PHOTO
في مطلع أغسطس، احتفى صندوق النقد الدولي بموافقة مجلس المحافظين على توزيع مخصصات حقوق السحب الخاصة بما يعادل 650 مليار دولار، فيما وصفه بقرار تاريخي حيث أن هذا التوزيع هو الأكبر على الإطلاق في تاريخ الصندوق، على أن يدخل التوزيع حيز التنفيذ في 23 أغسطس. وهو أمر قد يبدو غامض لغير المختصين، بل حتى يثير الحيرة لدى بعض المهتمين بالاقتصاد كذلك.
فلنحاول أن نفهم إذن.. ما هي حقوق السحب الخاصة؟
حقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights ليست عملة كما هو شائع. ولكنها أقرب إلى أصول تحمل فائدة interest bearing assets، استحدثها صندوق النقد الدولي في 1969 لتكون أصل من الأصول الاحتياطية للدول الأعضاء، ويستخدمها الصندوق إلى جانب بعض المؤسسات الدولية كوحدة محاسبية في معاملاتها. تتحدد قيمة حقوق السحب الخاصة بقيمة سلة من العملات الرئيسية بأوزان معينة، لابد أن تتوافر بها بعض الشروط: أولاً أن تكون لدولة عضو في صندو النقد، وأن تكون العملة قابلة لما يسميه الصندوق "الاستخدام الحر"، أي أن تكون قابلة للتداول على نطاق واسع في المعاملات الدولية. وتضم سلة العملات حالياً: الدولار الأمريكي، اليورو، اليوان الصيني، الين الياباني، والجنيه الاسترليني. وفي وقت كتابة هذا المقال، تساوي وحدة واحدة من حقوق السحب الخاصة حوالي 1.42 دولار أمريكي.
وتدخل حقوق السحب الخاصة كمكون من مكونات الأصول الاحتياطية الأجنبية للدول، تلك الأصول التي تعتبر ادخار تديره البنوك المركزية، والذي يجعل وضع الدولة في تعاملاتها مع العالم الخارجي أكثر مرونة وأمان، ويمكن اللجوء إليه في أوقات الأزمات لتمويل أية مصروفات طارئة بين الدولة وعالمها الخارجي.
ولكن حقوق السحب الخاصة لا يمكن استخدامها في المعاملات بشكل مباشر، فهي ليست عملة كما أشرنا، بل هي أصل يمكن مبادلته أو "بيعه" بإحدى العملات وفقاً لقيمتها السوقية. وهناك عدد محدود جداً من المؤسسات حول العالم التي تستخدم حقوق السحب في معاملاتها. ولذا، وحتى يتسنى لدولة ما أن تستخدم حقوق السحب الخاصة بها، عليها أن تحصل على ما يعادل قيمتها أولا من عملات كالدولار الأمريكي واليورو، ومن ثم تستخدمها على النحو الذي تهدف له.
المادة 18
تتيح المادة الثامنة عشرة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي له إمكانية توزيع حقوق السحب على الدول الأعضاء في الإدارة المختصة (وتضم تلك الإدارة في الوقت الحالي جميع أعضاء صندوق النقد)، شريطة أن يكون هدف التوزيع تلبية احتياجات طويلة الأجل، ومدروسة ومتفق على إلحاحها، لتعزيز الأصول الاحتياطية العالمية ومصادر السيولة وتفادي انكماش عالمي مطول. ويتم توزيع تلك الحقوق على الدول الأعضاء، وفقاً لنسب حصصها في عضوية الصندوق Quotas. وقد مارس الصندوق هذا الحق مسبقاً أكثر من مرة، في أزمات مر بها الاقتصاد الدولي في سنوات مختلفة، في مطلع السبعينات، ومطلع الثمانينات، وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية غي 2009.
ومؤخراً، وافقت إدارة الصندوق على توزيع ما يبلغ قيمته 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة على الدول الأعضاء، حيث يرى الصندوق أن الاقتصاد العالمي في أعقاب جائحة كورونا يمر بتحديات جسيمة تحتاج خلالها الدول وخاصة تلك ذات الدخل المنخفض والمثقلة بالديون إلى تعزيز أصولها الاحتياطية خلال الفترة القادمة، لمواجهة احتياجاتها المتزايدة. ويقدر الصندوق أن التوزيع بالقيمة المذكورة سيغطي ما بين 30% إلى 60% من الاحتياجات العالمية من الأصول الاحتياطية خلال فترة خمس سنوات، حسب تقدير الصندوق. فتوزيعات حقوق السحب يعتبرها الصندوق بديل أقل تكلفة لتعزيز احتياطات الدول خلال الفترة المقبلة.
ولكن حقوق السحب الخاصة ليست مجانية. فكما أشرنا، هي أقرب إلى الأصل التي تدر فائدة. فالدولة عضو صندوق النقد، وبشكل أكثر تحديداً العضو المشارك فيما يسمى بإدارة حقوق السحب الخاصة SDR Department، تقوم بتسديد مدفوعات فائدة لصندوق النقد عن مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة، وعلى الناحية المقابلة تتقاضى عائد فائدة على حيازتها منها.
ومع توزيع مخصصات جديدة لحقوق السحب الخاصة، يترتب على ذلك ارتفاع مركز الدولة من جانب "المخصصات" الذي تدفع عنه فائدة، ويكون لها القرار إما الاحتفاظ بتلك المخصصات كحيازة في أصولها الأجنبية، وفي تلك الحالة لا يترتب التزام جديد على الدولة إذ أنها تدفع فائدة وتتقاضى فائدة عن نفس كمية حقوق السحب. أما اذا قررت استخدامها، بمعنى مبادلتها بعملات حرة التداول من دورلا ويورو وغيرها، ينخفض مركز الدولة في جانب الحيازة برغم ارتفاعه في جانب المخصصات، ممما يترتب عليه زيادة في مدفوعات الفائدة على الدولة، كما أشرنا سابقاً. فتوزيع حقوق السحب وإن لم يكن قرض فهو أيضاً لا يخلو من مسئولية مالية.
المفارقة هنا، أنه على الرغم من أن أحد أهم أهداف هذا التوزيع تكمن في مساعدة الدول النامية ومنخفضة الدخل على التعافي من الجائحة وتمويل التتزاماتها في هذا الوقت العصيب، وكذلك تمويل شراء اللقاح للإسراع بالتعافي الاقتصادي، إلا أن الدول النامية ومنخفضة الدخل ستحصل على أقل من نصف قيمة التوزيع (نصيب تلك الدول حوالي 275 مليار دولار من التوزيع الإجمالي البالغ 650 مليار دولار). والسبب طبعا هو أن توزيع مخصصات حقوق السحب الخاصة يجري وفقاً لنسب حصص الدول الأعضاء في الصندوق، وهو – بطبيعة الحال – يعني أن نسب الدول النامية والفقيرة من التوزيع تبدو متواضعة، بينما يذهب نصيب الأسد للدول المتقدمة صاحبة الحصص الأكبر في الصندوق (حوالي 58% من قيمة التوزيع). إلا أن تلك المليارات من الدولارات التي تحصل عليها الدول النامية والفقيرة، وإن كانت متواضعة بالمقارنة بما حصل عليه العالم المتقدم، تمثل القشة التي يتعلق بها الغريق في جائحة لم ترحم أحد وأمطرت على الجميع بلا استثناء، وخاصة الدول الأقل دخلاً، وابل من الالتزامات والديون الدخلية والخارجية وتهديدات اقتصادية لا تقل فتكاً عن تهديداتها الصحية.
(إعداد: إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية بمصر والمحللة الاقتصادية بزاوية عربي، وعملت إسراء سابقا كمحللة اقتصادية أولى بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحثة اقتصادية في عدة وزارات مصرية)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
© ZAWYA 2021
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام