PHOTO
* تدهور الوضع الاقتصادي بسبب العزلة منذ عشرات السنين
* المواطنون يعانون نقص السلع الأساسية والسيولة المالية
* قطاع الصناعة يواجه زيادة حادة في سعر الديزل
من باتريك ور وخالد عبد العزيز
الخرطوم 21 فبراير شباط (رويترز) - انقطعت الكهرباء وبدأ عمل المولدات الكهربائية بينما كان سمير قاسم يعدد المشاكل التي تواجهها مصانع الحلويات والتغليف التي يملكها وتعمل بمعدل يقل كثيرا عن طاقتها الإنتاجية.
وهو الآن يخشى أن يصل الأمر إلى إغلاق المصانع بالكامل بسبب زيادة مفاجئة في سعر وقود الديزل للصناعة إلى ثمانية أمثاله فرضتها الحكومة التي تحتاج بشدة للنقد الأجنبي وتواجه أكبر احتجاجات شعبية تشهدها البلاد منذ تولى الرئيس عمر البشير الحكم قبل 30 عاما.
وقال قاسم في مكتبه الذي تبدو عليه مظاهر التقشف بمصنعه "نحن مع رفع الدعم لكن بالتدريج على خمس سنوات. لا في ليلة واحدة. بغير ذلك ستحدث كارثة".
تسببت الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في السودان في نقص الوقود والسيولة النقدية والخبز مما كان سببا في موجة اضطرابات في مختلف أنحاء البلاد على مدى الشهرين الأخيرين.
وقال رجال أعمال وناشطون وأساتذة جامعيون إن التدهور الاقتصادي أثار استياء طبقة المهنيين التي تحمل البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم مسؤولية مشاكلها.
وأضعف ذلك سلطة البشير وشجع حركة الاحتجاج التي استمرت رغم حملة أمنية سقط فيها عشرات القتلى.
واجتذب تجمع المهنيين السودانيين الذي دعا على وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم احتجاجات ونظم إضرابات أطباء ومدرسين ومحامين وغيرهم ممن يشكون منذ عشرات السنين من سوء الإدارة الاقتصادية والعزلة.
تأسس الاتحاد عام 2015 وكان يعتزم التقدم بطلب للبرلمان السوداني لزيادة المستوى الأساسي لمرتبات العاملين في القطاع العام كل شهر والبالغ 650 جنيها سودانيا، تعادل الآن 13.60 دولار فقط بسعر الصرف الرسمي، وذلك في 25 ديسمبر كانون الأول بعد ستة أيام من بدء تصعيد الاحتجاجات.
قال محمد يوسف أحمد المصطفى المتحدث باسم التجمع وأستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم "قررنا رفع سقف مطالب مذكرتنا من تحسين الأجور وبيئة العمل والحق في قيام نقابات مهنية إلى المطالبة بتنحي النظام واستشعارا بالرغبة الشعبية قرننا تحويل مكان تقديم المذكرة من البرلمان إلى القصر الرئاسي".
وأضاف "كانت هناك استجابة كبيرة لنا لأن هناك أزمة اقتصادية وفشل للحكومة وأزمات في الوقود والخبز والسيولة النقدية كما أن المهنيين ليس جماعة فوقية فنحن موجودون في وسط الشعب ونحن جزء منه لذلك اكتسب حراك التجمع ثقة شعبية".
* متسللون
عزا المسؤولون الاضطرابات إلى متسللين مجهولين وعزلة السودان الدولية وقالوا إنهم يأخذون خطوات لمعالجة اضطراب الوضع الاقتصادي. ويقول مصرفيون إن العقوبات الأمريكية كبلت الاقتصاد رغم تخفيفها.
ويقول دبلوماسيون إن البشير حاول أن يكون رده متوازنا لتحسين صورته الدولية إذ أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أمرا بالقبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور كما أنه يتطلع للحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي.
وقد خفف البشير من حدة تحذيراته للمحتجين باستخدام تعبيرات تشير إلى تعاطفه مع محنتهم.
غير أن الاحتجاجات في الخرطوم ومدن أخرى استمرت بصفة شبه يومية ودعا المتظاهرون إلى نهاية حكم البشير الذي يرون أنه يرقى إلى نهب أموال الشعب ويتسم بالعجز.
ومن الهتافات التي رددها المتظاهرون "يسقط بس" و"سلمية سلمية ضد الحرامية".
وكثير من المحتجين من الشبان والشابات الذي يكافحون للعثور على وظيفة يمكن أن تحقق لهم دخلا يسد احتياجاتهم المعيشية في بلد يعد أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 42 مليون نسمة دون سن التاسعة عشرة.
ويقدر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن البطالة ارتفعت من 12 في المئة في 2011 إلى حوالي 20 في المئة في السنوات الأخيرة وتجاوزت نسبة البطالة في صفوف الشباب 27 في المئة.
ويقول رجال أعمال إن العامل العادي الذي لا يتمتع بمهارات ممن يعملون في مصانع الخرطوم يحصل على ما بين 1000 و1500 جنيه (18 إلى 27 دولارا) في الشهر. أما العامل صاحب المهارات فمن الممكن أن يحصل على مثلي هذا المرتب الذي يكفي بالكاد لإقامة أود أسرة.
وجاء في عرض نظمته الحكومة للعاملين في الخدمة الاجتماعية في الخرطوم الشهر الماضي أن بعض الأسر في العاصمة سحبت أولادها من المدارس خلال العام الماضي أو أصبحت تقدم لهم طعاما أقل من حيث الكمية والفائدة الغذائية الأمر الذي يعرضهم للإصابة بالأمراض.
وأثرت الأزمة الاقتصادية على مرتبات العاملين والشبان والعاطلين عن العمل أشد من غيرهم. وجاء في ذلك العرض أن أسرا اضطرت لبيع بعض متعلقاتها وازدادت الجريمة.
ومنذ بدأت الاحتجاجات زادت الحكومة إنفاقها خاصة على المنتجات المستوردة والمدعمة بما في ذلك الخبز والوقود. لكن ما لديها من نقد أجنبي كاد ينفد مما يتسبب في أزمات واسعة الانتشار.
* ديون
يتجاوز الدين الخارجي على السودان بالفعل 50 مليار دولار وتواجه البلاد صعوبة في جذب تمويل خارجي جديد. وبنهاية العام 2018 تجاوز معدل التضخم 70 في المئة. ثم انخفض إلى 43 في المئة وفقا للأرقام الرسمية رغم أن اقتصاديا يعمل في الولايات المتحدة يقدره بمثلي هذا الرقم.
ويقول المصرفيون والاقتصاديون إن السلطات ستواصل على الأرجح زيادة المعروض النقدي الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التضخم.
كانت محاولة لم يُكتب لها الاستمرار لزيادة سعر الخبز للتخفيف من حدة نقصه هي التي أطلقت شرارة الاضطرابات الحالية.
وقال عباس علي السيد الأمين العام لغرفة الصناعة السودانية محذرا إن زيادة سعر وقود الديزل للصناعة دون بقية المستهلكين سيتسبب في مزيد من المشاكل.
وأضاف "هذا سيؤدي إلى فساد كثير. سيبدأ الناس في البيع إلى المصانع في السوق السوداء. وسيؤثر ذلك على القدرة التنافسية للمصانع".
ويقول محللون إن ارتفاع أسعار الديزل سيمتد أثره بسرعة في الاقتصاد مع ارتفاع كلفة تشغيل الآلات الزراعية والنقل والصناعة. كما أنه قد يؤدي إلى سحق شركات التصنيع المتعثرة في السودان.
وكان قاسم صاحب مصانع الحلوى قد عمد إلى ضخ استثمارات لإضافة قطع الشوكولاتة ورقائق البطاطا (البطاطس) إلى قائمة منتجاته الغذائية في أحد مصانعه.
وقد أدى نقص الديزل وانقطاع الكهرباء وتراجع الطلب من المستهلكين الذين لا يمكنهم تحمل ثمن منتجاته إلى تخفيض الانتاج وتسريح بعض العمال.
وفي أواخر الشهر الماضي أخطره موردوه بأن الحكومة زادت سعر الديزل للصناعة إلى 222 جنيها سودانيا للجالون من 28 جنيها.
وقال "سنضطر لإغلاق المصنع بالكامل إذا لم ينخفض السعر".
ومن الممكن أن ينضم إلى صفوف العاطلين عن العمل 240 شخصا يعملون في مصنعه ومصنع قريب للتغليف وأكثر من مئة عامل موسمي.
ويتذكر بعض السودانيين الأكبر سنا كيف كان الوضع مختلفا قبل وصول البشير للسلطة في انقلاب عام 1989.
ويقول المخرج السينمائي سليمان أحمد إبراهيم إن مدن السودان الكبرى كان فيها 65 دارا للسينما كثير منها يديرها القطاع الخاص قبل أن تغلقها حكومات البشير ذات التوجه الإسلامي.
وأضاف "هذا جزء من الحياة الحديثة يفتقده الشباب في السودان. وقد يكون من أسباب تذمرهم على النظام السياسي في السودان".
وقال علي محمد عثمان (69 عاما) الأستاذ بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا "تدهور مستوى التلاميذ بعد تغيير السلم التعليمي وتم تكثيف منهج التربية الإسلامية وإهمال الرياضيات والعلوم والفنون".
وكان العاملون في الجامعات شأنهم شأن أفراد الطبقة المتوسطة الآخرين قد اعتادوا تسيير شؤونهم بجزء من مرتباتهم. غير أن المرتب لم يعد يكفي الآن سوى بضعة أيام من الشهر.
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير معتز محمد)