PHOTO
يقول المثل الصيني "أفضل وقت لزراعة شجرة هو قبل 20 سنة وثاني أفضل وقت هو الآن".
والسؤال هنا: إذا عثرت على آلة الزمن ورجعت بها إلى الماضي، هل كنت ستزرع شجرة؟
عندما طرحت هذا السؤال على مجموعة من الأصدقاء، تمنى معظمهم لو عاد بهم الزمن إلى ما قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016، بالتأكيد ليس لزراعة شجرة وإنما لإقتناء ذهب، عقار، أو حتى سيارة، وغيرها.
عودة إلى الماضي (فلاش باك)
عادت بي الذاكرة إلى أكثر من ستة أعوام وتحديدا في مايو 2016 مسترجعا صور الزحام الشديد لعدد كبير من العملاء يقفون في صفوف الانتظار أمام مقر إحدى شركات التطوير العقاري لحجز شقق سكنية في أول يوم طرح لمشروع جديد بشرق القاهرة.
الحدث الذي أثار وقتها جدل بشكل كبير بين المصريين متعجبين كيف يتزاحم هذا العدد لشراء شقة غالية جدا بسعر 7,000-8,500 جنيه للمتر، أو ما يعادل 1.2 مليون جنيه لشراء شقة بمساحة 140 متر. فلم يكن معتادا أن تسمع رقم مليون جنيه كسعر شقة، لدرجة أن البعض اعتبر ذلك مؤشر على وجود فقاعة عقارية بالسوق المصري.
لم تمر أشهر معدودة بعد هذا الحدث إلا وقد انخفض الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم في مصر، وقفزت أسعار العقارات بنسبة 30% تقريبا ليصل سعر متر الوحدة المشار إليها أعلاه إلى 11,000 جنيه في 2017، ثم أكثر من 17,000 جنيه في 2021، أي بنسبة نمو سنوي مركب خلال 5 سنوات (2016-2021) بلغت 15%، مقابل متوسط نمو سنوي مركب خلال نفس الفترة بلغ 10% لمعدلات التضخم و14% لسعر الدولار أمام الجنيه المصري. هذا بخلاف ما يحققه العقار من عائد إيجاري في حالة الشراء بهدف الاستثمار.
يبدو أن هؤلاء العملاء جاءوا لنا بآلة الزمن من المستقبل إلى ما قبل التعويم. ولم لا؟ فالعقار في حد ذاته هو آلة زمن تنقل لنا الماضي وترسم لنا المستقبل. ألم ويلقي البعض اللوم على أجداده لعدم شراء عقار في الماضي؟ فالعقار يخبرنا بأنه الملاذ الآمن للتحوط من التضخم وأي إنخفاض مرتقب في العملة. وهو ما شهدته مصر قبل التعويم في 2016 من عدم استقرار سعر الصرف أدى إلى ظهور سوق موازي للعملة، أو ما يعرف بالسوق السوداء، وارتفاع في معدلات التضخم.
لذلك نجد أن أكبر 6 شركات عقارية مدرجة بالبورصة المصرية قد نجحت في إطلاق مراحل ومشروعات جديدة حققت من خلالها زيادة كبيرة في مبيعاتها (التعاقدات والحجوزات) خلال عامي 2016 و 2017 بنمو سنوي بلغ 26% و 38%، على التوالي، مدفوعاً بزيادة الوحدات المباعة وأسعار البيع، مع تقديم تسهيلات أكبر في السداد بالطبع نتيجة ضعف القوة الشرائية للمستهلكين.
واستمرت مبيعات تلك الشركات في النمو خلال عامي 2018 و 2019 ولكن بوتيرة أقل، بالتزامن مع ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية. حتى جاءت جائحة كورونا (كوفيد-19) لتتباطئ مبيعاتها وتسجل تراجع طفيف خلال 2020 كأول تراجع منذ 2011، نتيجة الإغلاق الجزئي الذي شهدته مصر.
ما أشبه اليوم بالبارحة!
في يونيو 2021، عاد الجدل مرة أخرى مع طرح مشروع جديد بشرق القاهرة من قبل أحد أكبر مطوري القطاع الخاص بأسعار شقق تصل إلى 30,000 جنيه للمتر مع تسهيلات للسداد على 15 سنة. حيث شهد المشروع إقبال كبير من العملاء وحقق مبيعات بقيمة 15 مليار جنيه خلال أول ثلاثة أسابيع من الطرح.
كما وصل مجموع مبيعات أكبر 6 شركات عقارية مدرجة إلى أعلى مستوياتها تاريخيا عند 91.3 مليار جنيه في 2021، بنسبة نمو 46% على أساس سنوي، ونمو سنوي مركب خلال 5 سنوات (2016-2021) بلغ 22%.
الجدير بالذكر أن عام 2021 شهد ارتفاعات في أسعار مواد البناء ومعدلات التضخم عالميا بسبب أزمة سلاسل الإمداد. ومازاد الطين بلة كان اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في بداية 2022.
الأمر الذي أدى إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم عالميا. كما شهد الجنيه المصري انخفاضا أمام الدولار الأمريكي مع وجود ترقب للمزيد من الانخفاض. وهو ما ساهم في تحقيق الشركات المذكورة لمبيعات قوية خلال النصف الأول من 2022.
وهنا لا يفوتني الإشارة إلى حالة أخرى من الجدل شاهدناها في يوليو السابق نتيجة إقبال عدد كبير من المشترين على طرح إحدى الشركات الكبرى لمشروعها بالساحل الشمالي بأسعار شاليهات/فيلات تبلغ عشرات الملايين من الجنيهات.
أخيرا وليس آخرا، إذا كان العقار بالنسبة للمصريين بمثابة ملاذ آمن ومخزنا للقيمة، فهذا لا ينفي وجود مخاطر مرتبطة بالاستثمار العقاري، مثل مشاكل الإدارة والتسييل. ولما كان العقار أساسيا لقطاع الإسكان والقطاعات الاقتصادية المختلفة كالصناعة، السياحة، الصحة، التعليم، وغيرها، فلابد من وجود عدد من صناديق الاستثمار العقاري المدرجة بالبورصة تساهم في تعظيم العائد من الاستثمار العقاري، الحد من مخاطره، ودعم خطط التنمية. فتلك هي الشجرة التي يجب أن نبدأ في زراعتها الآن.
(إعداد: محمود جاد، محلل مالي بسوق المال وكاتب اقتصادي بزاوية عربي)
#مقالرأي