PHOTO
يشير مصطلح تمويل التغيرات المناخية إلى الموارد المالية والاستثمارية التي يتم توجيهها إلى أي مشروعات أو أنشطة تحاول تخفيض آثار التغير المناخي أو دعم المجتمعات المتضررة منها. تتبنى المؤسسات الدولية والحكومية، بل وأحيانا القطاع الخاص والمجتمع المدني، هذا التوجه الداعم للاقتصاد الأخضر عن طريق صناديق أو مبادرات تمويلية. وتقوم تلك الكيانات المطورة بتنفيذ مشروعات تخفض من انبعاثات الكربون مثل محطات الطاقة المتجددة والزراعة الذكية وحلول البنية التحتية الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى بناء القدرات ورفع مستوى الوعي لدى صناع القرار وأصحاب المصلحة.
إلا أن قيمة ذلك التمويل المطلوب لمكافحة الظاهرة لا تزال محل تساؤل. حيث أكدت أبحاث برنامج الأمم المتحدة للبيئة سابقا أن تدفقات التمويل الدولي للتكيف للدول النامية تقل بخمسة إلى عشرة أضعاف عن الاحتياجات المقدرة، وستكون هناك حاجة إلى أكثر من 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
انتعشت الحاجة العالمية لصناديق التمويل المناخي مع التيقن من وجود التغيرات المناخية، التي عانى العالم من ناكريها حتى تم إثباتها بما لا يقبل الجدل بصورة علمية. ومع تزايد أعداد وأحجام الكوارث البيئية المتصلة بظاهرة الاحتباس الحراري، مثل ما حدث في مدينة درنة الليبية العام الحالي وباكستان العام الماضي، أصبح من الضروري توفير المزيد من المساعدات المادية اللازمة لمجابهة تلك الكوارث ومعالجة نتائج التصدير غير المسؤول من الدول الصناعية الكبرى للانبعاثات.
كما برز مؤخرا الاهتمام الإعلامي العربي بالتمويل المناخي مع بداية تحول بعض دول المنطقة إلى الاهتمام بالبيئة في مشروعاتها، خاصة في مصر والإمارات والسعودية. إذ أن التمويلات المطلوبة لإطلاق هذه المشروعات اُعتبرت تحدي للحكومات المسؤولة عنها، بعدما اتخذت العديد من الدول العربية التزامات لتقليل انبعاثات الكربون وزيادة استخدام الطاقة المتجددة. بعض تلك الدول أنشأت صناديق خاصة لتمويل مشاريع التغير المناخي وتشجيع الابتكار والاستدامة. كما تم بدء تدشين منصات تداول أرصدة الكربون بعد تأخر طال عقود من الزمن في المنطقة العربية.
صندوق المناخ الأخضر (GCF)
يعتبر ذلك الصندوق واحد من أهم أدوات التمويل المناخي في العالم. أُنشئ في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ككيان تنفيذي لآليات التمويل بهدف توفير المساعدة للدول النامية في مشروعات التكيف لمواجهة تغير المناخ.
تتحمل الدول الصناعية والأغنى مسؤولية توفير التمويلات المطلوبة عبر هذا الصندوق، كونها المسؤولة عن معظم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. تم إنشاء الصندوق في عام 2010 استنادا لما تم الاتفاق عليه في قمة المناخ بكوبنهاجن ليستقر مقره في كوريا الجنوبية. كان الهدف آنذاك هو تجميع 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 لتمويل مشاريع التكيف والتخفيف في البلدان النامية. إلا أن هذا الهدف لم يتحقق، إذ جمع الصندوق في جولته الأولى من تعبئة الموارد، في الفترة من 2020 إلى 2023 -وفق الأمم المتحدة- 12.8 مليار دولار.
كما أن الرقم المطلوب تجميعه لا يعد كافي وحده لمجابهة آثار التغيرات المناخية كلية. يُذكر أن كارثة فيضانات باكستان وحدها بعام 2022 وصلت خسائرها الاقتصادية في بعض التقديرات إلى 30 مليار دولار.
رغم أهمية هذا الصندوق ومساعداته، إلا أن الانتقادات طالته بعدما أثيرت العديد من الأسئلة حوله عن كيفية جمع الأموال ودور القطاع الخاص ومدى شفافية عملياته، إذ تنادي العديد من الدول النامية والمنظمات غير الحكومية بالتركيز على تمويل البلدان الفقيرة التي تواجه صعوبات في مجابهة التغيرات المناخية.
صناديق الاستثمار المناخية
تأسست صناديق الاستثمار المناخي عام 2008 من أجل تمويل المشروعات التي تكافح آثار تغير المناخ، وذلك من خلال مساهمات 14 دولة مانحة. تدعم الصناديق حاليا حوالي 350 مشروع في 72 دولة مختلفة ذات دخل منخفض ومتوسط، وذلك بالتعاون مع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى 6 بنوك تنموية كبرى متعددة الأطراف.
أتاحت هذه الشراكات في تنفيذ التمويل المناخي توفير أكثر من 60 مليار دولار للمشروعات المقامة. وتتم مراقبة كل هذه التمويلات بواسطة هيئة إدارية تمنح سلطات رقابية متساوية ومحايدة لكل من الدول المانحة والأخرى المستفيدة. كما تسمح بإتاحة متابعة رسمية لتمثيل شركات القطاع الخاص والمجتمع المدني، بل وأصحاب المصلحة من المواطنين المستفيدين من المشروعات.
في شهر يونيو 2019 قررت هيئة إدارة الصناديق أن يكون البنك الدولي هو الوصي على الصناديق بما فيها صندوق التكنولوجيا النظيفة وصندوق المناخ الاستراتيجي. ويعتبر هذان الصندوقان من أكثر صناديق الاستثمار طموحا في توفير التمويل الأخضر.
يدعم صندوق المناخ الاستراتيجي برنامج التجربة لتعزيز المرونة المناخية وهو أول برامج الصندوق. ويسعى البرنامج لاستكشاف أكثر الطرق عملية لدمج المرونة المناخية في التخطيط وذلك بما يتوافق مع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف رقم 1 المتعلق بتخفيف حدة الفقر. وبدأت المرحلة الأولى بالسعي للعمل في 11 دولة ومنطقة تجريبية في مجالات الاستثمار في القطاعات المخفضة للانبعاثات، لاسيما تلك المتعلقة بزيادة الفرص والحلول الاقتصادية الجديدة لتوليد الطاقة ونقلها بصورة نظيفة إلى السكان والمصانع.
نماذج أخرى لمشروعات تمويلية عالمية
مع استحواذ أزمة التغيرات المناخية على نصيب الأسد في أولويات دول العالم حتى نهاية القرن الحالي، تزايدت معدلات إطلاق صناديق ومبادرات تمويل التغير المناخي. وبعد عقود من الضغط من قبل الدول النامية المُعرضة للتغير المناخي تم إنشاء صندوق لخسائر وأضرار التغير المناخي. وصندوق الخسائر والأضرار الذي تم اقتراحه في مؤتمر الأطراف بشرم الشيخ المصرية عام 2022 واحد من أشهر صناديق تمويل التغير المناخي في الوقت الحالي.
يهدف الصندوق إلى توفير المساعدة المالية للدول الأكثر ضعفا وتأثرا بتداعيات التغير المناخي. وعلى الرغم من الترحيب العالمي بالقرار التاريخي، إلا أن عملية الإطلاق تعد شاغل أساسي أثناء قمة المناخ بالإمارات "كوب 28"، حيث سيتوقف النجاح على مدى سرعة اعتماد آلية تمويل هذا الصندوق بواسطة ممثلين عن 24 دولة لاتخاذ قرار بشأن شكل الصندوق والدول التي يجب أن تساهم فيه وأولوية استهداف المشروعات.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك أيضا صندوق الاستثمار الأخضر الأوروبي (EGIF)، الذي يستهدف تمويل مشاريع التغير المناخي في دول الاتحاد الأوروبي. ويعتبر الصندوق شريك استراتيجي له قصص نجاح عدة مع الشركات والحكومات والمؤسسات الأوروبية في تمويل وتنفيذ مشاريع التكيف والتخفيض من التأثيرات السلبية للتغير المناخي.
صناديق تمويلية عربية
على المنوال نفسه، اتجهت بعض الدول العربية إلى تشجيع المشروعات البيئية داخل حدودها. وهو ما دفعها إلى تطوير سياسات مستحدثة لإنشاء صناديق تمويلية وطنية تدعم الأنشطة الخضراء. يعتبر صندوق "مصدر" الإماراتي واحد من تلك الصناديق التي تشمل أنشطتها دعم الاستثمار العقاري الأخضر، فضلا عن دعم مشروعات الطاقة المتجددة وتفعيل منصة رائدة لتمويل وتنفيذ مشروعات تطبق فكر الاستدامة. كما يركز الصندوق على تطوير وتجربة التقنيات الجديدة وتشجيع الابتكار.
وفي الأردن، تم إنشاء صندوق تشجيع الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة (JEEERF)، بالإضافة إلى إعادة توجيه المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية (JEDCO) إلى تمويل المشروعات التي تصب بصورة مباشرة في الاقتصاد الأخضر وخاصة قطاع الطاقة.
ومع زيادة حصة المشروعات الخضراء بالمنطقة، قررت المؤسسات التمويلية الدولية هي الأخرى إطلاق مبادراتها التمويلية الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال، تبنت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) برنامج الطاقة المستدامة (SEF MENA) الذي انتهت مرحلته الثانية في عام 2020. استهدف البرنامج تحسين فرص التمويل والقدرة التنافسية من خلال العمل مع البنوك والمستثمرين في جميع أنحاء المنطقة.
يعد السوق العربي في مرحلة توسع واضحة من أجل استيعاب المزيد من التدفقات المالية لدعم مشروعاته الطموحة لمجابهة التغيرات المناخية من جهة، وزيادة المكاسب من جهة أخرى. ومن المتوقع أن تجتذب مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة والتحلية الاقتصادية والبدائل الخضراء للبناء وتدوير المياه والمخلفات النصيب الأكبر من المبادرات التي ستتطلب مزيدا من التمويل.
(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة)
#مقالرأي
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)