14 08 2016

أشار التقرير الأسبوعي لبنك QNB أمس إلى أن بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) قد أصدر -كما كان متوقعا- حزمة كبيرة من الحوافز النقدية في اجتماعه الأخير المنعقد في 4 أغسطس 2016. وقد شملت حزمة التحفيزات تخفيضا لسعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى %0.25، وهو أدنى مستوى للفائدة في تاريخ البنك البالغ 322 سنة، إضافة إلى استئناف برنامج التيسير الكمي لخفض معدلات الفائدة على السندات الحكومية وسندات الشركات طويلة الأجل.

كما تضمنت حزمة التحفيزات أيضا خطة تمويل طويلة الأجل تهدف لضمان تمرير الخفض في أسعار الفائدة إلى الأسر والشركات. كما ألمح البنك إلى أنه من المحتمل أن يقوم باتخاذ المزيد من التدابير في وقت لاحق من هذا العام.

وقد جاءت هذه الحزمة الضخمة من التحفيزات ردا على الآفاق الاقتصادية المتدهورة في المملكة المتحدة في أعقاب التصويت غير المتوقع لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولكن في حين أن التحفيز النقدي قد يفيد في التخفيف من بعض الآثار السلبية للخروج من الاتحاد، إلا أنه لا يستطيع القضاء تماما على تلك الصدمة. ففي كل الأحوال، فإن السياسة النقدية لا يمكنها أن تولد اتفاقات تجارية جديدة أو التعويض عن الفاقد في القدرة الإنتاجية أو التباطؤ في نمو القوى العاملة المرجح حدوثهما في بريطانيا في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقال التقرير: «تشير دلائل مبكرة على أن الاقتصاد البريطاني قد شهد تباطؤا واسع النطاق منذ التصويت على الخروج من الاتحاد. وقد جاءت معظم هذه الأدلة من الاستطلاعات، لأن البيانات الفعلية تصدر بعد فترة من الوقت. وقد رسمت الأدلة والشواهد المتوفرة حتى الآن صورة قاتمة، حيث تراجعت ثقة المستهلكين في شهر يوليو إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية عام 2013، وأشارت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات إلى تقلص قطاعات التصنيع والخدمات والبناء في يوليو، وكان التقلص في القطاعين الأخيرين هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، على الأقل».

تباطؤ

وتوقع التقرير أن تزيد حدة التباطؤ الاقتصادي، كما لا يرجح أن تزول الآثار السلبية الناتجة عن حالة عدم اليقين نظرا لأن المملكة المتحدة لم تشرع بعد في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن ترتيبات ما بعد الخروج من الاتحاد والتي قد تستغرق ما يصل إلى عامين. ونتيجة لذلك، قام بنك إنجلترا بتخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة بمعدل تراكمي بلغ 2.5 نقطة مئوية حتى عام 2019. ويعد ذلك أكبر تخفيض ربع سنوي لما يقرب من عقدين من الزمان، كما أنه يمثل مؤشرا لحجم الصدمة الماثلة في الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بالتوظيف، فإن ذلك يعني فقدان 250 ألف وظيفة نتيجة للخروج من الاتحاد الأوروبي وفقا لتقديرات بنك إنجلترا. وجدير بالذكر أن الأرقام الجديدة التي تمت مراجعتها تشمل حزمة المحفزات النقدية الضخمة التي تم الإعلان عنها مؤخرا. 

تدابير

إذاً، ما التدابير التي اتخذها بنك إنجلترا تحديدا؟ لقد قام البنك بتخفيض معدلات الفائدة قصيرة الأجل بواقع 25 نقطة أساس إلى %0.25. كما يهدف البنك إلى تخفيض معدلات الفائدة طويلة الأجل من خلال إعادة إطلاق برنامج التيسير الكمي الخاص به وذلك عن طريق شراء سندات حكومية بريطانية بقيمة 60 مليار جنيه إسترليني.
 
ومن المنتظر أن يؤدي ذلك إلى تخفيف عبء خدمة الدين على الأسر والشركات على الفور، حيث إن %50 من القروض السكنية و%80 من القروض البنكية المقدمة للشركات هي بمعدلات فائدة عائمة ترتبط بمعدلات أساسية قصيرة وطويلة الأجل.

بالإضافة إلى ذلك، سيقوم بنك إنجلترا بشراء سندات شركات بقيمة 10 مليارات دولار أميركي جنيه إسترليني، وذلك بهدف خفض تكاليف التمويل على الشركات وتشجيع الإصدارات الإضافية من سندات الشركات كوسيلة بديلة لتمويل قروض البنوك.
 
أخيرا، من المنتظر أن يطلق بنك إنجلترا خطة جديدة لتقديم تمويل قليل التكلفة للبنوك لضمان انتقال معدلات الفائدة المنخفضة إلى القروض الجديدة المقدمة للأسر والشركات.
 
وقد أشار بنك إنجلترا أيضا إلى نيته بتوفير تحفيزات أكثر في وقت لاحق من هذا العام في حال تحققت توقعاته. لكنه نفى تماما أي احتمال لتطبيق أسعار فائدة سلبية في المملكة المتحدة.
 
ويبدو أن هذا القرار تم اتخاذه على خلفية عدم نجاح تجربة أسعار الفائدة السلبية في منطقة اليورو وفي اليابان بصفة خاصة. وصرح محافظ بنك إنجلترا بوضوح عن اعتقاده بأن الحد الأدنى الفعال لسعر الفائدة هو قريب من الصفر، ولكن فوقه.

حزمة التسهيلات

وتساءل بنك QNB في تقريره: هل ستنجح حزمة التسهيلات النقدية الجديدة في تحفيز اقتصاد المملكة المتحدة؟ وقال: قد تنجح التدابير الجديدة في تقليص كلفة الاقتراض للأسر والشركات، لكن ذلك سيكون هامشيا.
 
في الواقع، إن الصدمة التي حدثت لاقتصاد المملكة المتحدة ليست مالية بل هيكلية. ومهما يكن، فلا يمكن للسياسات النقدية أن تولد اتفاقات تجارية جديدة للملكة المتحدة أو أن تلقي مزيدا من الضوء على ما ستكون عليه المملكة المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو أن تعوض عن فقدان الإنتاجية أو تباطؤ نمو القوى العاملة المحتمل حدوثهما جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن أجل مواجهة ذلك، يتعين اتخاذ تدابير أخرى من قبل صناع القرار الآخرين في المملكة المتحدة.

© Al Arab 2016