PHOTO
في عام 2016 أقرض صندوق النقد الدولي مصر 12 مليار دولار، لتطلق برنامج إصلاحي شامل لهيكلة الاقتصاد المصري بعد أن أدت فترة الأزمات السياسية التي أعقبت ثورة 2011 لوضع اقتصادي صعب ومتأزم.
ثم في عام 2020، عاودت مصر الكرة وحصلت على قرض آخر بقيمة 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار لمساعدة السلطات في الحد من تأثير جائحة كوفيد على الاقتصاد.
اليوم تعود مصر إلى صندوق النقد للمرة الثالثة بعد أن تقدمت بطلب لبرنامج جديد في مارس الماضي من أجل المساعدة الاقتصادية، نتيجة الضغوطات المالية التي تعرضت لها البلاد بسبب التداعيات الاقتصادية العالمية، والحرب في أوكرانيا.
هذا كله معروف، السؤال هنا تتحدث الأرقام عن انتعاشة اقتصادية بعد القرض الأول في 2016 وأداء جيد في الأعوام التالية له حتى في وقت أزمة كوفيد، لماذا إذن العودة للصندوق مرة أخرى وهل الديون السبب؟
ماذا تقول الأرقام؟
تشير الأرقام والبيانات المالية إلى تقدم واضح للاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة. فبحسب بيانات البنك الدولي ارتفعت الاحتياطات الأجنبية، مع احتساب احتياطات الذهب، من 23.6 مليار دولار عام 2016 إلى 39.8 مليار عام 2021.
وبحسب بيانات صندوق النقد نما الاقتصاد الحقيقي بمعدل فاق 4% سنويا منذ العام 2016 (باستثناء سنوات الجائحة 2020 و 2021 حيث بلغ النمو 3.6% و 3.3% على التوالي)، وارتفع بموجبه الناتج المحلى من 332.4 مليار دولار في العام 2016 إلى 402.8 مليار بنهاية العام 2021. وانخفض معدل البطالة من 12.7% عام 2016 إلى 7.3% في 2021.
إلا أن البلاد عادت لتشهد هروبا للأموال الساخنة (قدرت بحوالي 22 مليار دولار) مع التحولات السريعة في الأسواق العالمية والتشدد النقدي بعد أزمة كوفيد، في الوقت الذي عمقت فيه الحرب الروسية الأوكرانية الضغوط على قطاع السياحة والميزان التجاري (والذي بلغ عجزه 18.4 مليار دولار عام 2021 بحسب صندوق النقد).
وقد تراجع عجز الميزان التجاري لمصر بنسبة 12.4% خلال يونيو الماضي مسجلا 3.2 مليار دولار وهو ما يعني أن مصر لديها قدرة جيدة على إدارة الأزمات. ولكن يجب على الحكومة أن تعمل أيضا على إيجاد حلول اخرى قد تحتاج وقت ولكنها ستساعد بشكل كبير في معالجة الوضع الحالي.
مصر تستطيع.. وماذا عن الديون؟
ويمكن لمصر أن تقدم الكثير من فرص الاستثمار في تطوير مشاريع التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي.
وهذا من خلال فعل المزيد لتسهيل إجراءات الأعمال وتقليل تدخل الحكومة في قطاع الاعمال. وكذلك على السلطات المصرية العمل على تحويل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى محفز للنمو الشامل عبر استخدامه لزيادة الإنتاج، وفرص العمل، وانتشار التكنولوجيا، لوضع الاقتصاد المصري على سكة التنمية المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك يمكن لمصر أن تتحول إلى مركز متقدم لتصدير الطاقة إلى أوروبا التي تبحث عن مصادر متنوعة بعد حرب الغاز الروسية. تمتلك مصر بنية تحتية قوية في تصدير وتسييل الغاز الطبيعي.
كما أن عليها العمل و بإلحاح على معالجة أزمة الدين العام التي تلوح في أفق السماء المصرية، إذا ما أرادت الحفاظ على ثقة المستثمرين وفرص تدفق الأموال والاستثمارات. بلغت قيمة الدين الخارجي لمصر 157.8 مليار دولار في الربع الأول من 2022، بارتفاع قدره 8.45% مقابل 145.5 مليار دولار في الربع السابق له.
تهدف مصر إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار سنويًا على مدى السنوات الأربع القادمة، سيكون من الجيد أن نراها تذهب في تطوير بنية اقتصاد رقمي قوي، نهضة التعليم أو الصحة.
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)