02 06 2016

شهد الأسبوع الماضي قيام شركة الاتحاد الإماراتية للطيران بإزالة الستار عن الإصدار الكامل لحملتها التسويقية الجديدة والتي تتألق فيها نجمة التمثيل نيكول كيدمان، سفيرة علامتها التجارية. وبعد حالة التجاوب المذهل ردًا على الإعلان الذي قدّمته الممثلة الأمريكية جينيفر أنيستون لطيران الإمارات، كان الاتحاد للطيران بحاجة إلى تقديم شيء ملحميّ لتتفوق على منافستها دبي.

ومع تقديم سماعات الرأس من سامسونج، يتم نقل المسافرين على متن طائرات الاتحاد العملاقة طراز A380 وسط أجواء من الرفاهية والفخامة. وبالنظر إلى الأجواء المحيطة، نجد أنهم يجلسون وجهًا لوجه مع النجم الأسترالي الحائز على جائزة الأوسكار، وسُرعان ما يبدأون رحلة من الغموض ليجوبوا العالم، كل هذا دون الحاجة للقيام بخطوة واحدة فقط.

ونجحتْ عملاق أبو ظبي لأول مرة في ظهور نجم هوليود للمرة الأولى في فيلم يُعرض للمشاهدين بخاصية الواقع المُعزَّز بزاوية قدرها 360 درجة. وكان فيما مضي، يقوم فيلم ستار تريك على قيام قباطنة السفينة بإعطاء الأوامر من منصات مُجسَّمة ثلاثية الأبعاد أو للموظفين في مكتب مستقبلي من خلال المسح الضوئي لبعض المستندات من خلال مقصورات حاسوبية لحفظ الملفات، إذ لم تعد تقنية الواقع المُعزَّز مُحصورةً فقط على الحالمين الطموحين بمشاهدة أفلام سكاي فاي.

انقر هنا لمشاهدة فيلم الاتحاد للطيران بطولة النجمة نيكول كيدمان.

والآن، أصبح الجميع بدءًا من مديري التسويق لشركات الطيران وشركات استخراج النفط وطلاب الكليات العسكرية ومجالس السياحة ومُشغلي حدائق الألعاب وجميع المتسوقين يوميًا يطبقون فكرة الواقع الافتراضي؛ حيث أصبح الأمر يعود إلى قطاع أنشطة الأعمال والذي من المتوقع وفقًا لأحد التقارير الحديثة أن يُصبح مجالاً واعدًا مُتسارع النمو تبلغ صفقاته مليارات الدولارات في الشرق الأوسط.

السفر عبر الزمن

لم يكن طيران الاتحاد هي الشركة الأولى التي طبَّقت تقنية الواقع المُعزَّز في المنطقة؛ حيث ذكر المسؤولون المصريون هذا الشهر أنهم يعكفون على العمل على تطبيق مفهوم الواقع المُعزَّز والذي يتيح للمستخدمين السفر عبر الزمن ومتابعة عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر في رحلته الاستكشافية غير الشهيرة لمقبرة توت عنخ آمون في منطقة وادي الملوك بالأقصر في مصر.

ومن خلال عرض أرشيف هائل من الصور، تعمل الشركة الأمريكية « إي أو إن ريالتي»  بالتعاون مع السلطات المصرية لتطوير مفهوم الواقع المُعزَّز. ومع انخفاض إيرادات السياحة بنسبة 66 بالمائة خلال الربع الأول من عام 2016، تأمل مصر في إحياء إيرادات قطاع السياحة بعد موجة من تحطّم الطائرات والهجمات العسكرية التي ضربت السياحة المصرية.

وعند الإعلان عن المشروع، ذكر الدكتور فتحي صالح، مدير شرفي لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي أن "اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في نوفمبر 1922 كان بمثابة حدث غير مسبوق."

"ويضم هذا الاكتشاف الذي يُعد الكنز الأكثر قيمة في العالم، والتي تحتوي على ما يربو على 4.000 قطعة أثرية. والآن، ومع تطور أدوات تقنية المعلومات، ومنها تقينة الواقع الافتراضي والواقع المُعزَّز، يُمكن للفرد محاكاة أيٍ من القصص؛ مثل اكتشاف المقبرة والتعرف على ثراء كنوز المقبرة بطريقة واقعية جدًا."

الجدير بالذكر أن تقنية الواقع الافتراضي تتناسب جيدًا والترويج لقطاع السياحة والسفريات، نظرًا لأنها تساعد المستمتعين بقضاء العطلات على استعراض الموقع قبل إجراء الحجوزات. وفي العام الماضي، أعلنتْ مجموعة الجميرة في دبي، المجموعة المالكة لفندق برج العرب بتصميمه الفريد على شكل شِراع قارب، عن جميرة 360، والتي تُقدِّم جولة بداخل الفندق الشهير فئة السبع نجوم، فيما أعلن مجلس السياحة العُماني مؤخرًا عن تطبيقه لتقنية الواقع الافتراضي لاستنساخ بعض من معالمها السياحية واستقطاب الزائرين إلى السلطنة.

رحلات مشوّقة

تنبأتْ شركة «ديلويت» للاستشارات الإدارية لهذا العام أنه من المقرر أن تكون تقنية الواقع الافتراضي أحد القطاعات الرئيسية لتحقيق معدلات نمو قوية. وفي الوقت الذي استحوذ قطاع الألعاب على أغلب الإيرادات بقيمة تُقدّر بنحو 1.5 مليار دولار، تنبأتْ ديلويت بتحقيق هذا القطاع معدلات نمو بلغتْ ثلاثة أضعاف في الشرق الأوسط بحلول عام2020  مُعظمها من منطقة الخليج.

ورغبةً في الاستفادة من معدلات الطلب المتزايدة التي يشهدها قطاع الألعاب، فمن المتوقع افتتاح حديقة ألعاب جديدة قريبًا في دبي تعمل بتقنية الواقع الافتراضي. ويجري على قدمٍ وساق تطوير شركة البرمجيات «هاب زيرو» من قبل شركة «مراس» القابضة الكائنة في دبي والتي من المُقرر أن تقع ضمن مشروع «سيتي وولك». ومن المقرر أن يتضمن المشروع إجمالي عدد 18 من معالم الجذب ومناطق الجولات السياحية والمناطق التجريبية، والتي يحمل بعضها أسماء الألعاب الشهيرة؛ مثل فاينال فانتاسي (المغامرة الأخيرة) وريزيدنت إيفل (الشر المقيم) وجيرز أوف وور (معدات الحرب)، والتي تقع على مساحة نحو 15.000 متر مربع وتفخر بأنها تضم أول تجربة ألعاب بتقنية الواقع الافتراضي عبر الإنترنت اللاسلكي عند افتتاحه قبل نهاية الربع الثاني من عام 2016.

وفي تصريح للسيد جان مارك بليد، مدير عام قسم التسلية والترفيه في شركة «مراس» لموقع زاوية، ذكر أنه "في عالم التسلية الدائم التطور، طرحتْ شركة «هاب زيرو» للبرمجيات بُعدًا جديدًا من الألعاب الإلكترونية والتي ستجذب الزائرين في بيئة افتراضية حيوية وإتاحتها للانغماس في عالم يضم خصائص الألعاب المفضَّلة."

ويأتي في المرتبة التالية بعد قطاع الألعاب في تطبيق تقنية الواقع الافتراضي قطاع تجارة التجزئة. ومع إزالة الستار عن هذه التقنية خلال فعاليات مؤتمر التجارة العالمي المنعقد في دبي خلال شهر أبريل، نجحت شركة التكنولوجيا HTC في تطوير نظام فايف (Vive) والذي يُعتبر أول تجربة للواقع الافتراضي المتصورة تمامًا والتي تتيح للعملاء التجول خلال متجر افتراضي من خلال ارتداء سماعات رأس فحسب.

وذكر دانيال خياط، مدير إنتاج بشركة HTC الشرق الأوسط وأفريقيا ومقرها تايوان أنه "على طرفيّ نقيض من سماعات الرأس الأخرى الخاصة بتقنية الواقع الافتراضي، فإنه وللمرة الأولى يكون لديك قدرة استيعابية معتمدة على إحدى الغرف. وهذه الغرف ليست بيئة منفصلة، ولكنها تعتمد على استخدام عصا الألعاب ويمكن للأشخاص التحرك في إطار هذه الغرفة المربعة الشكل بخطوات لا تتعدى خمسة أمتار." يُذكر أن هذه التقنية متاحة بالفعل في الولايات المتحدة ويستخدمها عدد من الشركات الأخرى مثل شركتيّ إنتل وHP؛ حيث يجري حاليًا تقييم تقنية فايف (Vive) من قبل المنظمين في منطقة الشرق الأوسط، وأضاف دانيال خياط أنه يتحدث إلى الموزعين المحتملين.

مُضيفًا، "إلى هذا الحد، لقد أوشكنا على الانتهاء من المهام، فضلاً عن أننا بصدد الانتهاء من الاتفاقات التجارية والهيكل المتوقع للنفاذ إلى الأسواق. وفي الولايات المتحدة، فإننا نمارس أنشطة البيع بالتجزئة بقيمة 799 دولار وما نحن بصدد القيام به هو محاولة تحقيق أرقام أقرب إلى هذا الرقم."

وعند طرح هذه التقنية في الأسواق، فمن المحتمل أن يكون الأمر معروفًا وشائعًا؛ مثل الأنظمة الأخرى المتاحة بالفعل لدى المستهلكين المحليين. وأشار السيد أشيش بانجاب، مدير عمليات متجر «جاكي» للتجزئة في دبي، إلى أنه "لقد شهدنا تحقيق سامسونج جير للواقع الافتراضي طفرة في المبيعات في المحلات التي تحمل العلامة التجارية سامسونج. وقد تمثل التحدي الأكبر في توفير كميات كافية من المنتج نظرًا لأننا موضع تحدي وتنافس دائم ورغبةً في الحفاظ على ارتفاع معدلات الطلب، لا سيما بعد طرح هاتف سامسونج جالاسكي نوت 5 وسامسونج جالاكسي."

الجراحة الافتراضية

قد يبدو القطاع الطبي أقل الأسواق وضوحًا فيما يتعلق بالتعامل مع تقنية الواقع الافتراضي، غير أنه في أوائل الشهر الجاري أزالتْ شركة «جالف وير» للتقنيات الدولية الستار عن أول محاكاة افتراضية ثلاثية الأبعاد فريدة من نوعها، والتي قد تُمكِّن المتخصصين في عالم الطب من الوصول إلى فهم كامل للتشريح الطبي دون حاجة لإجراء جراحة في بشرة المريض.

وبفضل هذه التقنية، يمكن عمل تصوير ثلاثي الأبعاد لأجزاء الجسم والتي تتكوَّن من صور ثنائية الأبعاد، بحيث يُمكن استخدامها في مختلف الإجراءات الجراحية. وفي تصريح له، ذكر جرَّاح الأعصاب تريستان فان دورمال في هولندا، وأحد أوائل الجراحين الذين يستخدمون هذه التقنية، "يمكنك الآن رؤية ما يحدث بدقة بداخل جسد المريض دون الحاجة إلى التقاط مشرط."

وذكر السيد زايد سلمان، استشاري لدى شركة «ديلويت» للاستشارات الإدارية، أنه يعتبر الواقع الافتراضي وسيط متعدد الاستخدامات في العديد من مختلف القطاعات؛ حيث يستخدم الجنود في كل من الجيش الإماراتي والقطري تقنية محاكاة للواقع الافتراضي في أعمال التدريب، وكذلك تطبيقها في الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز لتدريب الموظفين على العمل في بيئات عمل صعبة أو للمساعدة في إجراء العمليات الاستكشافية.

وسواء ما إذا كانت هذه التقنية تساعد في استكشاف مقبرة توت عنخ آمون أو الاختلاط مع نجوم هوليود، ومقاتلة الزومبي أو مجرد شراء السلع الاستهلاكية، فقد يبدو الأمر أن الواقع الافتراض ما هو إلا مجرد بداية للتعرف على الفرص المحتملة في المنطقة.


© Zawya 2016