PHOTO
لا يمتلك الأردن، على عكس جيرانه، موارد طاقة كبيرة، وهو يعتمد بشكل كبير على واردات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي لتلبية الطلب المحلي على الطاقة. وينفق الأردن، الذي يستورد الآن ما يزيد على 93 بالمئة من إجمالي إمدادات الطاقة، حوالي 3.5 مليار دولار سنويا على الطاقة وهو ما يشكل ما يقرب من 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد ويضغط على اقتصادها.
كان خط الغاز العربي - الذي يمر عبر الأردن من مصر - المصدر الرئيسي لواردات الغاز الطبيعي الأردني ، ثم عانى من انخفاض الكميات بشكل كبير في عامي 2011 و 2012 نتيجة الاضطرابات في شبه جزيرة سيناء وسوريا، الأمر الذي أجبر الأردن على استيراد وقود اكثر تكلفة مما أضاف مليارات الى ديون الدولة.
ورغم اعتراض شعبي ونيابي كبير وقعت المملكة اتفاقية عام 2016 بين شركتي الكهرباء الوطنية الأردنية (نيبكو) ونوبل جوردان ماركيتينغ NBL لاستيراد الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي على سواحل البحر المتوسط. وتنص الاتفاقية على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، بقيمة عشرة مليارات دولار على مدار 15 عام، اعتبارا من الأول من يناير 2020.
البحث عن بدائل محلية
في العقود الماضية، عندما كان الأردن ينعم بإمدادات الوقود الأحفوري الرخيصة من الخليج والعراق ومصر، فشل في تطوير مصادر الطاقة المحلية. الآن، بعد أن تم دفع البلاد إلى أقصى حدودها مالياً، تسعى البلاد جاهدة لتجميع بدائل محلية، والتي تمتلك بالفعل إمكانات هائلة من أجلها.
وضعت المملكة خطة مدتها عشر سنوات جرى الإعلان عنها العام الماضي تهدف إلى تأمين توليد ما يقرب من نصف الكهرباء بالبلاد من مصادر الطاقة المحلية مقارنة بنسبة 15 بالمئة حاليا. تعتبر الخطة جزء من الجهود المبذولة لتنويع مصادر الطاقة المحلية من خلال توسيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة والنفط الصخري لتقليل واردات الوقود الأجنبية المكلفة وتخفيف وطأة الانعكاسات السلبية للاعتماد على مصدر واحد للطاقة في منطقة تعصف بها سنوات من الاضطرابات.
ونصت احدي بنود الخطة على تكثيف عمليات البحث عن الغاز في المنطقة الصحراوية الشرقية التي تركتها شركة النفط البريطانية العملاقة "بي بي" عام 2014، بعد استثمار ما يزيد على 240 مليون دولار، وحفر بئرين استكشافيين ، اتخذت شركة بريتيش بتروليوم قرار بالتخلي عن الأردن وقالت أن النتائج كانت سيئة للغاية حيث انها لم تجد أي أساس تقني للاستمرار.
وأبرز حقول الغاز في الأردن هما حقل الريشة وحقل حمزة، الذي لا يزال إنتاجه متواضع جدا. ويقول مسؤولون إن حقل الريشة ينتج ما يقرب من 5 بالمئة من استهلاك المملكة من الغاز الطبيعي البالغ حوالي 350 مليون قدم مكعب يوميا لتوليد الكهرباء. وتهدف الخطة الحكومية الى رفع القدرات الإنتاجية للحقل الذي يضم أكثر من بئر بشكل تدريجي إلى 50 مليون قدم مكعب يوميا بنهاية عام 2024. والجدير بالذكر ان وزيرة الطاقة، هالة زواتي، أعلنت هذا الأسبوع في بيان أن عمليات الحفر في بئر جديدة، ضمن عدة آبار في حقل الريشة "أظهرت نتائج واعدة".
وكان المسؤولون الأردنيون يأملون منذ فترة في أن تؤدي عمليات الاستكشاف والحفر المكثفة في حقل الريشة إلى اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز القابل للاستخراج، مما يساعد على تقليل الاعتماد على واردات النفط لتغذية قطاع الكهرباء والصناعات في الأردن.
الطاقة المتجددة والبدائل الأخرى
في عام 1979، قامت الجمعية العلمية الملكية الأردنية بتركيب مضخة مياه تعمل بالرياح في أحد مبانيها في مدينة العقبة الساحلية. كما تبع ذلك مشاريع مماثلة، مثل محطة أخرى لضخ المياه تعمل بالرياح والتي تعمل في جبال الطفيلة الجنوبية منذ عام 1987.
وتعد "محطة الطفيلة لطاقة الرياح" أول محطة عاملة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح على نطاق تجاري في منطقة الشرق الأوسط. وساهمت المحطة الواقعة في المملكة الأردنية الهاشمية والبالغة قدرتها 117 ميجاواط في زيادة إجمالي إنتاجية توليد الكهرباء في الأردن بنسبة 3% وتم تشغيل هذا المشروع الذي تقدر تكلفته بـ 287 مليون دولار في شهر سبتمبر 2015.
وفي تقرير نشرته بلومبيرغ حول وضع الطاقة المتجددة والنظيفة عام 2019، حل الأردن في المرتبة الأولى للعام الثالث على التوالي بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والسادس عالميا في مجال توفير بيئة مناسبة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة . على الرغم من هذه المحاولات ، لم يتم اعتبار مصادر الطاقة المتجددة بجدية كمصدر قوي للطاقة في الأردن حتى الآن.
الصخر الزيتي
كما تمتلك الأردن رابع أكبر احتياطيات في العالم من الصخر الزيتي ، تقدر بنحو 40 مليار طن بحسب تقديرات مجلس الطاقة العالمي.
ويقول خبراء طاقة إنه بالإمكان استخراج النفط من الصخور الزيتية باستخدام تقنيات هيدروليكية حديثة لتفتيت الصخور عن طريق ضخ المياه ومواد كيمياوية أخرى. وفي العام 2013 دعت مجموعة "أكسفورد بزنس جروب" الأردن إلى اقتناء التكنولوجيا الجديدة للتمكن من استخراج احتياطيات الزيت الصخري وتقليص الاعتماد على الهيدروكربونات المستوردة فضلا عن تعزيز أمن الطاقة. و يعتبر الصخر الزيتي والطاقة المتجددة أفضل الخيارات لتقريب الأردن من الاستقلال في مجال الطاقة. ولكن، حتى الان ما زال انتاج الصخر الزيتي في المملكة موضوع شائك لم تتبين جدواه الاقتصادية بعد.
وبدأ الأردن - ضمن سعيه لتنويع مصادر الطاقة - منذ سنوات على تنفيذ مشروع لتعدين خامات اليورانيوم، في مناطق متعددة من أراضيه ضمن برنامجه النووي. وتهدف المملكة لتغطية احتياجاتها من الطاقة، واكتساب التكنولوجيا النووية لتوليد الطاقة وتحلية المياه. ويقول الخبراء أن الطاقة النووية تعتبر متممة لخليط الطاقة الإجمالي في المملكة، لا سيما وأنها تشكل واحد من الخيارات المفتوحة لإمدادات الكهرباء المستمرة.
أمن الطاقة أساسي في العالم الحديث. وتعتمد الاقتصادات المعاصرة على إمدادات طاقة ثابتة وبأسعار معقولة لتلبية احتياجات النقل والكهرباء والتدفئة / التبريد. هذا الاعتماد يجعل أمن الطاقة أمر حيوي للازدهار الاقتصادي ورفاهية مواطني الدولة. وقد جعل الاعتماد على الطاقة المستوردة الأردن عرضة لعدم الاستقرار السياسي مع عواقب اقتصادية وخيمة. ويكافح الأردن كغيره من الدول غير المنتجة للنفط في الشرق الأوسط من أجل أمن الطاقة ، والذي بدوره قد يخلق فرصة لتطوير الطاقة المتجددة وتوفير استقرار الطاقة على المدى الطويل.
(إعداد: محمد طربيه أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري)
(للتواصل: ياسمين صالح، yasmine.saleh@refinitiv.com)
تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي من الأحد للخميس وتستخدم لغة عربية بسيطة.
© ZAWYA 2020
بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام