PHOTO
لا يخفى على المتابع للشأن الاقتصادي العالمي والإقليمي حقيقة أن الاقتصاد التركي يواجه تحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية.
ومن العوامل المساهمة في ارتفاع التضخم هو مضاعفة الحد الأدنى للأجور مؤخرا إلى 17,002 ليرة تركية (ما يعادل 525 دولار أمريكي في الشهر)، وهو ما تم تنفيذه في أوائل عام 2024 قبل الانتخابات المحلية التي أجريت الأحد الماضي ونجحت المعارضة في هزيمة حزب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للمرة الثانية على التوالي وهو ما اعتُبر انتكاسة له ولحزبه الحاكم العدالة والتنمية.
للمزيد: تركيا - ماذا يعني فوز المعارضة المباغت في الانتخابات المحلية؟
وقد تحدث محافظ البنك المركزي التركي الجديد فاتح كاراهان عن التضخم مؤخرا معتبرا زيادة الحد الأدنى للأجور هي أكبر خطر على توقعات التضخم في البلاد.
وضع التضخم
عادة ما يكون لدى البنوك المركزية هدف رئيسي وهو الحفاظ على استقرار الأسعار.
لذا، نجد أن البنك المركزي التركي بدأ في اللجوء للأساليب التقليدية مثل رفع أسعار الفائدة، لمكافحة التضخم في يونيو الماضي، للمرة الأولى منذ أكثر من سنتين.
كما فاجأ المركزي التركي السوق مؤخرا برفع مفاجئ لأسعار الفائدة بمعدل 5% في 21 مارس 2024 ليكون بذلك قد رفع أسعار الفائدة بمعدل 41.5% من 8.5% في مايو 2023 إلى 50% في مارس 2024.
ولدى المركزي التركي معدل تضخم مستهدف يبلغ 5%، وهو ما لم نشهده منذ أبريل 2011.
ولكن عند مقارنته بالتضخم الحالي الذي بلغ 68.5% في مارس الماضي، فإن تحقيق هذا الهدف يبدو مستحيلاً، على الأقل في العامين المقبلين، مع الإشارة إلى أن توقعات المركزي التركي للتضخم في نهاية العام تبلغ 36%.
الغذاء والطاقة
كانت أسعار المواد الغذائية، التي تمثل حوالي ربع سلة التضخم في تركيا، أحد أهم أسباب ارتفاع التضخم، حيث ارتفعت بنسبة 71.1% في فبراير و70.4% في مارس.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في تضخم أسعار الغذاء، لأن معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني البنود المتقلبة مثل الطاقة والغذاء، سجل أعلى مستوى له منذ 25 عام عند 75.2% في مارس من 72.9% في فبراير. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، لا يزال يتعين على الأتراك التعامل مع أسعار الفائدة الحقيقية السلبية.
رأي وكالات التصنيف الائتماني في تركيا
يعتقد بعض الاقتصاديين أن نهج الرئيس التركي غير التقليدي المتمثل في خفض أو تثبيت أسعار الفائدة لأكثر من عامين منذ عام 2021 بالرغم من ارتفاع التضخم وقتها جعل الأمور أسوأ.
ولهذا السبب يعتقد الاقتصاديون أن الأمر سيستغرق على الأرجح ستة أشهر صعبة أخرى حتى يستعيد الأتراك ثقتهم في الليرة التركية وتبدأ الارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة الأخيرة في خفض التضخم.
وبعد رفع تصنيف تركيا من B إلى B+، في مارس الماضي من قبل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، قامت الوكالة أيضا برفع تصنيفات 18 بنك تركي ووضعت 5 تصنيفات بنكية أخرى تحت المراقبة الإيجابية.
ووفقا لوكالة فيتش، فإن رفع التصنيف يعكس زيادة الثقة في فعالية السياسات المطبقة منذ يونيو 2023 وانخفاض مخاطر السيولة الخارجية، على الرغم من أن هيكل احتياطيات العملات الأجنبية السيادية لا يزال ضعيف.
ورفعت فيتش أيضا توقعاتها لنمو اقتصاد تركيا من 2.5% إلى 2.8% في عام 2024، وتتوقع أن يصل إلى 3.1% في عام 2025.
وبالمثل، رفعت ستاندرد آند بورز توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي من 2.4% إلى 3% في عام 2024، ومن 2.7% إلى 3% في عام 2025 ولكن خفضتها من 3% إلى 2.8% في عام 2026.
كيف يتعامل الأتراك مع التضخم؟
في ضوء معدل التضخم المرتفع بلا هوادة، يفضل الأتراك الاحتفاظ بالدولار الأمريكي والذهب كاستثمار أو مخزن للقيمة بدلا من الليرة التركية التي يستخدمونها فقط للاستهلاك.
كما أن ارتفاع أسعار الفائدة جعل الأتراك يتجنبون العقارات. ويعاني الأتراك من ديون بطاقات الائتمان المرتفعة، حيث تبلغ أسعار الفائدة حاليا 5% شهريا أو حوالي 80% سنويا فائدة مركبة.
وقد يختار آخرون الأسهم التركية التي وصلت مؤخرًا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق وفقا لقياس مؤشر السوق الرئيسي في تركيا، BIST100. وفي الوقت نفسه، قد يختار آخرون الودائع المصرفية نظرا لارتفاع أسعار الفائدة، وإن كان ذلك لا يزال يشير ضمنا إلى أسعار فائدة حقيقية سلبية.
انعدام الثقة بالليرة التركية
فقدت الليرة التركية 93% من قيمتها مقابل الدولار على مدى العقد الماضي، بما في ذلك حوالي 38% منذ الانتخابات الرئاسية العام الماضي في مايو و9% في الربع الأول من العام الحالي.
وفي الوقت نفسه، انخفض صافي الاحتياطيات الدولية لتركيا (باستثناء مبادلات العملات الأجنبية) إلى مستوى "سلبي" قدره 60 مليار دولار أمريكي، لكن الحكومة لم تواجه أي مشكلة في استخدام أسواق الدين العالمية لسد الفجوة.
وقد أدى هذا في حد ذاته إلى دفع التضخم إلى مستوى أعلى بكثير من المتوقع، مما أثار مخاوف بشأن توقعات البنك المركزي للتضخم.
خط النهاية
تواجه تركيا تحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم، وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية، وانخفاض قيمة العملة، وانخفاض الاحتياطيات.
وتبذل السلطات التركية حاليا جهود لمعالجة هذه المشكلات من خلال تشديد السياسة النقدية وغيرها من التدابير.
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات ستتمسك بموقفها وتستمر في استخدام الأدوات الاقتصادية التقليدية المتاحة لها. وتبقى الأولوية الأولى للسلطات التركية حاليا هي خفض التضخم، وهو الهدف الذي يسهل قوله عن تنفيذه.
(إعداد: عمرو حسين الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة ثاندر لتداول الأوراق المالية وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA")
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)
لقراءة الموضوع على منصات مجموعة بورصة لندن، أضغط هنا
للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا
للتسجيل في موجز زاوية مصر اليومي، أضغط هنا
#تحليلسريع