PHOTO
في ضوء تصريحات السيد رئيس الجمهورية خلال المؤتمر الوطني للشباب الأربعاء الماضي والتي أشار فيها إلى خطورة التبعات الاجتماعية لشروط صندوق النقد الدولي و بخاصة قرار تحرير سعر الصرف، من المرجح أن يعتمد قرار المركزي القادم بنسبة 100% تقريبا على قرار سياسي سواء المضي قدما في برنامج صندوق النقد الدولي أو تأجيله أو الخروج منه.
وإذا قررت مصر تأجيل أو الخروج من الاتفاق مع صندوق النقد فمن الممكن جدا ألا تكون الدولة العربية الوحيدة التي تفعل ذلك، حيث يمكن أن تتشجع دولة مثل تونس مثلا لفعل المثل خصوصا بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت للصندوق من رئيسها قيس سعيد وعدد من الأحزاب هناك ومع صعود نجم تجمع البريكس بعضوية الصين والذي يُطرح كبديل مستقبلي لصندوق النقد الذي تهيمن عليه أمريكا.
وفي ظل هذا الوضع العالمي الجديد، ما هي الاحتمالات التي من المرجح أن توضع على الطاولة أمام أعضاء لجنة السياسة النقدية في المركزي المصري الخميس القادم؟
الاحتمال الأول: رفع الفائدة بنسبة 2% على الأقل
قد أصبح جليا للجميع أن صندوق النقد الدولي يطلب من مصر تحرير كامل لسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار (full-fledged free float) و ليس تحرير مدار (managed float) و لا سعر صرف مثبت يتم تعديله بين الحين والآخر (crawling peg).
وبالتالي، فالتزام مصر بالبرنامج بشكل حرفي سيؤدي إلى صدمة سعرية حادة - وهو ارتفاع حاد في الأسعار خلال فترة زمنية قصيرة - خاصة في أسعار السلع والخدمات المحددة إداريا مثل الوقود والدواء والكهرباء.
وهنا يأتي دور المركزي.
فالبرغم أن طبيعة الصدمة السعرية الناجمة من جانب العرض ليس تحت سيطرة المركزي المباشرة، إلا أن رفع أسعار الفائدة في هذه الأثناء سيحول دون تطور "الصدمة السعرية المؤقتة" إلى "تضخم مستدام".
وبالتالي، في حال اختيار برنامج الصندوق كإطار للإصلاح الاقتصادي، سيكون من الحتمي رفع أسعار الفائدة بنسبة لا تقل عن 2% هذا الشهر ليصل متوسط الكوريدور إلى قرابة ال 21%.
الاحتمال الثاني: تثبيت سعر الفائدة
أما إذا اختارت الحكومة المصرية تأجيل الإصلاح إلى العام القادم أو إلغاءه مع السيطرة على سعر الصرف من خلال زيادة التدفقات الدولارية من موارد مختلفة مثل بيع حصص في شركات حكومية، استخدام قيود إدارية لتحجيم الواردات وتوجيه ما توافر من حصيلة دولارية لتمويل السلع الأساسية و سداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، فسيبقي المركزي على أسعار الكوريدور بدون تغيير خاصة أن لديه ما يدعمه من البيانات التاريخية (backward looking data).
فالبرغم من ارتفاع معدل التضخم الأساسي في شهر مايو إلى 40.3%، إلا أن بيانات النمو في السيولة المحلية المقومة بالجنيه المصري مازالت تشير إلى تباطؤ حاد نتيجة لقرارات تشديد السياسة النقدية المتعددة منذ مارس 2022.
فبعد ان اقتربت نسبة النمو السنوي في السيولة من حوالي 23% في سبتمبر 2022، بلغت نسبة النمو السنوي 17% طبقا لأخر بيانات متاحة في شهر أبريل 2023. وهذه النسبة تقارب كثيرا النسبة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي وهي قرابة ال15% خلال الأربع سنوات القادمة.
ثانيا، ما زالت البيانات الواردة من أكبر الاقتصادات استهلاكا للسلع الأولية - الصين - تشير إلى ترنح الاقتصاد الصيني نتيجة أزمة القطاع العقاري و الذي يمثل قرابة 25% من حجم الاقتصاد بصورة مباشرة و غير مباشرة. وبالتالي، فإن أسعار السلع - وعلى رأسها البترول - بدأت في الهبوط مما يقلل كثيرا من وطأة الضغوط التضخمية على مصر ودول شمال إفريقيا على وجه العموم.
ثالثا، ستتنفس الدول الناشئة ومنها مصر الصعداء بعدما أبقى الفيدرالي على نسبة الفائدة بدون تغيير في اجتماعه الأخير الأربعاء الماضي بعد قرابة العام من التشديد المتوالي. وهذا بعد أن تهاوت معدلات التضخم السنوية في أمريكا إلى 4% في شهر مايو وهي أدنى نسبة سنوية منذ حوالي عامين.
ما المتوقع؟
بناء على ما سبق، فقرار المركزي بالتثبيت قد يبدو القرار الأقرب طبقا للوضع الراهن والتفاصيل السابق ذكرها.
و لكن البيان الوحيد الذي قد يدعوه إلى الرفع - وبنسبة لا تقل عن 2% - لن يكون مبني على بيانات إحصائية أو أرقام التضخم هذه المرة وإنما بيان صحفي قد يصدر في أي لحظة من الحكومة المصرية و/أو صندوق النقد الدولي مقررا مصير قرض ال3 مليار دولار.
(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي و محاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة)
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)
#مقالرأي