PHOTO
منذ حوالي عامين تقريباً وبعد عودتي من العمل، ذهبت لتقبيل يد أمي لأسلم عليها مثل كل يوم لأجد وجهها عابساً على غير العادة. سألتها بقلق ماذا بها أو ماذا حدث خلال اليوم ليعكر صفوها. ردت والعتاب يملأ عينيها بسؤال بسيط: كيف ترد على كل تعليق يهنئك بعيد ميلادك على صفحة فيسبوك الخاصة بك برسالة وأيضاً إيموجي ولا تكلف نفسك بكتابة رد على تعليقي لتكتفي فقط بإيموجي؟! لم أدري ماذا أقول لكني قررت وقتها أن وقت الاستراحة من فيسبوك قد حان فقمت بإيقاف حسابي مؤقتاً لحين إشعار آخر.
القرار كان في ظاهره الابتعاد عن أي منغصات في العلاقات الأسرية قد تنشأ من سوء استخدام تطبيق فيسبوك — أهم شبكة تواصل اجتماعي في بلدي، فتطبيق تويتر ليس منتشر بنفس القدر في مصر.
ولكن القرار كان في باطنه محاولة للخروج من سجن شبكات التواصل الاجتماعي أو هكذا يسمونها.
بالفعل، أصبحت هذه الشبكات ما هي إلا تطبيقات تجذب الصغار والكبار بهدف خلق مجتمع افتراضي كبير الحجم يمكن بيع الإعلانات لهم لتحقيق الأرباح الوفيرة. كان هذا قرار الإيقاف المؤقت منذ عام تقريباً، ومؤخراً قررت أن أقطع صلتي بموقع فيسبوك برمته.
ولكن استغرق إلغاء حسابي نهائياً حوالي يومين، فلم أجد الرابط لإلغائه بسهولة من على الهاتف المحمول ولكني وجدته بعد عناء من على جهاز الكمبيوتر الشخصي. الغريب أنه بعد تقديم طلب الإلغاء النهائي، قام موقع فيسبوك بإبلاغي أن الحساب لن يتم إلغاؤه نهائياً حتى يمر شهر، لعلي أرجع عن فعلتي الشنعاء وأعيد تنشيط حسابي. لكن ذلك لم يثنيني عن قراري.
فيسبوك ليس هو التطبيق الوحيد للتواصل الاجتماعي الذي يتسبب في نهاية الأمر في التباعد الاجتماعي حيث تجذب مثل هذه التطبيقات أفراد الأسرة، كلٌ في عالمه الافتراضي. على سبيل المثال، تك توك — ذلك التطبيق الصيني — وجد ضالته في الڤيديوهات القصيرة وخاصية تسجيل مقاطع الأفلام أو الأغاني ليحول من مستخدميه إلى ممثلين ومطربين وفي بعض الأحيان استعراضيين، آملين أن يكتشفهم المنتجون ليصبحوا نجوم في الـ showbiz أو العمل الإعلامي.
ولكي لا يتجه المتابعون لهذا التطبيق الصيني الجديد، راح يوتيوب وبعده تويتر في تقديم خدمات مشابهة وهي الڤيديوهات القصيرة.
كل تطبيق يستهدف تحقيق أعلى عائد من جمهوره بغض النظر عن المضمون. وبينما قال إيلون ماسك أنه ينوي تصحيح بعض الأوضاع بشرائه تويتر مدعياً أن حرية الرأي هي الأساس، نجده بعدها يقدم خدمة العلامة الزرقاء باشتراك شهري لمجرد أن تحصل على توثيق لحسابك الشخصي بالإضافة إلى إمكانية كتابة تغريدات أطول من ال 150 أحرف المتاحة على تويتر.
ومؤخراً أصبح هذا الاشتراك إجباري لأي مُعلن على تويتر وإلا لن يستطيع الإعلان على التطبيق مرة أخرى. وفي نفس الوقت يستمر تويتر في إطلاق خدمات جديدة ليلحق على الأقل بمنافسيه الحاليين أو الجدد.
قصة كلوب هاوس
ولكن على الجانب الآخر، يعتبر تطبيق كلوب هاوس بالأخص قصة جديرة بالتحليل لوحده.
حيث ظهر التطبيق من حوالي ثلاثة أعوام وقت إغلاقات كوفيد ليجعل من الهواتف المحمولة محطات إذاعية فورية لمستخدميه. وانطلق التطبيق بسرعة كبيرة ليجد منافسة شرسة من تطبيقات قائمة تحاول المحافظة على قاعدة مستخدميها بكل الطرق.
في البداية لم تكن الخدمة متاحة إلا على أحدث هواتف آيفون قبل أن يتم إتاحته على أندرويد بعدها.
فكرة كلوب هاوس كانت مبنية على التواصل الحي بين مستخدميه في صورة متحدثين وآخرين في صورة مستمعين لكن بدعوة محددة مسبقاً مما أضفى نوع من الحصرية على التطبيق ولكن سرعان ما تم إتاحة التطبيق للجميع ليفقد بذلك أحد أهم مميزاته ولتنحدر جودة المحادثات بعدها.
لا شك أن مثل هذه الخدمة الجديدة كان لها صدى كبير وبدأت تجذب الآلاف من المستخدمين وخصوصا في وقت إغلاقات كوفيد. لكن تويتر وغيره من التطبيقات لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل بدأوا في تقديم نفس الخدمة لمستخدميهم (مثلا في حالة تويتر كانت تحت اسم Spaces). ومع عدم وجود إيرادات واضحة لكلوب هاوس زادت صعوبة وضعه فبعد أن بلغ عدد مستخدمي كلوب هاوس حوالي 600 ألف مستخدم بنهاية 2020، ارتفع لأعلى قمة عند 10 مليون مستخدم بنهاية مارس 2021 بعد ظهور إيلون ماسك على التطبيق ليهوي بعدها إلى 3.5 مليون مستخدم بنهاية سبتمبر 2021. وبنهاية 2022 لم يكن كلوب هاوس ضمن أكثر 10 تطبيقات تحميلاً في العالم بل وصل به الحال إلى أنه احتل المرتبة 60!
وكان ذلك في رأيي لعدة عوامل:
أولاً .. بدأ المستخدمون يبتعدوا عن فكرة التطبيقات التي راج استخدامها وقت كوفيد مع عودة الحياة لطبيعتها.
ثانياً .. لم تعد خدمة كلوب هاوس لا حصرية ولا فريدة من نوعها مع وجود منافسة شرسة من تطبيقات ذات أعداد مستخدمين أكبر بكثير.
ثالثاً .. لم تستطع الإدارة القائمة على كلوب هاوس في توليد إيرادات ذات مردود ليفسر تقييمها الذي بلغ مليار دولار في وقت من الأوقات.
في المقابل، قامت بعض التطبيقات بتحسين خدماتها الأخرى وتطويرها مما صعب من منافستها، فمثلا، لم يكتفي تويتر بعرض رسائل قصيرة لكل مستخدميه، بل أضاف آخر الأخبار ثم مؤخراً خدمة الدردشة اللحظية.
وربما يكون البحث عن آخر الأخبار هو السبب الذي لم أقرر بعد إلغاء حسابي على تويتر .. ذلك التطبيق الذي اشتركت به عام 2009 فكنت من الأوائل وإن كنت لم أفهمه بالقدر الكافي وقتها. ولكني لا أجد ما يستدعي الاشتراك شهرياً في خدمة العلامة الزرقاء فهي لن تضيف لي شيئاً إلا مجرد التفاخر بأن حسابي موَّثق!
لكن هناك سبب آخر وهو أن والدتي لا تهتم بتطبيق تويتر ومعظم أصدقائي ليس لهم وجود على تويتر فبالتالي تفاعلي عليه يكاد لا يُذكر ليصبح تويتر بالنسبة لي هو تطبيق تواصل من اتجاه واحد، وهو ما يساعدني في تجنب تضييع وقتي في تصفح ما لا يفيد في تطبيقات تسمى شبكات التواصل الاجتماعي ولكنها تحولت لسبب ما في التباعد الاجتماعي. يتبقى فقط يوتيوب الذي اعتمد عليه كجهاز التلفزيون الشخصي حسب الطلب، ولذلك التخلص منه لن يكون قرار سهل بالمرة.
(إعداد: عمرو حسين الألفي، رئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA")
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)