PHOTO
ازدادت الضغوط الاقتصادية على بعض الدول العربية ومن بينها مصر ولبنان. فالأخيران يستوردان القمح من أكبر بلدين مصدرين في العالم، هما روسيا وأوكرانيا اللذين دخلت الحرب بينهما شهرها الثاني.
بحسب صندوق النقد الدولي تسببت الحرب بـ"آثار متوالية فادحة من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبفعل زيادة بنسبة 19.8% في أسعار الأغذية والمشروبات، ارتفع معدل التضخم في مدن مصر - أكبر مستورد للقمح في العالم خلال شهر مارس الماضي إلى أعلى مستوى له منذ مايو 2019 ليسجل 10.5%، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وفي لبنان الغارق أصلاً في أزمة اقتصادية خانقة تعتبر الأكبر في التاريخ الحديث، يلجأ بعض اللبنانيين الى منظمات غير حكومية وخيرية وغيرها لمساعدتهم على تأمين قوتهم اليومي والدواء وحتى القسط المدرسي.
هكذا بدا الوضع في أبريل بعد نحو شهرين من الحرب وفيما يشارف شهر صوم المسلمين رمضان على الانتهاء.
"عبء كبير"
"عبء كبير" بهذه الكلمات وصف محمد س. (61 عام) وهو مدير عام سابق بأحد البنوك الحكومية المصرية وحاليا محال للمعاش الزيادة الكبيرة التي تشهدها أسعار السلع الغذائية في مصر منذ قبل شهر رمضان المعروف بزيادة النهم الاستهلاكي.
وقال محمد، الذي فضل عدم ذكر اسمه بالكامل لزاوية عربي، "اعتدنا قبل رمضان كل عام على زيادة الأسعار من التجار بحوالي 10%، لكن هذا العام زادت أسعار السلع الغذائية أحيانا بـ 60% و80%".
وقال محمد إن ارتفاع أسعار السلع "يمثل عبء كبير على أي أسرة"، مضيفا: "لجأ الناس إلى الشراء على قدر احتياجاتهم وعدم الاتجاه إلى تخزين السلع كما اعتادوا خلال السنوات الماضية قبل وخلال شهر رمضان، أملا في انخفاض الأسعار قريبا".
وأضاف أن بعض الأسر اضطرت أيضا في ضوء ارتفاع الأسعار إلى الاستغناء عن الفواكه و بعض السلع والاكتفاء بتلبية احتياجاتها من السلع الأساسية.
لبنان: الأمل الوحيد
وقالت كريستل رياشي وهي مديرة التواصل في جمعية "بيت البركة" الخيرية المعنية بتأمين العيش الكريم لفئات المجتمع الاكثر تهميشاً، ولا سيما كبار السنّ والأطفال: "يعجز الناس عن التعامل مع الأزمة، هم يعتمدون على المنظمات غير الحكومية فهي أملهم الوحيد."
وجمعية بيت البركة التي تأسست عام 2019، بدأت بسوبر ماركت مجاني يهدف إلى تأمين الغذاء الصحي للعائلات المسجّلة فيها.
وأضافت رياشي أن بيت البركة توزع الأطباق الساخنة والحصص الغذائية في رمضان وشهد الطلب على المساعدة الغذائية ارتفاع بنسبة 60% تقريباً مقارنة بالعام الماضي نتيجة الأزمة الاقتصادية وتضخم العملة المحلية.
"نتلقى بين 10 إلى 15 اتصال يومياً من أشخاص يطلبون منا أن نؤمن لهم طبق ساخن."
ولفتت رياشي الى أن بيت البركة يغطي ايجار وفواتير الكهرباء والماء لتلك العائلات المحتاجة ومصاريف الدواء من خلال قسم طبي. وأضافت: "توسع هذا القسم هذا العام ليتضمن صيدلية مجانية يساهم فيها اللبنانيون في بلاد الاغتراب."
أسعار الغذاء
سجل مؤشر أسعار الأغذية، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، خلال شهر مارس الماضي أعلى مستوى له على الإطلاق (منذ إطلاقه عام 1990)، ليعكس بذلك ارتفاع أسعار الزيوت النباتية والحبوب واللحوم لتبلغ أعلى مستويات لها على الإطلاق. ويقيس المؤشر التغير الشهري في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية.
قرابة 80% من واردات مصر من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، وارتفع سعر الخبز غير المدعم في البلد لأكثر من 150 قرش للرغيف الواحد، بحسب ما قاله وزير التموين المصري علي مصلحي في مقابلة تلفزيونية في 20 مارس الماضي.
وبحسب قاعدة البيانات العالمية "نامبيو"، فإن سعر الخبز الأبيض حاليا في مصر أعلى بنحو 6.7% مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي.
فيما تشهد أسعار الأرز ارتفاعات بنسبة 2.3%، والبيض بنسبة 32.8%، والحليب بنسبة 4.5% مقارنة بأبريل من عام 2021، وجميعها سلع أساسية.
أما في لبنان، فوصل التضخم إلى مستويات هائلة. وفي تصريحات لـزاوية عربي قال مروان بركات كبير الاقتصاديين في "بنك عودة" اللبناني: "كانت أسعار الأغذية من أكثر الأسباب وراء التضخم منذ بدء الحرب الروسية/الأوكرانية لا سيما القمح والزيوت النباتية والحبوب."
"الفتوش"
قدر مركز "الدولية للمعلومات" ومقره بيروت طبق "الفتوش" وهو طبق السلطة الأساسي لإفطار الصائمين في رمضان بلبنان هذا العام بأكثر من 50 ألف ليرة لـ 4 أشخاص بعد أن بلغت تكلفته 4,250 عام 2020.
ووصلت ربطة الخبز البالغة 900 غرام في مطلع هذا الشهر 14,700 ليرة في قفزة ملحوظة عن 2,500 ليرة في نفس الفترة العام الماضي.
ولفت بركات إلى زيادة أسعار القمح في لبنان 30% لحد الآن حيث يأتي 80% من استهلاك القمح من أوكرانيا مضيفاً "هذا الوضع يزيد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على العائلات خاصة في شهر رمضان. يحاول اللبنانيون التعامل مع الوضع من خلال التقشف والادخار السلبي ولكن يعاني كثيرون، فبحسب أرقام الأمم المتحدة 78% من السكان تحت خط الفقر."
و قال"الحرب الروسية-الأوكرانية زادت الوضع الاقتصادي في لبنان سوءا، ودفعت البلد الى الركود التضخمي أو مزيج من انكماش النمو المصحوب بارتفاع في التضخم."
قرارات حكومية؟
لتخفيف وطأة القرارات الاقتصادية على المواطنين التي تسببت بتراجع قيمة دخل الفرد -الذي كان يبلغ الحد الأدنى له 2400 جنيه (129.4 دولار) في ظل ارتفاع الأسعار، اتخذت الحكومة المصرية عدة إجراءات شملت تثبيت سعر رغيف الخبز غير المدعم لثلاثة أشهر، وزيادة الرواتب -رفع الحد الأدنى إلى 2700 جنيه (145.6 دولار)- والمعاشات، وإضافة حوالي 450 ألف أسرة جديدة إلى برنامج الإعانة الاجتماعية.
وتأتي موجة الغلاء تلك فيما تشهد مصر حاليا متاعب اقتصادية منها انخفاض المعروض من النقد الأجنبي، وقالت الحكومة إنها قد تلجأ لدعم من صندوق النقد الدولي عند الحاجة.
وتوصل لبنان في أبريل الحالي إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي يمهد لاتفاق على حزمة مساعدات منوطة بإصلاحات اقتصادية.
وبفعل المساعدات، نما دور المنظمات غير الحكومية لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وقالت ايمان عساف مؤسسة منظمة “أحلى فوضى” غير الحكومية في لبنان التي بدأت عام 2013 للمساعدة في مشاريع مجتمعية: "قمنا بمساعدة أكثر من 1000 عائلة في رمضان هذا العام ووزعنا حوالى 800 حصة غذائية لحد اليوم ونتوقع ان نوزع 1400 حصة مع نهاية الشهر."
"بات من الصعب الحصول على التمويل لكن هناك دائما باب يفتح."
(إعداد: مريم عبد الغني وريم شمس الدين، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل rim.shamseddine@lseg.com)
#تحليلمطول
©️ ZAWYA 2022