PHOTO
21 05 2016
لم الشمل في أوروبا بارقة أمل قد تعصف بها أمواج البحار العاتية
في وقت وقف الحظ إلى جانب دينا في الوصول إلى ألمانيا والإستقرار هناك، فإن أطفالا آخرين دفعهم الأمل بالهجرة غير الشرعية لم يحالفهم الحظ، لأن كثيرا منهم إما ابتعلتهم مياه البحار كما ابتعلت الطفل (شهم)، وإما أن يقعوا فريسة لعصابات الإتجار بالبشر.
تشردوا في البر بعد وصولهم بلد اللجوء.
روعة والدة دينا تسلل اليأس الى نفسها في ايجاد مستقبل مستقر لأبنائها، فاتخذت قرارها بإرسال ابنتها ذات 12 ربيعا في رحلة الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا وحيدة على أمل أن يعاد لم شمل الاسرة في بلد اللجوء.
تقول روعة لـ"الغد"، اتيت إلى الأردن قبل ثلاثة أعوام برفقتي أبنائي الأربعة، فيما بقي زوجي في دمشق.. "التحق ابنائي بالمدارس الرسمية، وهم من المتفوقين، هذا التفوق شكل عبئا علي لجهة ضرورة تأمينهم بالدراسة الجامعية".
وتتابع، "يحصل أبنائي على التعليم المدرسي مجانا هنا، لكن التعليم الجامعي باهظ الكلفة، تبلغ ابنتي الكبرى من العمر 15 عاما، ولن اتمكن من دفع رسوم دراستها الجامعية هنا".
وتضيف "يبدو المستقبل قاتما مع انعدام فرص استكمال الدراسة الجامعية والحصول على عمل، لذلك اتخذت قرارا بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بعد ان ضاقت بنا السبل وانعدمت فرص اللجوء القانوني".
اما الكلفة الباهظة للهجرة غير الشرعية، فتبدأ غالبا بوقوع السوريين ضحايا للسماسرة في سبيل تحقيق حلم اللجوء، ولمسؤوليتها تجاه 4 اطفال اصغرهم سنا يبلغ من العمر خمسة أعوام، وجدت روعة نفسها أمام خيار وحيد وهو إرسال ابنتها الوسطى في رحلة هجرة غير شرعية مع اقرباء لها لـ "تعمل الابنة لاحقا على لم شمل العائلة".
تقول روعة "دينا ليست اكبر أبنائي لكنها اكثرهم جرأة وتفوقا وقدرة على التحمل، لم تذهب وحيدة تماما انما مع اقرباء لنا، سافروا بالطيران إلى تركيا ومن هناك بحرا إلى اليونان، ثم باستخدام القطارات إلى المانيا، تقيم اليوم ابنتي مع عائلة عمها في المانيا والتحقت بالمدرسة وهي تتعلم اليوم اللغة الالمانية".
وتتابع، "اشتاق لابنتي كثيرا، وهي كذلك تشعر بالحنين، احيانا أقول لها ان خيار العودة إلى الأردن متاح، لكنها ترفض وتقول: بعد أن قطعت هذا الشوط لن أعود، سيعاد لم شملنا معا هنا في المانيا".
بحسب روعة، فإن ابنتها لم تحصل بعد على الإقامة، فغالبا ما تأخذ الاجراءات المتعلقة بالأطفال القاصرين وقتا أطول، لكن الأم تأمل ان تتمكن خلال ستة شهور من حصول ابنتها على الاقامة إن يتم لم شمل العائلة مجددا في ألمانيا.
في وقت وقف به الحظ إلى جانب روعة وابنتها في الوصول إلى المانيا والإستقرار هناك، فإن أطفالا آخرين ممن دفعهم الأمل بالهجرة غير الشرعية لم يحالفهم الحظ، فإما قضوا غرقا في الطريق أو تاهوا بعد وصولهم إلى بلد اللجوء الاوروبي.
فالطفل شهم، الذي نشرت "الغد" قصته في تحقيق موسع رصد رحلة المهاجرين غير الشرعيين في بحار الموت، لقي حتفه أثناء هروبه مع عائلة عمه بحرا من ليبيا إلى ايطاليا، ولم ينجح الطفل ذو الـ 11 عاما في الوصول سالما إلى الشواطئ الايطالية بعد ان تعرض القارب المكتظ الذي كان على متنه لعاصفة رياح قوية.
إلى جانب خطر الموت غرقا في البحر، فإن تقارير دولية كشفت عن ان نسبة من الأطفال غير المصحوبين بذويهم بعد دخولهم إلى دول اللجوء الاوروبي يختفون منهم من يقع فريسة لعصابات الاتجار بالبشر.
رئيسة وحدة الإعلام في منظمة ارض العون القانوني لانا زنانيري، تقول "أمام حالة الأحباط التي يعيشها اللاجئون والخوف من المستقبل يعمد هؤلاء الى المخاطرة بحياتهم وحياة ابنائهم لضمان مستقبل افضل".
وتزيد "في وقت تؤكد فيه أوروبا موقفها بعدم الرغبة باستقبال مزيد من اللاجئين فإن واجبها ان تقوم بدعم دول الجوار المستضيفة في توفير حياة افضل لهم، لجهة تحسين اوضاع اللاجئين في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل".
وتوضح "الواقع ان غالبية اللاجئين يفضلون العيش في مجتمعات قريبة لهم ولعاداتهم وتقاليدهم، الهجرة إلى أوروبا ليست رغبتهم لكن مع حالة اليأس تكون الخيار الوحيد".
وتنبه زنانيري الى اهمية توعية العائلات من التبعات الخطرة للهجرة غير الشرعية بدءا من امكانية حصول حوداث الغرق، الى رفض اللجوء وصولا إلى عدم الاندماج.
ويقدر عدد الأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين وصلوا إلى أوروبا العام الماضي بحسب منظمة إنقاذ الطفل بنحو 26 ألفا، فيما يقدر عدد الأطفال الذين وصلوا وحيدين إلى أوروبا واختفوا خلال العامين الماضيين بنحو 10 آلاف طفل.
وتشير مؤسسات دولية إلى وجود حالات لأطفال لاجئين سوريين، "غادروا الأردن وحدهم إلى أوروبا في رحلة هجرة غير شرعية، تأمل أسرهم بالالتحاق بهم فيما بعد عبر ما يسمى (لم الشمل)".
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بقضايا الاتجار بالبشر ماريا غراتسيا جيامارينارو قالت في مؤتمر صحفي عقدته في عمان شباط (فبراير) الماضي أن هناك "أسرا في المناطق المتوترة تعمل على إرسال أبنائها في رحلة هجرة غير شرعية إلى أوروبا، ومن ثم بدء محاولة اللحاق بهم تحت عنوان (إعادة لم شمل الأسرة)".. هذا التصرف "يعرض الأطفال لمخاطر عديدة أبرزها الموت غرقا خلال الرحلة"، كما تعلق على ذلك جيامارينارو.
وتتابع "حتى وإن هناك من نجا من هؤلاء الأطفال، فإن هناك في المقابل نحو 10 آلاف طفل اختفوا من الملاجئ في أوروبا، لا يمكن القول إن جميعهم وقعوا في أيدي عصابات الاتجار بالبشر، فنسبة منهم ربما التحقوا بأقرباء لهم، لكن نسبة كبيرة من الأطفال يعتقد انهم اليوم في قبضة عصابات تستغلهم في العمل القسري وحتى الاستغلال الجنسي".
جيامارينارو تؤكد في ضوء ذلك أن "الواقع صعب جدا، وكممثلة أممية أرى أن الحل لمشكلة اللاجئين بمن فيهم الأطفال تكمن في إعطائهم وضعا قانونيا في بلد الوصول، وحاليا كل الجهود المبذولة تصب في هذا الجانب".
© Alghad 2016