03 07 2016

11.7 تريليون دولار من الديون الدولية باتت تحقق عوائد أقل من الصفر

أسبوع تقريبا منذ حسم الناخب البريطاني خياراته لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ومنذ ذلك الحين والتداعيات الدولية لهذا الخيار لم تهدأ، فالأسواق الناشئة كانت في مقدمة الأسواق الدولية التي تأثرت بالحدث، وعلى الرغم من أن التأثير سار في منحنيات متباينة ومتضاربة أحيانا، فإن الصورة النهائية لتداعيات قرار الناخب البريطاني على الأسواق الناشئة لا يزال يتسم بالضبابية والتكهنات.

فمؤشر الأسهم الناشئة حقق أكبر مكاسب أسبوعية له منذ آذار (مارس) الماضي، لكن في المقابل انخفضت العوائد على السندات المقومة بالعملات الناشئة بمقدار 50 نقطة أساس خلال الأسبوع المنصرم.

وعلى الرغم من أهمية ذلك فإن الأخبار السارة جاءت للأسواق الناشئة من واشنطن وليس من لندن، على الرغم من أن لندن هي المسؤولة عن اتخاذ واشنطن قرارات عززت المكانة المتراجعة للأسواق الناشئة في الآونة الأخيرة.

روالف جروس الخبير المصرفي في "رويال بنك أف اسكتلندا" يعتبر أن وضع عديد من الأسواق الناشئة قبل اختيار الناخب البريطاني الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كان في خطر بسبب استعداد رؤوس الأموال الأجنبية للانسحاب من تلك الأسواق، إلا أن الوضع تغيير الآن.

وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة كانت تتحسب للمرة المقبلة التي سيقوم فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، فذلك إن حدث يعني انسحاب مئات المليارات من الأسواق الناشئة في اتجاه الولايات المتحدة، الآن ونتيجة الاستفتاء البريطاني فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يصعب أن يقدم على خطوة رفع أسعار الفائدة، ومن ثم فإن الاستثمارات الدولية في الأسواق الناشئة ستواصل العمل حتى إشعار آخر من الفيدرالي الأمريكي.

الإحساس بالأمان - ولو إلى حين - لدى البنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة، بأنها لن تواجه انسحابات ضخمة لرؤوس الأموال الأجنبية في الأجل القريب، ترافق مع تحسن ملحوظ في أداء عديد من عملات الأسواق الناشئة مثل الريال البرازيلي الذي حقق أعلى معدل له خلال عام تقريبا، والبيزو التشيلي في أعلى مستوى خلال شهر، والبيزو المكسيكي أيضا.

إلا أن هذا التحسن يثير مخاوف بعض الاقتصاديين، حول إمكانية زيادة تعقيدات توازن الميزانية العامة في عديد من الاقتصادات الناشئة خلال الفترة المقبلة، ما قد يعمق أزمة المديونية الخارجية التي تمر بها.

وتقول لـ "الاقتصادية"، الدكتورة فيونا تويجل أستاذة الاقتصادات الناشئة في جامعة أكسفورد، إن السبابان الرئيسان لنجاح تجربة الاقتصادات الناشئة هما، تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وانخفاض قيمة العملة المحلية ما شجع عمليات التصدير والسياحة، ومن ثم ارتفاع أسعار العملة المحلية في عديد من الاقتصادات الناشئة كرد فعل على اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتدهور قيمة الاسترليني، سيؤثران سلبا على ميزان الحسب الجاري (الصادرات من السلع والخدمات والاستثمار المباشر) ومن ثم سيزداد العجز في الميزانيات العامة، ولن يمكن سد العجز إلا عبر الاقتراض من الخارج ما يعمق أزمة تراكم الديون على الاقتصادات الناشئة.

وإذا كان إجمالي الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي للكرة الأرضية قد بلغ 350 في المائة، ما يخلق هشاشة رهيبة في النظام المالي العالمي، فإن من الواضح حتى تلك اللحظة أن تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي لم يحدث تداعيات حادة في المنظومة المالية الأوروبية، وهو ما يجعل الاقتصادات الناشئة في وضع آمن ولو إلى حين.

إلا أن "بي جي" جون الباحث في التجارة الدولية، يعتبر أنه من العجل القول إن الاقتصادات الناشئة في وضع لا بأس به جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويوضح لـ"الاقتصادية"، أننا لم نر بعد تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد على بلدان الاتحاد، نعم هناك رأي عام مؤيد للخروج، لكن القيادة البريطانية من الواضح أنها تبحث عن بدائل وحلول وسط من أجل البقاء، وإذا فشلت ولم يعد أمامها غير الانسحاب فإن ذلك سيترك بصمات سلبية على اقتصاد القارة الأوروبية، وسيمتد تلقائيا إلى جميع الأسواق الناشئة.

ومع هذا تبدو الأسواق الناشئة متفائلة تجاه المستقبل بعد إظهار المواطن البريطاني رغبته في الخروج من الاتحاد، إذ زادت الشهية الدولية تجاه السندات الحكومية في الاقتصادات الصاعدة، ما أدى إلى زيادة بنسبة 4 في المائة على سبيل المثال في الديون السيادية على البرازيل خلال الأيام القليلة المقبلة.

وتشير تقديرات البنك المركزي الأوروبي إلى أنه منذ الاستفتاء البريطاني فإن ما قيمته تريليون من السندات انضم إلى نادي العوائد السلبية، وأن نحو 11.7 تريليون دولار من الديون الدولية باتت تحقق عوائد أقل من الصفر.

وأشار لـ "الاقتصادية"، بيتر كاست الاستشاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الاقتصادات الناشئة بالطبع لم تتضرر من تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل على العكس من ذلك فقد حققت وضعا اقتصاديا جيدا حتى الآن، لكن المشكلة أن هذا الوضع الجيد لا يعود إلى عوامل داخلية بقدر ارتباطه بمحددات خارجية، وتغير تلك المحددات ربما لا يصب في مصلحة الاقتصادات الناشئة ويؤدي إلى تغيير المشهد الاقتصادي برمته.

© الاقتصادية 2016