ألقت وزارة الداخلية المصرية في الشهرين الماضيين القبض على نحو 400 شخص حققوا مكاسب غير شرعية من المتاجرة بالعملات الأجنبية وأسعار الصرف وصلت قيمتها إلى قرابة 4.12 مليون دولار، بحسب محضر تحقيقات ضبطتها وزارة الداخلية المصرية مؤخرا واطلعت " زاوية عربي" على جانب منها.

"في آخر شهرين فقط قبضنا على حوالى 400 متهم يتاجرون في العملة في السوق السوداء، وتحفظنا على نحو 22 مليون جنيه (1.12 مليون دولار)  و3 مليون دولار حصيلة تلك الجرائم،" بحسب ما كشف عنه اللواء شريف فيصل مدير مباحث الأموال العامة بالقاهرة لموقع "زاوية عربي".

وأضاف: "مع عودة السوق السوداء للدولار في الفترة الأخيرة وجهنا حملات مكثفة لمنع انتشار تلك الظاهرة التي تؤثر على الاقتصاد المصري ويعاقب عليها القانون، ونحذر المواطنين من الوقوع في تلك الجريمة لأنه بخلاف أنها ضد القانون فإن عمليات نصب وابتزاز كثيرة يتعرض لها الأهالي من تجار العملة وفى النهاية تضيع أموالهم". 

يسجل متوسط صرف سعر الدولار في مصر اليوم – الخميس 6 أكتوبر- بين 19.61 جنيه (0.99 دولار) للشراء، و19.67 جنيه (1 دولار) للبيع وذلك في البنوك ومكاتب الصرافة، في الوقت الذي يصل فيه متوسط سعر تغيره في السوق السوداء إلى نحو 23 جنيه (1.17 دولار).

حملات وزارة الداخلية

كشف ضابط بإدارة مباحث الأموال العامة – طالبا عدم ذكر اسمه – عن "اصطياد" تجار العملة للراغبين في صرف العملة الأجنبية اذ يقفون أمام البنوك ومكاتب الصرافة ويعرضون عليهم صرفها بسعر أكبر من سعر البنك ويلقى ذلك استحسان كونه يعود على الأهالي بعائد أكبر. 

وأضاف الضابط الذي يعمل في حملات ضبط المتهمين بالاتجار في العملة: " أيضا صفحات الفيسبوك تساعد في انتشار السوق السوداء، لكن عدد كبير من الأهالي يتعرضون للنصب  من تجار العملة".

وأكد أن الحملات الأمنية توصلت إلى غلق 16 مكتب صرافة ثبت تورطها بالاتجار بالعملة عن طريق قيام القائمين بتلك المكاتب بتغيير العملة خارج الاطار الرسمي الذي نص عليه قانون البنك المركزي.

جرم القانون الاتجار في العملة الصعبة خارج الإطار القانوني المحدد، ووضع عقوبات رادعة لذلك، حيث نص القانون على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المُعتمدة أو الجهات التي رُخص لها في ذلك. 

اعترافات تجار العملة  

أمام جهات التحقيق اعترف عدد من المتهمين المقبوض عليهم في تلك القضايا بقيامهم بصرف الدولار للمواطنين بأسعار تراوحت ما بين 21 و23 جنيه للدولار الواحد في حالة البيع و24 جنيه عند الشراء. 

وكشف بعض المتهمين في التحقيقات عن إنشاء صفحات بأسماء وهمية عبر الفيسبوك للوصول إلى الراغبين في صرف الدولار في السوق السوداء. 

وقال أحد المتهمين في محضر التحقيقات الذي اطلع عليه موقع زاوية عربي: " علشان إحنا عارفين أن مباحث الأموال العامة كانت تراقب تلك الصفحات على الفيسبوك كنا نأخذ حذرنا أثناء التحدث مع الراغبين في تغيير العملة، مثل الاطلاع على الصفحة التي يتحدث منها، ونطلب منه ارسال رقمه للتواصل بعيدا عن الفيسبوك، ثم نغير مكان المقابلة لتجنب الوقوع في يد المباحث".

بعض الأسباب

يرى محمد أبو زيد، الخبير المصرفي والمدير السابق بأحد البنوك الكبرى المصرية، أن أزمة السوق السوداء تظهر كلما توقفت المصارف الرسمية عن توفير الدولار.

 وقال لموقع زاوية عربي "مع استمرار تأخر البنوك في تلبية احتياجات العملاء من الدولارات، فإن الأفراد والمستوردين يلجؤون إلى السوق السوداء لتلبية احتياجاتهم وهذا يحدث مع أي سلعة عندما تنقص يزيد سعرها". 

وأضاف أبو زيد : "التقارير الدولية المتداولة عن توقع خفض كبير في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، للحصول على القرض الذي طلبته مصر منه، وتوقعات عدد من المؤسسات بانخفاضه بحلول نهاية العام الجاري وخلال العام المقبل، والفارق الكبير بين سعر الصرف السائد بالبنوك والسعر الآجل للجنيه المصري بالأسواق الدولية تزيد من نشاط السوق السوداء".
 
تسلسل تواريخ، بحسب مساعد وزير الخارجية الأسبق  

قال السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ " زاوية عربي" إن مصر مرت بفترات اقتصادية صعبة منذ العدوان الثلاثي عام 1956 وتجميد أرصدة العملات الأجنبية لمصر بالخارج والحاجة لتمويل برنامجها الصناعي والزراعي.

وكذلك عام 1962 بعد استنزاف احتياطي عملاتها بدفع تعويضات التأميم، وتعويضات لحكومة السودان بسبب إنشاء السد العالي والحاجة لتمويل الخطة الخمسية الأولى، بحسب بيومي.

وأكمل بيومي "أبضا بعد حرب 1967 وما تلاها من حرب الاستنزاف فقد شهدت مصر نقص شديد في العملات الأجنبية، مما دفع للجوء للاستيراد بدون تحويل عملة من قبل البنوك، لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي المحدود، مما أنعش السوق السوداء لتلبية احتياجات تلك الواردات، ومنذ ذلك الحين أصبحت السوق السوداء واقع مصري مستمر".

وأضاف أنه مع استمرار مشكلة نقص العملات الأجنبية في الفترة بين حربي 1967 و1973، اتسع نشاط السوق السوداء بعد حرب 1973 وحتى 1978، حين تم توحيد سعر الصرف مع قرض من صندوق النقد، لتنشط مرة أخرى حتى عام 1987 حين تم تهدئة النقص من العملات بقرض من الصندوق، لتنشط مرة أخرى حتى عام 1991 وتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. 

وأشار بيومي إلى أنه مع تداعيات أزمة "النمور الآسيوية" المالية عام 1997، عادت السوق السوداء حتى عام 2005  حيث استقرت أسعار الصرف حتى العام الأخير للرئيس مبارك. 

لكن عاد نشاط السوق السوداء منذ 2011 وحتى النصف الأول لعام 2017، بعد تحرير سعر الصرف نوفمبر 2016 - في أعقاب الأزمة الاقتصادية بعد عزل الجيش لجماعة الإخوان المسلمين بعد مظاهرات حاشدة ضدها - الذى أدى إلى تراجع السوق السوداء بشكل كبير لتظهر من جديد منذ منتصف هذا العام بسبب شروط صندوق النقد الدولي والحالة الاقتصادية التي يمر بها العالم، وفقا لـ بيومي. 

 

(إعداد: أحمد حسن، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا