PHOTO
رحل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (1960-2024)، قبل ما يقرب من عام على نهاية ولايته المقررة وفق انتخابات جرت في 2021، وأحاطها الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية داخليا والضغوط الخارجية، وأبرزها ملف النفط والعقوبات الغربية، فيما لا تزال التوترات في منطقة الشرق الأوسط مشتعلة.
فاز رئيسي - الذي كان مقرب إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي - في الانتخابات الأخيرة التي جرت في يونيو 2021، بعد منافسة ضعيفة مع مرشحين آخرين غالبيتهم من التيار المحافظ الذي ينتمي له، ليتمكن من الصعود للحكم بعد أن فشل في ذلك في الانتخابات السابقة عام 2017 التي فاز فيها حسن روحاني من التيار الإصلاحي بولايته الثانية.
كان فوز رئيسي بنحو 62% من أصوات الناخبين، بنسبة مشاركة أقل قليلا عن 50% هي الأدنى لاستحقاق رئاسي في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها عام 1979.
وروحاني- الذي ولد في 1948 وتولى الحكم لولاية أولى في 2013 وأعيد انتخابه في 2017 ولم يترشح في 2021 لعدم جواز الترشح لفترة ثالثة قانونا- عرف بتوحيد صفوف المعتدلين والإصلاحيين في البلاد، وكان أحد كبار المفاوضين في المحادثات النووية مع الاتحاد الأوروبي ووافق على وقف تخصيب اليورانيوم وخلال عهده وقعت طهران الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية في 2015، لكن واشنطن انسحبت من الاتفاق خلال ولايته الثانية في 2018.
وبعد مقتله في حادث تحطم طائرة هليكوبتر تحوم حولها التكهنات بأنها قد تكون مدبرة داخليا أو خارجيا، ربما يكون رئيسي أول رئيس إيراني لا يتم انتخابه لفترة رئاسية ثانية، حيث أعيد انتخاب جميع الرؤساء الذين تولوا حكم إيران منذ عام 1985 لفترة رئاسية أخرى.
وتتجه الأنظار حاليا، إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة التي من المقرر أن تجرى في 28 يونيو المقبل، لمراقبة ما إذا كان تيار المحافظين سيتمكن من الحفاظ على الحكم والبقاء على رأس السلطة المتمثل في منصب المرشد الأعلى الذي كان رئيسي أبرز المرشحين له، أم يعود التيار الإصلاحي سريعا للحكم، وكذلك مستقبل الاتفاق الإيراني السعودي ومفاوضات الاتفاق مع واشنطن حول الملف النووي.
النفط
قبل تولي رئيسي بسنوات قليلة، أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية على طهران هدفها تحجيم صادراتها النفطية للسوق العالمي، وذلك بعد انسحاب واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق النووي في 2018 بقيادة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وخلال هذه السنوات، تراجع إنتاج النفط في إيران - وهي ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" - من 3.55 مليون برميل يوميا في 2018 إلى 2.35 مليون برميل يوميا في 2019، ثم 1.98 مليون برميل يوميا في 2020، وفق بيانات ثانوية صادرة في تقارير أوبك.
قاد رئيسي، خلال المدة التي قضاها في منصب رئيس إيران، زيادة في إنتاج النفط، وتوسعة طرق تصديره رغم استمرار العقوبات الأمريكية على بلاده.
ارتفع إنتاج إيران من النفط خلال العام 2021 إلى 2.39 مليون برميل يوميا، ثم واصل الارتفاع إلى 2.55 مليون برميل في 2022، ونحو 2.86 مليون برميل يوميا في 2023، وفق بيانات ثانوية صادر عن أوبك.
وفي أبريل الماضي، ارتفع إنتاج إيران على أساس شهري بنحو 14 ألف برميل يوميا، ليسجل 3.2 مليون برميل يوميا.
كان أعلى مستوى لإنتاج النفط الإيراني على الإطلاق في السبعينيات، حيث بلغ ذروته عند 6.02 مليون برميل يوميا في عام 1974، وفقا لبيانات نقلتها رويترز عن أوبك.
النمو في الإنتاج خلال السنوات الماضية جاء مصحوبا بنمو الصادرات، فوفق تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، تصدر إيران من ست سنوات كميات من النفط أكثر من أي وقت ما يمنح اقتصادها دفعة تبلغ 35 مليار دولار سنويا، وخلال الربع الأول من العام الجاري باعت ما متوسطه 1.56 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى لها منذ الربع الثالث من عام 2018.
تشير تقديرات إلى أن إيران رفعت خلال العام الماضي عدد السفن المستخدمة لنقل النفط إلى أكثر من 250 سفينة، وأن عدد الناقلات العملاقة التي تحمل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط تضاعف منذ عام 2021، وهو العام الذي تولى فيها رئيسي الحكم.
ووفق تصريحات نقلتها رويترز لرئيس مصلحة الجمارك الإيرانية محمد رضواني، بلغت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية خلال الـ 12 شهر المنتهية في مارس الماضي 35.8 مليار دولار.
وسجلت التجارة الإيرانية خلال الفترة نفسها 153 مليار دولار بنمو 2.6% على أساس سنوي، فيما بلغت الصادرات الإيرانية 86.8 مليار دولار، حسب رضواني الذي قال إنه لولا صادرات النفط، لسجلت إيران عجز تجاري قدره 16.8 مليار دولار.
لكن مؤشرات نمو الاقتصاد لم تشهد نفس التسارع، حيث تباطأ نمو الاقتصاد الإيراني خلال 2022 إلى 3.8% من 4.7% في 2021، ورغم تمكنه من التعافي في 2023 إلى 4.7% تشير توقعات صندوق النقد إلى تباطؤ جديد في 2024 و2025 إلى 3.3% و3.1% على التوالي.
الصين وبريكس
استفادت إيران من التوجهات السياسية والاقتصادية لرئيسي بالتركيز على بناء تحالفات بدلا من التركيز على رفع الحظر الغربي على اقتصاد بلاده، فكانت مبيعات النفط خلال الثلاثة شهور الأولى من 2024 كلها إلى الصين - المنافس التقليدي لواشنطن - فيما وصفه محللون بأنه نتيجة إتقان الإيرانيون التحايل على العقوبات.
وحسب فاينانشيال تايمز، تستورد الصين - وهي أكبر مستورد للنفط في العالم - ما يقرب من عشر وارداتها من النفط الخام الذي يتم تكريره محليا من طهران.
وكأبرز المتضررين من السيطرة الأمريكية الاقتصادية عالميا، سعت إيران لتكون عضو في تجمع بريكس الذي يضم الصين وروسيا - التي تعاني أيضا من عقوبات غربية منذ حربها على أوكرانيا - وانضمت بالفعل مطلع 2024 في أول توسعة للتجمع إلى جانب الإمارات ومصر والسعودية.
وبريكس، تحالف اقتصادي أصبحت قيمته - بعد انضمام الدول الست الجديدة - نحو 29 تريليون دولار تمثل ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي.
وعن الانضمام لبريكس قال رئيسي حينها: "رغم أن نظام الهيمنة يسعى إلى منع بلادنا من النمو اقتصاديا، إلا أن نمو اقتصاد البلاد يكون في ظل الارتباط مع الاقتصادات المستقلة في المنطقة والتي يمكن أن تؤسس اقتصاد مقاومة في بلادنا... ما حدث لم يكن حدث عرضي، بل كان سياسة انتقائية فعلتها الحكومة وتتبعها".
السعودية
الصين التي ظهرت كلاعب أساسي في الشرق الأوسط مؤخرا في ظل تنافسها مع أمريكا، قادت مفاوضات لتحسين علاقات حليفها الإيراني مع السعودية، وتم التوصل لاتفاق لإعادة العلاقات بين الرياض وطهران في مارس 2023.
الاتفاق الذي خفف من التوترات السياسية في المنطقة، تسعى إيران للاستفادة منه اقتصاديا، والدعوة لتنشيط التبادل التجاري والتعاون في تطوير واقع التجارة البينية مع دول المنطقة.
كان قطع العلاقات بين إيران والسعودية ممتدا لسنوات، ولطالما تنافست السعودية السنية وإيران الشيعية على قيادة العالم الإسلامي - وتسبب تدخل الطرفين بعد ما عرف بالربيع العربي 2011 في تأزم الوضع في عدة بلدان وأبرزها سوريا فيما تدعم إيران الشعية في البحرين والعراق ولبنان، فيما امتد لحرب بالوكالة في اليمن.
وتدخل تحالف دولي تقوده السعودية في اليمن عام 2015 لدعم قوات حكومية تقاتل جماعة الحوثي المدعومة من إيران. ونفت إيران تزويد الحوثيين بالسلاح لكن الجماعة شنت هجمات عديدة على أهداف في السعودية. ومع عدم تمكنها من تحقيق انتصار في تلك الحرب تجري السعودية محادثات مع الحوثيين في محاولة للخروج من الحرب.
وفي 2016، أعدمت المملكة 47 شخص بينهم رجل الدين الشيعي المتشدد نمر النمر، بعد أن تم اعتقاله في 2012، وردا على ذلك أشعل متظاهرون إيرانيون النار في السفارة السعودية في طهران ما دفع بالسعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وظلت حتى الاتفاق على إعادتها في عهد رئيسي، وبعدها هدأت حدة الحرب الكلامية بين البلدين وبدأت بشائر للتقارب.
ماذا بعد؟
تشير التوقعات إلى أن التيار المحافظ في إيران - بدعم من رأس السلطة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي بلغ من العمر نحو 85 عام - سيسعى للفوز مرة أخرى بمنصب الرئيس، فيما يتم تجهيز بديل للمرشد نفسه حال داهمه الموت، لكن هذا لا يلغي إمكانية عودة التيار الإصلاحي مرة أخرى.
اتفق محللان سياسيان تحدثا لزاوية عربي، على أن فك الغموض في تفاصيل وفاة رئيسي، سيقود لتوقع المستقبل في إيران، ولم يستبعد كلا المحللين أن يكون قد تم قتل رئيسي من أجل هدف ما.
ونظام الحكم في إيران مزدوج إذ أنه جمهوري وديني، حيث يتولى الرئيس قيادة الحكومة ويرجع إلى الزعيم الأعلى صاحب السلطة العليا في البلاد.
قال عمار تاسائي الاهوازي، وهو محلل في الشأن الإيراني ويقيم في بريطانيا، لزاوية عربي، إن "تحطم المروحية تدور حولها شبهات كثيرة... إذا صحت قراءة تقول أن النظام الإيراني (بمعنى آخر) الدولة العميقة في النظام الإيراني هي التي دبرت حادث المروحية للتخلص من رئيسي بسبب عدد من النقاط السلبية التي تحسب عليه كتفشي البطالة وتوتر العلاقات مع الغرب والملف النووي الذي مازال مغلق".
وأشارت عدة تقارير إلى أنه من الوارد أن يكون رئيسي قد تم اغتياله - بالنظر لظروف مقتله مع وزير خارجيته في حين نجا آخرون قد مروا بنفس الظروف الجوية السيئة - وتصل التخمينات إلى حد أن النظام الإيراني قد يستفيد من تلك الحادثة لتحسين الأوضاع.
لكن المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي قال، لزاوية عربي، إنه يرى أن حادثة مقتله قد تكون عملية استخباراتية خارجية غير مخطط لها "من الطراز الأول" في ظل التوترات في المنطقة، مضيفا أنها "فرصة لن تتكرر - في الظروف المواتية - التخلص من 6 مسؤولين بينهم الرئيس ووزير الخارجية وتسهل عملية التصفية دون توجيه اتهامات لأي طرف".
ورغم أن إسرائيل - عدو إيران اللدود في الشرق الأوسط - نفت صلتها بالحادث، لكن فهمي يرى أن "حرب الظل موجودة بين إسرائيل وإيران"، وأنه لن يتم الإعلان عن العملية. وعلى مدى سنوات قامت إسرائيل بعمليات اغتيال لرموز إيرانيين بارزين، خاصة من الحرس الثوري.
وقال فهمي إن إيران ستنشغل خلال الشهور المقبلة بالأوضاع في الداخل، خاصة في ظل الصراع على خلافة المرشد نفسه خاصة وأن رئيسي كان أبرز المرشحين لذلك، "لا يمكن توقع من الرئيس المقبل، لكن المرشد سيبقى هو محور أي تغيير وموجه البوصلة بما يخدم سياساته وتوجهاته".
ووضع الأهوازي سيناريوهين لمن يخلف رئيسي، وقال: "إذا صحت القراءة بأنه تم التخلص من رئيسي لاستخلافه برئيس أقل تشددا من التيار الإصلاحي ربما لتحسين العلاقات مع واشنطن خاصة وأن إيران اليوم في أمس الحاجة للعملة الصعبة...عودة التيار الإصلاحي مرة أخرى إلى سدة الحكم احتمال وارد جدا".
ووفقا للمحلل، يتمثل السيناريو الثاني في أن يكون الأمر مجرد حادث، فحينها ستأتي السلطة المتمثلة في المرشد والحرس الثوري بمتشدد جديد في الحكم يسير على نفس خطى رئيسي، مضيفا أن صناديق الاقتراع في إيران وسيلة فقط لإعطاء شرعية ويتم الاختيار من خلال "الدولة العميقة وبيت المرشد".
ووجهت لرئيسي انتقادات بتردي الأوضاع الاقتصادية رغم ارتفاع صادرات النفط والالتفاف على العقوبات، وهو ما يفسره المحلل الأهوازي بارتفاع الانفاق على الأعمال العسكرية والتسليح داخل إيران ووكلائها في عدة دول، إضافة لملف الحريات وحقوق الإنسان خاصة منذ وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني (22 عام) في سبتمبر 2022 إثر دخولها في غيبوبة بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها، وأثارت الحادثة آنذاك احتجاجات واسعة في إيران.
وحسب بيانات البنك الدولي سجل معدل البطالة في إيران 8.7% في العام الماضي متراجعا من أكثر من 10% في 2019، لكن لا يزال ينظر لعدد العاطلين عن العمل في البلاد بأنه كبير مع تأرجح الاقتصاد.
نحو كرسي المرشد
عادة ما يتم انتخاب المرشد الأعلى من المحافظين، وتم ذلك مرتين فقط، وعملية الانتخاب تتم من خلال هيئة "مجلس الخبراء" مكونة من 88 رجل دين، يتم انتخابهم كل 8 سنوات بعد موافقة مجلس صيانة الدستور على المترشحين.
ويتمتع المرشد الأعلى بالسلطة المطلقة ويكون له الكلمة العليا في القضايا الفاصلة ويضع سياسات وتوجهات البلاد الخارجية.
كان رئيسي أحد أبرز المرشحين لهذا المنصب، إضافة لنجل خامنئي مجتبى، بينما تشير تقارير إلى أن الرئيس السابق روحاني وصادق لاريجاني الرئيس السابق لمجلس الشورى الإسلامي قد يريدان هذا المنصب أيضا.
ووفق المحللين، لا يمكن التكهن بمن سيخلف خامنئي، مع ازدياد المنافسة على المنصب.
يرى الأهوازي أنه من الطبيعي أن يظهر نجل المرشد في الإعلام أو المناصب لتوطئة الظروف له إذا أصبح من الضروري توليه خلفا لوالده، لكنه تابع: "لا اعتقد أنه (مجتبى) سوف يحل محل والده...استبعد ذلك، لكن إذا اقتضت السياسة الإيرانية ذلك فسيتم تحضير الانتخابات لذلك".
فيما قال فهمي إن الملف الأكثر أهمية في المدى القريب في إيران سيظل هو ملف الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والبرنامج الصاروخي لإيران، وهو ما سيتحرك المرشد وفقا له في اختياراته.
وما بين الغموض والترقب، سيكون على المنطقة الملتهبة منذ اندلاع الحرب في غزة أكتوبر الماضي، أن تنتظر كيف سيتحرك النظام الإيراني، ومن ستؤول إليه سلطة الحكم في أكبر دولة شيعية وكيف ستتعامل مع جيرانها واجندتها الخارجية.
(إعداد: شيماء حفظي، تحرير: مريم عبد الغني، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)
#تحليلمطول
لقراءة الموضوع على منصات مجموعة بورصة لندن، أضغط هنا
للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا