لازلنا إذن نحاول أن نرصد بعض المؤثرات التي قد تتخلل الاقتصادات الناشئة كتبعات لما يحدث في تركيا، وتحديداُ ما تشهده الليرة التركية من اختبارات صعبة منذ فترة.
وقد أشرنا في الجزء السابق إلى عاملين رئيسيين، فبشكل عام، قد يقيم المستثمر الأجنبي جدوى الاستثمار في الأسواق الناشئة ككتلة واحدة، ووجود بعض المخاطر التي تفرض نفسها في دولة من تلك الكتلة قد تجعل المستثمر عازف عن المجموعة برمتها.
وكذلك، فإن الأسواق الناشئة المرتبطة مع تركيا بعلاقات تجارية قد تجد اتساع في العجز التجاري الثنائي لديها لصالح تركيا، وهو ما برهنت عليه الأرقام من أحداث مشابهة في 2018 والعام الذي تبعه. ونتابع هنا بعض المؤثرات الأخرى، لم نبتعد في أولها عن التجارة الخارجية كذلك.
ملعب الدول
الصادرات
ضعف الليرة قد يؤدي إلى خسارة بعض الأرض على ملعب الدول الأخرى فيما يخص تسويق الصادرات. أي أن تزداد شراسة المنافسة مع الصادرات التركية حول العالم فيما يخص الصادرات والسلع المشتركة.
فإذا رصدنا بعض الصادرات المشتركة بين تركيا وبعض الدول العربية، نجد مثلاً أنها تشترك مع مصر في تصدير الملابس والمنسوجات، بل وتشترك في بعض وجهات التصدير لتلك السلع أيضاً، منها أسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة. وكذلك تشترك الدولتان في تصدير Hot Rolled Iron إلى إيطاليا وأسبانيا.
كذلك، تشترك تركيا وتونس في تصدير أجزاء السيارات إلى دول الاتحاد الأوربي وتحديداً فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا. ولذا، قد يسبب التشارك في نوعية الصادرات وكذلك وجهات التصدير بين تركيا وبعض الأسواق الناشئة من الدول العربية بعض الضغط على صادرات تلك الدول، بفعل توسع نظيرتها التركية بفعل العملة المنخفضة.
وهو أمر ليس بمستبعد، خاصةً إذا أشرنا أنه بعد انخفاض الليرة التركية في 2018، ارتفعت صادراتها من أجزاء السيارات بحوالي 300 مليون دولار في 2019، وفي نفس الفترة تراجعت صادرات تونس من السلع ذاتها من 520 مليون دولار إلى 480 مليون دولار.
السياحة
وقد يشعل انخفاض الليرة المزيد من المنافسة بين تركيا وغيرها من الوجهات السياحية في الشرق الأوسط، حيث قد يغير السائح وجهته القادمة نحو الدولة الأرخص.
إلا أن ذلك التأثير تحديداً يصعب تتبعه بالأرقام، بالرغم انه من السهل معرفة عدد السائحين الوافدين لدولة ما، ولكن من شبه المستحيل معرفة هؤلاء الذين غيروا خططهم لوجهة قضاء عطلتهم من دولة إلى أخرى.
وكذلك يصعب الحديث بشكل جازم عما إن كانت تركيا بانخفاض الليرة الذي شهدته في 2018 قد استولت على نصيب وجهات شهيرة أخرى في الشرق الأوسط مثل مصر، تونس، المغرب، والأردن، لأن كل تلك الدول شهدت زيادات في عدد السياح الوافدين إليها في عام 2019 مقارنة بالعام السابق له.
إلا أنه بمقارنة العام 2019 بعام 2017، تظل تركيا أحد أكثر الدول نمواً في عدد السياح الوافدين مقارنة بالدول التي ذكرناها (36.3% في تركيا مقارنةً بـ33.7% في تونس و17.4% في الأردن، ربما باستثناء مصر التي شهدت نمو في عدد السياح بحوالي 58% بين عامي 2017 و2019، حيث كانت البلاد لا تزال تشهد تعافي القطاع من تبعات حادث الطائرة الروسية التي عصفت بالسياحة المصرية في أكتوبر 2015، وذلك بحسب قاعدة بيانات البنك الدولي).
إلا أنه في وقت يعاني فيه قطاع السياحة عالمياً من اضطرابات عدة، والصعوبات التي يمر بها موسم الشتاء السياحي، قد تزيد الليرة المنخفضة الأمور تعقيداً للوجهات السياحية المنافسة في ظل طريق متعرج لتعافي السياحة بشكل عام.
تلك هي أهم القنوات التي قد تشهد بعض الأسواق الناشئة من خلالها تأثير انخفاض الليرة التركية. إلا أنها تظل جزء من التحديات التي توجهها الأسواق الناشئة عموما في العام الجديد، حيث أن البيئة العالمية بشكل عام غير مواتية في اتجاهات عدة، بدءاً بمخاوف أوميكرون وتأثيرها على قطاع السياحة ومروراً بالتشديد النقدي العالمي وليس انتهاءً بارتفاع أسعار السلع والتضخم العالمي. أحداث يبدو منها أن 2022 لن يكون أقل ازدحاماً بالأحداث الحافلة من سابقيه.
(إعداد: إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية بمصر والمحللة الاقتصادية بزاوية عربي، وعملت إسراء سابقا كمحللة اقتصادية أولى بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحثة اقتصادية في عدة وزارات مصرية)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
#مقالرأي
© Opinion 2022
المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.