جميع الدول ستحتاج لتعديل سياساتها، بسبب الخسائر الكبرى في الإيرادات جراء تراجع أسعار النفط.

ورأى التقرير ان الدول غالباً ما تلجأ إلى تخفيض مستوى الإنفاق الذي شهد زيادة كبيرة خلال مرحلة ارتفاع أسعار النفط، فقد عمدت الكويت إلى الحد من إنفاقها الجاري، في حين أنه من المتوقع ان تشهد النفقات الرأسمالية زيادة ملحوظة. بيد ان معظم الدول الخليجية لم تنجح إلى اليوم في زيادة الإيرادات غير النفطية بطريقة فعالة، على الرغم من إعلان إطلاق الضريبة على القيمة المضافة وغيرها من الرسوم والضرائب.

ولفت التقرير إلى انه من المتوقع ان يستمر العجز المالي للدول الخليجية والجزائر عند معدل 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، وان يصل العجز المجمع لهذه الدول نحو 900 مليون دولار خلال 2016 و2021. كما من المتوقع ان يرتفع الدين الحكومي الإجمالي من 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي إلى نحو 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، غير ان معدل الدين لبعض الدول من المتوقع ان يتخطى 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العقد.

وعلى المدى القريب، توقع صندوق النقد الدولي ان يستمر مصدرو النفط في الحد من الاستثمار في القطاع العام، إلا أنهم سيحدون من الانفاق بهدف تخفيض فاتورة الأجور العامة وتحقيق المزيد من خفض الدعم. أما على مستوى الإيرادات، فإن الزيادة المتوقعة بأسعار النفط ستساهم في تسهيل إجراء هذه الإصلاحات.

صناديق الثروة

لفت التقرير إلى أن دول الخليج والجزائر تمتلك 2.5 تريليون دولار في صناديقهم السيادية، وهو رقم أعلى من العجز المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة، إلا ان الأرقام تختلف من دولة إلى أخرى، وهي تعتبر مرتفعة جداً في الكويت وقطر والإمارات، حيث يمكن للدعامات المالية تمويل عجز الميزانية ما بين 20 إلى 30 عاماً.

وأوضح التقرير انه ومع مرور الوقت يتوجب على جميع الدول الخليجية إجراء تعديلات للتأقلم مع واقع جديد من انخفاض أسعار النفط، ففي حال أرادت الدول الخليجية والجزائر تنظيم ميزانيتها، فعليها إجراء تعديلات بنحو 10 إلى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم ضخم لا يمكن للدول تحقيقه. كما ان موازنة الميزانية تتطلب خفض الإنفاق العام بنحو الثلث في الدول الخليجية والجزائر، ومع ارتفاع سعر النفط الأساسي 10 دولارات للبرميل، فإن هذه المعدلات ستنخفض بنحو 10 نقاط مئوية في الخليج.

© Al- Rai 2016