من المتوقع أن يتحسن الاقتصاد العالمي بشكل كبير في وقت لاحق من هذا العام مع رفع الإغلاق والقيود.
ومن المرجح أيضا أن يستمر التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، ولكن إعادة فتح قطاع الخدمات سيحقق نمو أسرع للناتج المحلي الإجمالي في كل دول العالم.
سيكون ذلك طبعا، موضع ترحيب كبير ويتوقعه المستثمرون على نطاق واسع.
لكن علينا أن ننظر إلى ما بعد الارتداد، ونأخذ في الاعتبار ما قد يكمن في أرض المعركة بعد ان يتلاشى الغبار.
ماذا سيكون التأثير طويل المدى لوباء كورونا على النشاط الاقتصادي؟ وهل يمكن ان يترك ندوب دائمة على الاقتصاد وعلى معدلات النمو العالمية لسنوات قادمة؟ أم سيتم تخطي آثار الوباء بسرعة، مما يسمح بمعدل نمو أسرع ومستدام.
في تقييم سرعة ونطاق التعافي، نلقي نظرة على عدة عوامل رئيسية:
فترات الركود المختلفة تترك آثار مختلفة
يجب التمييز بين فترات الركود التي تسببها الصدمات الخارجية وتلك التي تتولد داخليًا، فالأولى تميل إلى أن تشهد انتعاش أسرع من الأخيرة.
يمثل التباطؤ الحالي صدمة خارجية إلى حد كبير حيث أوقفت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي. وهو موقف يشبه الحرب، حيث يتوقف النشاط الاقتصادي اليومي ويتركز كل الاهتمام على المعركة الأكثر إلحاحًا. وبمجرد انتهاء "الحرب"، يعود الاقتصاد إلى طبيعته بسرعة مع زوال التهديد.
على النقيض من ذلك، كان الركود السابق في 2008-2009 بسبب الأزمة المالية العالمية، ركود داخلي. مصدر الأزمة كان النظام المالي كنتيجة لقطاع مصرفي مفرط المديونية. ويستغرق التعافي من حالات الركود هذه وقت أطول حيث يتعين على النظام الاقتصادي إصلاح نفسه قبل أن يتمكن من استئناف النمو.
وكانت النتيجة انتعاش بطيء وهش مع عدم عودة النشاط الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الركود حتى 2011 في الولايات المتحدة، و2012 في أغلب الدول.
ومع ذلك، فقد أحدث الوباء اختلالات كبيرة.
قروض وديون
كان التأثير على الاقتراض الحكومي هائل ومشابه للأزمة المالية 2008-2009، حيث تظهر الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن الدين العام في الاقتصادات المتقدمة لمجموعة العشرين وصل إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية.
وبناء على الخبرة المستفادة من الأزمة المالية السابقة، يبدو ان الدول، لا تخطط لتشديد السياسة المالية لاستعادة توازن المالية العامة، بل على العكس من ذلك تسعى لاستمرار السياسات المالية التوسعية، حتى لو كانت تنطوي على مخاطر تضخم أعلى. وقد كان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي صريحين بشأن الحاجة إلى استمرار الدعم المالي.
سيستمر الضغط السياسي على البنوك المركزية قويا للإبقاء على معدلات فائدة منخفضة، للحفاظ على الحوافز العامة، حتى لا تتعرض الأسر للضغوط بشكل كبير، وخاصة انه قد لوحظ تأثير الوباء على الفئات ذات الدخل المنخفض.
كما انه يتعين على المقرضين التعامل مع فترة طويلة من القروض المتعثرة.
سمحت المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم بفترات سماح لسداد القروض الحالية أثناء الوباء، في حين قدمت الحكومات تسهيلات إقراض خاصة لمساعدة الأشخاص الأكثر تضررا من الأزمة. والهدف من ذلك هو دفع هذه الشركات والأسر خلال أسوأ ما في الأزمة حتى تتمكن من استئناف المدفوعات العادية بمجرد تعافي الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن الأزمة ستترك إرث من القروض المتعثرة التي يجب تصفيتها.
إن مشكلة القروض المتعثرة تعني أن الحكومات ستنتهي بمزيد من الديون في ميزانيتها لأنها مضطرة إلى تأميم خسائر القطاع الخاص.
وتشير التحليلات حتى الآن إلى أن احتمالات العودة إلى معدلات النمو الطبيعية تبدو واعدة، بالنظر إلى الانتعاش السريع نسبيًا في الاقتصاد العالمي، وغياب الاختلالات الرئيسية وانتعاش الاستثمار.
ولكن، يمكن أن يؤدي ارتفاع الدين الحكومي إلى تحدي هذا الانتعاش.
السفر سيعود ولكن إلى أين؟
من المتوقع أن يزداد السفر الدولي، لكن المخاوف بشأن المتغيرات الجديدة للفيروس ستستبعد العديد من الوجهات.
وستتساءل الشركات المهتمة بالتكلفة عما إذا كان يمكن إجراء مثل هذه الاجتماعات باستخدام تقنيات عن البعد.
علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار تفاعل العرض.
ستفشل بعض الشركات، مما سيقلل من عدد المعروض. ومع ذلك، فإن صناعات مثل شركات الطيران والفنادق ذات النفقات العامة الثابتة الكبيرة سوف تتطلع إلى تحقيق أقصى قدر من الركاب والضيوف. وقد يؤدي هذا إلى مزيج من أحجام أقوى وأسعار أقل وقد يحفز الإنتاجية حيث ستحتاج الشركات إلى تسعير بأكبر قدر ممكن من التنافسية.
إذا لم تتعاف هذه القطاعات، فسيكون هناك قدر كبير من رأس المال الذي سيتعين إلغاؤه، مثل الطائرات والبنية التحتية للنقل.
الاستنتاجات
بشكل عام، تعني الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية، أننا لا نواجه أزمة سيولة أو أزمة ائتمانية وأن السلطات تدرك الحاجة إلى الحفاظ على دعم السياسة النقدية والمالية. يجب أن يكون التعافي أسرع نتيجة لذلك، مما يحد من التأثير النهائي على النمو.
من ناحية الإنتاجية، ستكون إعادة تخصيص الموارد مؤلمة، لكنها ستمكن الشركات من أن تكون أكثر كفاءة، ولا شك أنها ستدعم بشكل متزايد التكنولوجيا الجديدة.
على الرغم من أنه لا تزال هناك شكوك كبيرة حول مسار الوباء ونشر اللقاح عالميا، ولكن العوامل السابق ذكرها تشير إلى مسار أكثر إشراقًا للاقتصاد العالمي مما حدث بعد فترات الركود السابقة.
(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)
لقراءة مقالات أخرى لنفس الكاتب:
الغذاء في لبنان: غلاء وشح واحتكار وتهريب
أزمة القناة والتجارة الدولية: دروس وعبر
اغتيال الليرة
اقتصاديات ما بعد كورونا... العالم تغير كثيرا
كورونا والاقتصاد ونحن ..كيف سنتغير؟
القطاع المصرفي وامتحان فبراير: (الجزء الثاني)
مئوية لبنان الكبير: لحظة الانبعاث او الزوال
هل يطلق كورونا عصر العملات المشفرة؟
لبنان في زمن التسويات الكبرى أوالحروب الكبرى
سلطنة عمان : أحلام كبيرة تصطدم بالواقع الصعب؟
كورونا والكويت، كيف يبدو الوضع؟
قرار الطرح العام أو الاستمرار كشركة خاصة.. هل هو اختيار بين جنة ونار؟
العراق الجريح: بلد الفرص الضائعة
السودان: الصفقة والفرصة التي لا تفوت
© Opinion 2021
المقال يعبر فقط عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.