24 11 2016
أدى الطلب العالمي القوي على السندات التي طرحتها المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في تاريخها على المستثمرين الدوليين يوم 19 أكتوبر الماضي لتأثير هائل على مؤشر السوق المالية السعودية (تداول)، حيث ارتفع المؤشر في الأسبوعين اللذين أعقبا الإصدار السعودي للسندات والذي تتضمن بيع سندات بقيمة 17.5 مليار دولار. وقد كان تأثير هذا الإصدار قويا جدا لدرجة أنه استمر طوال معظم أيام التداول في الفترة من 19 أكتوبر إلى 11 نوفمبر، مما يشكل أول إشارات الاتجاه الصعودي لسوق الأسهم السعودية.
ويذكر أن نتائج هذا الحدث الاستثماري الذي يحدث لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية كانت أفضل بكثير مما كان متوقعا. وقد كنت أتوقع أن يكون الطلب قويا، ولاسيما في ظل العوائد التي تتراوح بين منخفضة إلى سلبية في أسواق السندات الأوروبية والتي تأثرت بأزمة الديون السيادية؛ فضلا عن بيئة أسعار الفائدة التي هوت لأدنى مستوياتها في الولايات المتحدة وسادت منذ أزمة القروض العقارية في عام 2007. ولكن بدلا من ذلك فإن الطلب على أول إصدار من السندات الحكومية السعودية كان قويا جدا حيث بلغت قيمة العروض المقدمة لشراء السندات 67 مليار دولار.
وسيؤدي هذا الدعم النقدي الكبير إلى تخفيف أزمة السيولة في المملكة والتي نجم عنها ارتفاع تكاليف الاقتراض لأعلى مستوياتها في سبع سنوات، مما أدى إلى إلقاء الضغوط على الأوضاع المالية والشركات والمستهلكين. وكان لا مفر من أن تقوم الحكومة السعودية باتخاذ خطوات صعبة والتي كان من بينها خفض البدلات والعلاوات والامتيازات الممنوحة لموظفي الحكومة والذين سيتم الآن جدولة قروضهم على نحو يتماشى مع الانخفاض الذي طرأ على مستويات دخولهم.
ولم تعد الأموال تتدفق على المملكة العربية السعودية كما كان الحال في الماضي عندما كانت أسواق النفط تشهد ازدهارا، وقد كان هذا متوقعا منذ بداية عام 2014 عندما بدأت أسعار النفط في الانخفاض. وأدى هذا الوضع الجديد إلى دفع المملكة العربية السعودية لتقليل اعتمادها على عائداتها النفطية ومحاولة التكيف مع حقبة من أسعار النفط المنخفضة. ونظرا للطلب القوي على السندات السعودية، أصبح لدى الحكومة السعودية الآن وقتا أطول للتكيف والتخلص من خطر خفض القيمة الريال السعودي المرتبط بالدولار – على الأقل على المدى القصير.
ومن ناحية أخرى، فالمخاطر الاقتصادية على المدى الطويل لم يتم التخلص منها، ولاسيما إذا ظلت أسعار النفط أدنى من مستوى 50 دولار للبرميل، مما سيزيد من الضغوط على العائدات والميزانيات الحكومية. ونحن نتجه إلى عام 2017، ستكون التحديات الرئيسية التي ستواجه الاقتصاد السعودي هي خفض أجور العاملين في القطاع العام وخفض الإنفاق الحكومي وسداد المستحقات المتأخرة لشركات البناء والتشييد. وبالإضافة إلى ذلك، فانخفاض العائد في أسواق السندات الخارجية في البلدان المتقدمة لن يستمر للأبد. وسيؤدي الارتفاع في عوائد السندات العالمية إلى زيادة صعوبة حصول بلدان مجلس التعاون الخليجي على قروض رخيصة، مما يشير إلى أن الحاجة للتوصل لاتفاق لخفض إنتاج منظمة أوبك من أجل التقليل من تخمة المعروض وزيادة الطلب أصبحت الآن أشد من أي وقت مضى.
وتراقب سوق السندات عن كثب المؤشرات الاقتصادية السعودية لإصدار حكمها بشأن قدرة المملكة العربية السعودية على سداد قيمة السندات عند استحقاقها، ولذلك فإن البيانات السعودية الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي وصحة قطاع التوظيف جنبا إلى جنب مع العائدات الحكومية مقابل الإنفاق الحكومي ستحظى من الآن فصاعدا بأهمية كبيرة للمستثمرين الدوليين. ويذكر أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ حوالي 3.5% ولكن العجز، والذي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2015 حيث بلغ 100 مليار دولار، ما يزال أمرا مثيرا للقلق. وهذه هي المؤشرات الاقتصادية التي سيقوم المستثمرون العالميون ومؤسسات التقييم بالتركيز عليها على المدى الطويل. وسيؤدي التوصل لخفض إنتاج النفط في الاجتماع الذي سيعقد يوم 30 نوفمبر إلى إحداث تأثير هائل في زيادة المصداقية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية في سوق السندات وضمان استمرار التدفق النقدي على المملكة، وذلك ببساطة لأن أسعار النفط من المرجح أن ترتفع إذا قامت منظمة أوبك بتقليل المعروض من النفط.
ولكن احتمالات نجاح المملكة العربية السعودية في إقناع البلدان غير الأعضاء في منظمة أوبك بتقليل المعروض هي احتمالات ليست قوية نظرا لأن العديد من البلدان، بما فيهم إيران، لا يوافقون على ذلك. ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن التوصل لمثل هذا الاتفاق في اللحظة الأخيرة، وهذا الأمر يمثل الآن الأولوية الأولى للمستقبل الاقتصادي للسعودية ولمواصلة النجاح في أسواق السندات العالمية.
لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة www.forextime.com
© Opinion 2016