* إحجام البنوك اللبنانية عن شراء السندات يقلق المستثمرين
* حلول المشكلات الأساسية للاقتصاد ما زالت تبدو بعيدة
من ليزا بارينجتون وكارين ستروكر
بيروت/لندن أول أكتوبر تشرين الأول (رويترز) - أثارت أسوأ صدمة خلال عشر سنوات تواجهها سندات لبنان في سوق السندات مخاوف بشأن ما إذا كانت البنوك المحلية راغبة في مواصلة تمويل الحكومة وقادرة على هذا، مما يزيد الضغوط على بيروت للإسراع في تنفيذ إصلاحات وإلا ستخاطر بحدوث أزمة تزعزع استقرار العملة.
وفي سبتمبر أيلول، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية اللبنانية ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما ينطوي على احتمال تخلف لبنان عن السداد بنسبة تزيد عن 40 بالمئة في السنوات الخمس القادمة. وهبط الكثير من السندات الحكومة اللبنانية المقومة بالدولار إلى مستويات قياسية، فيما ارتفعت فوارق العائد على السندات اللبنانية فوق سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات تاريخية.
ونتجت حالة الذعر هذه عن أسباب من بينها عمليات بيع أوسع نطاقا في سوق ديون الأسواق الناشئة عالميا. وعندما انخفضت سندات لبنان الدولية في السابق، كانت هناك قابلية للاعتماد على البنوك المحلية في شراء تلك الأوراق المالية. لكن الأمر لم يكن على هذا النحو هذه المرة.
وقال مروان ميخائيل كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك بلوم انفست "حين وجدت الكيانات الأجنبية أن البنوك اللبنانية تبيع محافظها بكثافة، بدأت تتخلى عن محافظها".
وأشار أنتوني سيموند من ستاندرد أبردين لإدارة الأصول إلى تحول في هيكل حائزي السندات.
وقال سيموند، وهو مدير استثمار يعمل في لبنان، "في السابق، كانت البنوك المحلية تشتري السندات الدولية دائما حتى عندما ترتفع الفائدة عليها. لذا فقد اعتاد لبنان فعليا على أن يتفوق في أدائه عندما تتراجع الأسواق لأنك كنت تجد عروض الشراء تلك كمصدر دعم".
وقبل ما يزيد قليلا عن عامين، كان بحوزة البنوك المحلية ما يقل قليلا عن 20 مليار دولار من السندات الدولية اللبنانية. وبحلول يوليو تموز، بلغت تلك الحيازات ما يزيد قليلا عن 16 مليار دولار، بعد أن انخفضت إلى 13 مليار دولار في أبريل نيسان، بينما كان إجمالي عبء الديون يرتفع.
وأشار سيموند إلى أن انحسار دور البنوك المحلية كمشتر موثوق للسندات حول انتباه السوق إلى جودة ائتمان لبنان عند تسعيرها لأدوات الدين التي تصدرها.
ويعاني لبنان من عجز مستمر في الميزانية وفي ميزان المعاملات الجارية. وتصنف وكالات التصنيف الائتماني لبنان عند درجة مرتفعة المخاطر على قدم المساواة مع مصر أو أنجولا. وحذرت ستاندرد آند بورز جلوبال في أغسطس آب من أن الديون ستستمر في الصعود من مستويات مرتفعة بالفعل.
وفي يونيو حزيران، دق صندوق النقد الدولي ناقوس الإنذار وحث بيروت على إجراء ضبط مالي "فوري وكبير".
*دعم
مع انخفاض النمو وتضرر المصادر التقليدية للنقد الأجنبي كالسياحة والعقارات والاستثمارات الأجنبية جراء التوترات الإقليمية والحرب الدائرة في الجارة سوريا منذ سنوات، يتزايد اعتماد لبنان حاليا على ودائع اللبنانيين المقيمين بالخارج في البنوك المحلية، والتي تعد بمليارات الدولارات.
ويعرض البنك المركزي عوائد مرتفعة للبنوك التجارية التي تودع دولارات لديه، ومنذ منتصف 2016 نفذ البنك سلسلة من العمليات المالية المعقدة شملت مبادلة ديون مع وزارة المالية وعمليات مبادلة مالية مع بنوك، لجمع المزيد من الدولارات بما يساعده في دعم احتياطيات العملة الصعبة لديه.
لكن هذا قلص حجم النقد الأجنبي الإضافي الذي تستطيع للبنوك ضخه في السندات الدولية السيادية.
وقال سيموند "هل ترغب (البنوك) في إضافة 20 مليونا أو 50 مليون دولار (إلى حيازاتها)؟ على الأرجح لا، وذلك يتسبب في فرق كبير في هذه السوق في الوقت الحالي".
ويعطي لبنان أولوية لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لديه دفاعا عن ربط العملة المستمر منذ عشرين عاما، والذي تعرض لضغوط في الآونة الأخيرة بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في نوفمبر تشرين الثاني.
منذ ذلك الحين، عوضت الأصول الأجنبية للبنك المركزي، باستثناء الذهب، ما خسرته في الدفاع عن الليرة لتبلغ أعلى مستوى على الإطلاق عند 45 مليار دولار بنهاية مايو أيار، قبل أن تتراجع إلى 43 مليار دولار بحلول منتصف سبتمبر أيلول.
وعلى مدى الأيام القليلة الأخيرة، سادت حالة من الهدوء نوعا ما في سوق الدين. وانخفضت عقود مبادلة الائتمان لأجل خمس سنوات إلى ما يزيد قليلا عن 700 نقطة أساس من ذروة بلغت 803 نقاط أساس في منتصف سبتمبر أيلول، على الرغم من أنها أنهت أغسطس آب عند 642 نقطة أساس.
لكن المستثمرين الأجانب يسعون إلى تقييم المخاطر إذا واجهت سندات لبنان المزيد من التراجع، مما قد يجعل من الصعب على الحكومة اللجوء إلى الأسواق في الخارج بأسعار فائدة معقولة.
وأظهر بحث من بنك ميتسوبيشي يو.إف.جيه أن من المقرر أن يحل أجل استحقاق نحو نصف الدين الحكومي بالعملة الأجنبية على مدى السنوات الخمس القادمة.
وكتب جيسون تورفي لدى كابيتال ايكونوميكس في مذكرة إلى العملاء في الآونة الأخيرة يقول "ميزانية البلاد هي الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل يمكن القول في العالم الناشئ" مضيفا أن الديون الحكومية بالعملة الأجنبية تبلغ 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وأن تسابق المستثمرين الأجانب على التخارج قد يدخل البلد الصغير إلى أزمة أعمق.
وأردف قائلا "استمرار خروج رأس المال قد يجفف سريعا الاحتياطيات الأجنبية ويجبر السلطات في نهاية المطاف على خفض قيمة الليرة".
* تشاؤم زائد؟
يصف الكثير من خبراء الاقتصاد اللبنانيين ذلك السيناريو بأنه مفرط في التشاؤم، ويقولون إن المستثمرين الأجانب يحوزون نحو 11 بالمئة فقط من الدين العام اللبناني.
وقال نسيب غبريال كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك بيبلوس اللبناني "لا أحد هنا يقول إنه لا توجد تحديات، لكن هناك فارقا كبيرا بين أن تكون هناك تحديات وأن وتواجه خفضا إجباريا لليرة والاتجاه إلى السيناريو اليوناني أو التركي".
لكن فرص التوصل إلى حلول للمشاكل الأساسية تبدو بعيدة. وتعهد رئيس الوزراء سعد الحريري في أبريل نيسان بخفض عجز الميزانية الحكومية، لكن الإصلاح المالي لا يمكن أن يتم إلى حين تشكيل حكومة. وذلك الأمر محل جدل بين السياسيين منذ الانتخابات التي جرت في مايو آيار.
ويقول سيموند إن عمليات الهندسة المالية التي يجريها البنك المركزي لدعم احتياطياته من العملات تكللت بالنجاح حتى الآن، لكن اعتماده على تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية من البنوك التجارية يعني أن يكون الموقف أشبه بمخطط الاحتيال الهرمي.
أضاف "البنك المركزي أنشأ نظاما يدفعون فيه لشخص من أجل أن يدفع لشخص آخر لكي يجلب المال، والأمر ينجح. لكن في نهاية المطاف قد لا ينجح، ولهذا عليهم أن ينفذوا إصلاحات وبسرعة جدا".
(إعداد معتز محمد للنشرة العربية - تحرير إسلام يحيى)