PHOTO
20 08 2016
المبررات الاقتصادية والأمنية والتنظيمية ينبغي أن تراعي ظروف الطقس في كل منطقة وضرورة التدرج لتغيير السلوك المجتمعيتأقلم الأسر على التنظيم الجديد يحتاج لوقت
مازالت الدراسة الخاصة بإغلاق المحلات الساعة التاسعة مساء تنتظر التطبيق من عدمه وسط ترقب واختلاف في وجهات النظر وتباين في الآراء بين مؤيد ومعارض فهناك من يرى أن هذا القرار يسهم في جذب الشباب ويشجعهم على العمل في القطاع الخاص، وكذلك يحد من تواجد العمالة الوافدة المتكدسة في الشوارع والأسواق، وأيضاً تعود المجتمع على النوم مبكراً وتضبط السلوكيات السيئة، وبالتالي التقليل من نسب الجريمة إضافة لكونه مجارياً لما هو مطبق في الدول الأوروبية، وهناك من يرى عكس ذلك تماماً وأنه لا يتناسب على الإطلاق مع واقع مجتمعنا وظروفه الخاصة التي تحكمها عوامل بيئية واجتماعية ودينية، إضافة إلى عدم ملائمة ظروف الطقس وحرارة الأجواء التي تضطر الكثير لعدم الخروج من المنزل للتسوق إلا ليلا.
"الرياض" استطلعت رأي العديد من المختصين وذوي العلاقة حول ذلك فكان التالي:
تغليب المنفعة
يؤكد أحمد النجار -مستشار أسري- أن مصلحة الوطن تكمن في تغليب النفع العام على الخاص، وقال: لابد أن نعلم أن دولتنا الرشيدة -حفظها الله ورعاها- لا تتخذ قراراً إلا بعد دراسته دراسة مستفيضة ووافية من كل الجوانب ويأتي دور المواطن والمقيم الإيجابي هنا في احترام هذا القرار والسعي لتنفيذه حتى وإن كان لا يروق له فتغليب النفع العام على النفع الخاص هو الذي يرجوه الوطن من أبنائه من مواطنين ووافدين، وهذا القرار إن رافقته توعية جيدة فسيكون له منافع اجتماعية ونفسية كثيرة للغاية ليس أقلها توفير وقت أطول لرب الأسرة ليجلس مع أسرته عند عودته باكراً وعند عدم وجود إمكانية انشغاله في التسوق مثلاً وهذه المساحة الوقتية سيكون لها أثر عظيم جداً على إعادة هيكلية الأسرة ودورها العظيم وإن كان القرار وأكرر يحتاج هذا القرار إن طبق إلى خط موازٍ من التوعية الحكيمة فقد يكون هذا الوقت الأسري إن لم يدار إدارة حسنة باباً للمشاكل والخلافات لا سمح الله هذا، وللقرار أيضاً منافع كثيرة من ناحية توفير الطاقة وتقليل الازدحام وتحفيز الشباب للعمل أكثر وله أيضاً كأي قرار آخر سلبيات لابد من التنبه لها والعمل الجاد على تلافيها والتخفيف منها.
آثار متوقعة
بينما يرى محمد السنان -مهتم في المجال الصحي- أن المجتمع السعودي يختلف داخليا باختلاف المناطق وذلك يساهم في مدى التغيير بناءً على مكانة الأسواق بالنسبة لسكان المنطقة، فبعض المناطق الساحلية لن يكون التأثير عليها كبيراً في تغيير عادات النوم وممارسة بقية الأنشطة كونهم يعدون من الشواطئ متنفساً لهم لساعات متأخرة، أما سكان العاصمة الرياض بمنتزهاتها وحدائقها قد يكون التغيير عليها أكبر من المدن الساحلية ولكن ليس بالكبير أما المدن غير الرئيسية هي التي ستنال النصيب الأكبر من التغيير كون المجمعات هي المتنفس شبه وحيد بها، وسيختلف التأثير بين المرأة والرجل أيضا بحكم طبيعة الاهتمام بالأسواق فالنساء سيكون التأثير عليهم كبيراً كونهم الفئة الأكبر من مرتادي الأسواق كونها المتنفس الوحيد لهم، وتعتبر الأسواق هي مكان لتغيير الجو والتنزه في ظل غياب أي وسائل للترفيه بالمملكة وأنشطة وفعاليات بشكل مستمر على طوال العام أما بالنسبة للرجال فلن يكون التأثير كبيراً بالنسبة لهم نظراً لوجود متنفسات أخرى لهم من مجالس شبابية واستراحات وصالات رياضية فلم تكن الأسواق يوماً الوجهة الرئيسية للشباب وإن قصدوها للتنزه لعدم وجود غيرها من سبل الترفيه فالمحصلة أن المجتمع لن تتأثر عاداته الصحية كثيراً ولا أوقات النوم نتيجة لإغلاق الأسواق مبكراً في المدن الساحلية والرئيسية أيضاً وسيكون التأثير أكثر وضوحا في المدن الأخرى، وبالعكس قد تكون الأسواق أحد الأماكن المكيفة التي تساعد على ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة في ظل المناخ الحار بشدة في فصول الصيف.
توطين الوظائف
وأشار السنان إلى أن مشكلة عزوف الشباب عن بعض الأعمال ليس من أجل ساعات العمل فقط لأن القطاع الخاص لم يرتقِ بسقف المرتبات إلى الحد الذي يكفل لهذا الشاب حياة كريمة، مضيفاً: ربما تقليص ساعات العمل والإغلاق المبكر للمحلات التجارية ستزيد الرغبة لدى الشاب ولكن الأهم هو فرض الرقابة بشكل صارم على القطاع الخاص لتطبيق قرارات توطين الوظائف والمحلات، لأنه وللأسف الشديد هناك فئة من الشباب ساهمت في تفشي ظاهرة (التوطين المزيف)، وذلك لطمع بعض جهات القطاع الخاص في دفع مبالغ زهيدة للشاب مقابل إضافة اسمه وبالمقابل وضع عمالة أجنبية براتب زهيد جداً مما قلل من التوطين الفعلي للوظائف بالقطاع الخاص.
تنظيم الوقت
بدورها أكدت نسرين أبو طه -مستشارة اجتماعية وتربوية- أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قامت بدراسة الموضوع وعقدت عدة اجتماعات ثم أقامت ورش عملية حول موضوع إغلاق المحلات في تمام الساعة التاسعة مساء نظراً للمنافع الكثيرة المتمثلة في ذلك ومنها تنظيم حياة المسلم حيث يقول تعالى "وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً" ووصف -سبحانه- الليل بأنه كاللباس والنهار بأنه وقت المعاش لأن الشأن فيهما كذلك إذ الليل هو وقت الراحة والسكون والاختلاء والنهار هو وقت السعى والحركة والانتشار.
وقالت أبو طه: إن هذا النظام سيساعد على تنظيم وقت الشباب الذي كثير منهم يعد الوقت عنده شيء بلا ثمن ففي هذا النظام فوائد اقتصادية حيث ثبت أن من نام مبكرا قام مبكرا لعمله وهو في كامل نشاطه، فقام بما عليه من واجبات تجاه الأمانة الموكل بها ولذا يعد فردا إيجابيا في المجتمع ولبنة بناءة فبهذا يزدهر الاقتصاد وينمو بالإضافة إلى فوائد أسرية حيث أصبح هناك وقت لزيارة صلة الأرحام ولزيادة الترابط الأسري بينهم وكذلك الفوائد الصحية لجسم الإنسان حيث يساعده النوم مبكرا على راحة الجسد، ومن هنا نحقق قوله صلى الله عليه وسلم "إن لبدنك عليك حقا"، مشيرة أن النظام له فوائد أمنية كثيرة منها التقليل من الجرائم الليلة بشتى صورها وكذلك مواكبة للبلدان المتقدمة والتي ثبت لديها بالدليل الملموس والمعايش فعالية هذا النظام وجدواه الكبيرة.
استثناءات ضرورية
وأشارت أبو طه إلى أنه من ضمن بنود النظام استثناء بعض الأمور الضرورية التي يمكن أن يحتاج لها في طارئ أو في مناسبة ما، ولذا هناك فسحة لبعض المناشط بالعمل حتى الساعة الثانية عشر ليلاً وفي الإجازات حتى الواحدة ليلاً، مضيفةً: الأمر ليس صعبا أبدا، إنما يحتاج لقرار جاد لبدء العمل به وبعون الله سيكون قريبا، وذلك مراعاة للمصلحة العامة، وكما أن أي اقتراح لابد أن تراعى فيه كافة الجوانب الداعمة لهذا المقترح مثل البيئة المحيطة ونوع الطقس والأجواء، وكذلك الأحوال المعيشية والاقتصادية وفي نظري إن إقفال المحلات الساعة التاسعة من الصعب جدا تطبيقه في بيئة مثل بيئتنا خاصة في الوقت الراهن، وقد يمكن ذلك في حال تعود الناس على ذلك، لذلك أرى أن التقليص يأتي تدريجياً مثلاً بدل الساعة التاسعة يكون الساعة الحادية عشرة ويبقى فترة من الزمن إلى أن يعتاد الناس ذاك ويتأقلم المجتمع على ذلك ثم بعد ذلك يكون الساعة العاشرة، وهكذا إلى أن تصل إلى موعد إغلاق يتناسب مع جميع المعطيات الخاصة بمجتمعنا وبيئتنا.
أبعاد أمنية
ويقول د. زيد الدريس -باحث في علم الجريمة- لا نستطيع أن القول بأن هذا القرار يقلل من نسب الجريمة خصوصاً أنه له أبعاد أمنية إيجابية وسلبية فلو نظرنا من الناحية الإيجابية نجد أنها تضع حدا من خروج فئة الشباب أو الأطفال في منتصف الليل وما يصاحبها من عدة مشكلات اجتماعية وانحرافية وقد يكون هذا الشاب أو الطفل فرصة لأن يكون ضحية بعض الشللية واللصوص والمجرمين وهذا بالإمكان أن يدفع الأسر لمراقبة أبنائهم عند الخروج بعد الساعة التاسعة ليلاً وخصوصاً خلال فترة الصيف والإجازات المدرسية، وكذلك تضييق الخناق على المجرمين عندما يكون المحل ضمن مجموعة محلات وعليها حراسة أمنية مزودة بالكاميرات، ولو نظرنا من الجانب السلبي نجد أن إقفال المحلات بساعات مبكرة من الليل ربما يتيح الفرصة بشكل أكبر لبعض اللصوص بالعمل على السطو على أكثر من محل ولديه متسع من الوقت خصوصاً إذا كان المحل ليس لديه أجهزة رقابة وأنظمة أمنية وعندما يكون "المحل" بعيداً عن أعين الناس، وربما يتيح للعمالة الوافدة إنشاء سوق سوداء من بعد الإقفال مبكراً، وبالتالي يكون هناك نوع من التلاعب بالأسعار وبيع الأجهزة غير معروفة المصدر وخصوصاً من قبل العمالة المخالفة لنظام الإقامة.
© صحيفة الرياض 2016