09 01 2017
قد تمر على الشرق الأوسط 20 سنة أخرى قبل أن يتبنوا فكرة تأمين نظير-لنظير (peer to peer)، ولكن النشاط الصناعي اليوم بحاجة لإعادة التفكير بهذا النظام والاستفادة منه.
إن أنظمة التأمين في الشرق الأوسط بعيدة عن أنظمة التأمين السائدة في العالم ومنها نظام تأمين نظير- لنظير (peer-to-peer) P2P، ولكن هذا لا يمنع من كونه نظام رائع ينبغي النظر بأساليبه ودراسته على نطاق واسع في المنطقة.
وللتعرف أكثر على تأمين P2P ينبغي علينا العودة إلى بداية ظهور مفهوم التأمين حيث سنفهم مفهوم هذا النظام بأوضح أشكاله.
قبل ظهور شركات التأمين، كان أول شكل من أشكال الحماية المعتمدة بالمجتمعات مقدمة من خلال اتفاقات شرف بين الرجال، على سبيل المثال لنختار فئة المزارعين. لدينا مجموعة من خمسة مزارعين اتفقوا فيما بينهم أنه في حال احتراق مزرعة أحدهم فسوف يساعده البقية لإعادة بنائها. هذه الصفقة تعرض نوعاً من مقايضة تعرض نوعاً من التعويض في حال حدوث حادث ما للممتلكات الخاصة للمشاركين بالصفقة. ولذا فهي تعد مقايضة طالما أنك على استعداد لبذل جهد وعمل في حال حصول شيء لأحد زملائك.هذا النوع من الاتفاقات لا يعد تأميناً، لكن يمكن أن نرى بوضوح بداية ظهور اتفاق من نوع معين.
مع الوقت كانت صفقات هؤلاء الرجال تتوسع، ومع ظهور العملة، اتضح لهذه المجموعات طرق أكثر فعالية لوضع هذه الاتفاقات. فبدا الناس بإقامة مجتمعات تتضمن أصدقائهم وزملائهم في العمل، وفيها ينبغي على كل شخص دفع مبلغ محدد شهرياً أو سنوياً لوضعه ضمن تمويل مشترك، وبالتالي في حال حصول حادث لمزرعة أحدهم يتم استخدام المال من التمويل المشترك لإعادة بناها. وهذا هو بالضبط مفهوم التأمين، الذي يعتمد على توزيع خسائر الأقلية بين الأكثرية.
هذا النوع من التمويل كان حساس للغاية، فالمشاركين لا يملكون أي دوافع للمبالغة بمطالباتهم بالتمويل، وذلك لأن الأموال غير المستخدمة في الصندوق يتم توزيعها على الأعضاء مرة ثانية. ولأن كل المشاركين في المجتمع الواحد هم إما أصدقاء أو زملاء في العمل أو من عائلة واحدة ففي حال مطالبة أحدهم بأكثر من حاجته، فهو وكل المقربين منه يخسرون في يوم إعادة توزيع الحصص.
وإضافة لما سبق هنالك عامل الضغط الاجتماعي على كل المشاركين في سبيل عدم المطالبة إلا في حاجتهم الحقيقية للمال وبالتالي حصول الجميع على حصص عادلة من صندوق التمويل.
وهكذا استمر الحال وتم إنشاء صناديق تمويل مشتركة في كل المجالات لتوفير مجموعة مختلفة من التأمينات، فمثلاً هنالك مجتمع المطافئ حيث يقدمون خدمة إطفاء الحريق للمنازل، وأيضاً مجموعة بناء المجتمعات والذين كانوا يشاركون بمنظمة المصارف ويعرضون الحماية في حال الخسائر المادية. كانت المجتمعات كثيرة ومخصصة لكل شيء ومكونة من أشخاص يخضعون للضغط الاجتماعي بعدم بعثرة أموال المجموعة.
اختلفت الأمور مع تأسيس أول شركات التأمين كما نعرفها اليوم، فقد عرضت هذه المؤسسات نفس فكرة المجتمعات ولكن كان هدفها إبقاء المال المتبقي كأرباح، وبالطبع مع وجود حافز الأرباح توسعت فكرة التأمين بسرعة كبيرة، وهذا ما أوصل هذه الصناعة إلى ما هي عليه اليوم.
ولكن كان هنالك مشكلة بهذا المفهوم وهو ما جعل شركات التأمين عرضة للاستغلال. فبينما كان الضغط الاجتماعي هو سبب بعدم المبالغة بالمطالبات وبالتالي ظهور الأرباح، إلا أن وجود مجموعة شركات التأمين والمؤلفة من أشخاص مجهولي الهوية، أصبحت تعني على نحو مفاجئ عدم اهتمام الناس بالحد من مطالباتها، فالخاسرين هنا هم أشخاص لا نعرفهم في منظمة خاصة مع مبالغ كبيرة من المال لإنفاقها.
حتى يومنا الحالي مجال التأمين يعاني من هذه المشكلة، فشركات التأمين تطالب بدفع أكثر مما ينبغي، ولضمان حماية الأرباح، قاموا بتبادل التكلفة مع العملاء. وكنتيجة لهذا ارتفعت تكاليف التأمين على الجميع.
نظام التأمين الحديث نظير-لنظير P2P يسعى لتصحيح هذه المشكلة من خلال إعادة توجيه الضغط الاجتماعي لعدم المبالغة بمطالبات التأمين. وطريقة عمله هي كالتالي: لنقل مثلاً أنك وتسعة أصدقاء قمتم بشراء نفس البوليصة، وتم دفع نفس المبلغ المالي من قبل كل منكم. جزء من المجموع يكون لشراء التأمين، وكل ما تبقى يتم تحويله لتمويل. فإن قام أحدهم بمطالبة مالية يتم أخذ الفائض من التمويل. وبنهاية العام، كل ما تبقى يتم إعادته لك ولأصدقائك. بالطبع هذا شرح مبسط لهذا النظام، إلا أنه شامل إلى حد ما. وفي ظل اتفاقات كهذه يتم تحفيزك لعدم المبالغة بالمطالبات، ولهذا السبب فمن الممكن أن تحصل على صفقة جيدة من تأمينك.
ولأن شركات التأمين على معرفة تامة بكل هذه الفوائد لذا فهي تمنح نظام P2P رصيد مالي أفضل ومناسب أكثر مقارنة بأنواع التأمينات الأخرى. في ألمانيا شركة فريندشورنس (Friendsurance ) ، تفتخر بتقديم أفضل معدلات الأسعار لأنواع تأمين توفر لك أفضل تغطية، والأمر ذاته يتكرر في الولايات المتحدة بشركة ليمونيد (Lemonade) والتي توفر تأمين لأصحاب المنازل وللمستأجرين.
نحن في الشرق الأوسط بعيدين عن رؤية أنظمة تأمين كشركتي فريندشورنس (Friendsurance ) وليمونيد (Lemonade) والفضل بذلك يعود للقيود التكنلوجية والتنظيمية. ولهذا فإن أفضل طريقة لدخول نظام P2P إلى المنطقة هو من خلال مواقع المقارنات، وقد بدأت بالفعل بتأسيس التكنلوجيا المطلوبة لمساعدة العملاء وشركات التأمين للبدء بالتفاعل مع هذا المستوى الجديد.
صحيح أن نظام P2P قد أصبح حديث المجال مؤخراً فقط، إلا أنه يحمل ميزة تحبها شركات التأمين والعملاء معاً وهي توفير المال.
© Opinion 2017