PHOTO
شهد كريدي سويس، أحد أكبر البنوك في العالم، العديد من الفضائح الكبرى منذ أوائل عام 2021 أدت إلى خسائر بمليارات الدولارات للبنك ومستثمريه، تراجع معها سعر السهم بشكل كبير، وانخفضت قيمته السوقية بما يزيد عن 50%.
خشي البعض أن يكون البنك على حافة الانهيار. ونظرا لحجم البنك ودوره المالي العالمي، يستذكر هؤلاء فشل ليمان برذرز (Lehman Brothers) واخفاقه عام 2008، والدور الذي لعبه ذلك في الازمة المالية الكبرى لذلك العام.
عكس توقعات السوق المتشائمة، يصر كريدي سويس، على إنه في وضع مالي مستقر. وبالفعل أعلن البنك عن الانتهاء من جمع 4 مليار فرنك تمهيدا لإعادة هيكلة عملياته التي أشار البنك الأهلي السعودي في 11 نوفمبر على أنه من الداعمين لها.
وأعلن البنك السعودي في 11 ديسمبر عن الانتهاء من المشاركة في زيادة رأس مال كريدي سويس باستثمار بلغ 1.396 مليار فرنك سويسري تعادل نحو 5.5 مليار ريال سعودي ليصبح مالكا لحصة 9.88% من رأس مال كريدي سويس.
عقود من النجاح والتوسع، ثم فضائح
بدأ بنك كريدي سويس في عام 1856 وأصبح لاعب رئيسي في الاكتتاب والقروض المشتركة السويسرية، وعلى مر العقود، توسع البنك من خلال عمليات الدمج والاستحواذ.
بحلول عام 2006، كان البنك يقدم على مستوى العالم الخدمات المصرفية الخاصة والخدمات المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول.
لم يكن 2021 و2022، جيدين للبنك اذ تعرض لسلسلة من الفضائح أثرت على أعماله وخفت ثقة المستثمرين وانخفضت قيمة أسهمه.
في مارس من العام 2021، وبحسب فوربس، خسر عملاء كريدي سويس حوالي 3 مليار دولار من استثماراتهم مع البنك بعد فشل شركة جرينسيل كابتل البريطانية (Greensill Capital) التي تركز على تمويل سلسلة التوريد وحسابات القبض. كان البنك قد استثمر حوالي 10 مليار دولار في منتجات الشركة عبر مجموعة من القروض وعمليات التوريق.
بعد شهر من خسائر جرينسيل، وبحسب فوربس أيضا خسر كريدي سويس حوالي 4.7 مليار دولار بسبب استثماراته مع Archegos Capital، التي تكبدت خسائر تصل إلى 20 مليار دولار في غضون أيام قليلة. قام البنك بعدها بإقالة سبعة على الأقل من المدراء التنفيذيين.
ثم في فبراير 2022، سُربت تفاصيل 30 ألف حساب لعملاء يمتلكون أكثر من 100 مليار فرنك سويسري إلى صحيفة ألمانية كبرى.
وشملت التسريبات روايات لأشخاص متورطين في الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والتعذيب واتُهم البنك بالتورط في غسل الأموال. كانت هذه أول محاكمة جنائية لبنك كبير تحدث في سويسرا.
أُدين البنك في يونيو، ودفع غرامة 1.7 مليون يورو، بالإضافة إلى 15 مليون يورو للحكومة السويسرية، وقال البنك بعدها انه يخطط للاستئناف.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فرضت سويسرا عقوبات على روسيا. ردا على ذلك، وبحسب تقارير إعلامية، طلب البنك من صناديق التحوط والمستثمرين إتلاف المستندات التي تربط كبار العملاء الروس بالبنك، وأدى ذلك إلى تحقيقات في امتثال البنك لمتطلبات العقوبات.
بعد هذه السلسلة من الفضائح، انخفض سعر سهم البنك من مستوى 19.34$ في اول يناير 2018 إلى 3.92$ في 1 سبتمبر 2022. وقد أدى ذلك إلى انخفاض قيمته السوقية بأكثر من 50%.
ترافق ذلك مع ارتفاع معدل مقايضات التخلف عن سداد الديون على ديون البنك هذا العام، حيث ارتفع من أقل من 1% إلى ما يقرب من 6%. تشير هذه المعدلات المرتفعة إلى أن السوق يشعر أن الإفلاس هو السيناريو المرجح.
بالرغم من كل ما حدث ما زال البنك يصر على إنه في وضع مالي قوي ولديه "قاعدة رأسمالية قوية ومركز سيولة"، ويتخذ خطوات لتحسين أدائه أكثر وإظهار هذه القوة للمستثمرين الخارجيين. فعلى سبيل المثال، عرض البنك إعادة شراء 3 مليارات دولار من سندات ديونه. كما عرض فندق سافوي الواقع في زيورخ للبيع للمساعدة في زيادة رأس المال الإضافي. نتيجة لذلك، تحسن سعر أسهم البنك قليلا وبلغ 4.63$ بإغلاق تداول 11 نوفمبر 2022.
وفي الثاني من نوفمبر، قال البنك الاهلي السعودي، إنه جمع حوالي 1.5 مليار دولار مقابل حصة تقدر 9.9% من البنك السويسري العريق، في خطوة تشبه ما فعله وارين بافيت مع غولدمان ساكس عام 2008.
يعتبر المستثمرون السعوديون انهم حصلوا على صفقة ممتازة بسعر سهم منخفض جدا، حيث قدر البنك السعودي القيمة السوقية للبنك السويسري بربع القيمة الدفترية للأصول الحقيقية.
ولربما يراهن البنك السعودي على التحول الاستراتيجي المتوقع. مع تعهد البنك بإعادة هيكلة جذرية لذراعه الاستثماري، وخفض تعرضه بشكل كبير للأصول المرجحة بالمخاطر، والتي تستخدم لتحديد متطلبات رأس المال للبنك، بالإضافة إلى خفض قاعدة التكلفة بنسبة 15% بحلول عام 2025، من الممكن ان يعود البنك السويسري إلى الربحية والاستقرار.
فضلا عن ذلك، يعتبر المستثمرون السعوديون أن اقسام البنك الأخرى، كتجارة التجزئة، وإدارة الأصول، وإدارة الثروات ما زالت تقدم عوائد مستدامة ومستقرة يمكن التنبؤ بها، بحسب رئيس مجلس إدارة البنك السعودي في مقابلة إعلامية.
وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال في 5 ديسمبر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من بين المهتمين بالاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الجديدة في بنك كريدي سويس السويسري.
كذلك تداولت تقارير إعلامية نية هيئة الاستثمار القطرية الاستثمار في البنك ما قد يرفع نسبة استحواذ المستثمرين الشرق أوسطيين إلي حوالى ربع الأسهم المتداولة.
تعتبر الخطوة السعودية جريئة جدا، وخاصة انها معاكسة لتوقعات السوق. إلا إنها قد تثبت أنها مجزية جدا إذا ما تمكن كريدي سويس من استعادة صورته القديمة المحافظة والجذابة في المصارف السويسرية. أما في حال لم يتمكن البنك السويسري من إعادة هيكلة ذراعه الاستثمارية بنجاح، فإن الخسائر السعودية ستكون مرتبطة باستراتيجية إدارة المخاطر المتبعة على غرار صفقة بافيت مع غولدمان ساكس عام 2008.
(إعداد: محمد طربيه، أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)
#مقالرأي
(للتواصل zawya.arabic@lseg.com)