09 08 2017

مدينة الكويت، الكويت

عادة ما يُستخدم مصطلح "اصطدام السفن" في القانون البحري عندما يحدث تصادم مادي بين سفينتين يؤدي إلى وقوع حادث يسبب الضرر. يمكن أن يحدث اصطدام السفينة بين شيء متحرك، مثل سفينة، وبين شيء ثابت مثل الرصيف أو الهياكل العائمة مثل منصة الحفر البحرية.

عندما يحدث اصطدام السفن يتم مواجهة الطرفين بتقييم المخاطر، ولا سيما الخسائر في الأرواح وفقدان الأصول وما يترتب من أضرار على البيئة نتيجة لذلك.

يتم تنظيم مسؤولية اصطدام السفن في دولة الكويت بموجب القانون البحري الكويتي رقم 28 لسنة 1980 ("القانون البحري") والقانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 (القانون المدني الكويتي").

تنص المادة 227/1 من القانون المدني الكويتي على ما يلي:

"يخضع للمسؤولية أي شخص يتسبب بإلحاق الضرر بأي شخص آخر بسبب أفعاله الخاطئة ودفع التعويض بغض النظر عما إذا كان هو مرتكب الضرر أو محرضًا عليه".

ومن هنا، هناك ثلاث ركائز أساسية لتطبيق المسؤولية عن تصادم السفن في القانون الكويتي:

·         الفعل،

·         الضرر،

·         وجود علاقة سببية بين الفعل والضرر.

في حالة وقوع حادث تصادم بحري في الكويت توجد ثلاث ركائز يتعين أن تكون متوافرة لإجبار المدعي عليه على تعويض الطرف المتضرر. علاوة على ذلك، يتحمل الشخص المُطالب بالتعويضات عبء إثبات توافر هذه الركائز الثلاث ويتحمل المدعي عليه مسؤولية الأضرار الناجمة عن تصادم السفن.

ما المقصود بالتصادم؟

تٌعرف المادة 223 من القانون البحري التصادم على أنه:

1-    إذا وقع تصادم بين سفن تجارية، أو بين سفن تجارية ومراكب للملاحة الداخلية، يجب أن تسوى التعويضات المستحقة عن الأضرار التي تلحق بالسفن والأشياء والأشخاص الموجودين على ظهر السفينة طبقًا للأحكام الواردة في هذا الباب دون اعتبار للمياه التي حصل فيه التصادم.

2-    تسري الأحكام سالفة الذكر أيضًا-ولو لم يقع تصادم مادي- على تعويض الأضرار التي تسببها سفينة لسفينة أخرى، أو للأشياء، أو الأشخاص الموجودين على ظهر هذه السفينة، إذا كانت هذه الأضرار ناشئة عن حركة الأمواج بسبب قيام السفينة بمناورة أو الإخفاق في القيام بالمناورة أو عن عدم مراعاة القوانين واللوائح.

باختصار، يتم تعريف "التصادم البحري" بموجب القانون البحري الكويتي على أنه وقوع تصادم مادي بين جسمين عائمين (سواء كان ذلك التصادم ماديًا أو غير ذلك). تطبق قواعد التصادم عند حساب الأضرار الناجمة عن اصطدام سفينة بأخرى.

لقد ثبت بموجب السوابق القضائية أن قواعد التصادم مستبعدة في جميع الحالات التي تصطدم فيها السفينة بجسم ثابت مثل الرصيف؛ ومن المفترض أن يحدث الاصطدام بين جسمين عائمين وأن يكون واحدًا منهم على الأقل عبارة عن سفينة، بغض النظر عن حجمها ولا يهم إذا ما كانت السفينة متحركة أو راسية.

تساعد المواد 224 و225 و227 و228 من القانون البحري على تحديد المسؤولية الناشئة عن التصادم:

المادة 224: إذا نشأ التصادم عن قوة قاهرة، أو كان هناك شك حول أسبابه، يجب أن تتحمل كل سفينة ما أصابها من ضرر، ويسري هذا الحكم في حال كانت السفن أو إحداها راسية وقت التصادم.

المادة 225: إذا نشأ التصادم عن خطأ ارتكبته أي من السفينتين، يجب أن تلتزم هذه السفينة بدفع تعويضات عن الضرر الناشئ عن التصادم.

المادة 227: تسري المسئولية الواردة في هذا الباب إذا وقع التصادم بخطأ المرشد ولو كان الإرشاد إجباريا.

المادة 228: لا يجوز افتراض الخطأ فيما يتعلق بالمسئولية الناشئة عن التصادم.

يتضح من المواد المذكورة أعلاه في القانون البحري أن إثبات الخطأ يعد جوهريا؛ ويقع عبء إثبات الخطأ في الاصطدام على المدعي في الدعوي القانونية التي رفعها للمطالبة بالتعويض. يتعين على المدعي أن يثبت أن المدعي عليه قد خالف القواعد العامة لإثبات خطأ المدعي عليه سواء من خلال قيامه باتخاذ إجراءات خاطئة أو الإهمال في إتباع القوانين في دولة الكويت فيما يتعلق بتنظيم الملاحة في البحار؛ وعلاوة على ذلك، ينبغي على المدعي إثبات وجود صلة سببية بين الخطأ والأضرار المطالب بها.

أنواع الاصطدام

التصادمات الناجمة عن أسباب غير متوقعة أو مشكوك فيها:

لا تميز المادة 224 من القانون البحري بين الاصطدامات الناشئة عن أسباب غير متوقعة (مثل أفعال القضاء والقدر أو الحروب) والاصطدامات الناجمة عن "أسباب مشكوك فيها"؛ وطالما أنه لا يمكن تحديد السبب الدقيق في وقوع الاصطدام، سيعتبر الحادث قد وقع بسبب "أحداث القوة القاهرة".

يشمل الاصطدام الناجم عن أحداث القوة القاهرة أي حوادث غير متوقعة لا يمكن منعها والتي تتسبب في وقوع أضرار. في حالة أحداث القوة القاهرة، يتعين على المدعي عليه أن يثبت أنه لم يكن على خطأ وأنه قد اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الحادث في ظل ظروف هذا الحادث.

يعتبر التصادم قد وقع لأسباب مشكوك فيها عندما تري المحكمة أن البيانات المقدمة لشرح الاصطدام لا تثبت وجود أحداث القوة القاهرة، أو لا تثبت وجود خطأ من أي سفينة من السفن أو وقوع خطأ شائع تسبب في الحادث. في حالة "الأسباب المشكوك فيها"، تتحمل كل سفينة الأضرار التي لحقت بها كما لو كان الحادث قد وقع بالتحديد في حالة أحداث القوة القاهرة.

 

التصادمات الناجمة عن الأخطاء الفردية من إحدى السفن:

تنص المادة 225 من القانون البحري بشكل واضح على أنه إذا نشأ التصادم عن خطأ ارتكبته إحدى السفن، ففي هذه الحالة سوف تلتزم هذه السفينة بتعويض الطرف الآخر بسبب الضرر الناشئ عن التصادم. وعلاوة على ذلك، يتحمل الطرف المخطئ المسؤولية تجاه أي طرف ثالث ويكون مسؤولًا عن تعويض الطرف الثالث عن الأضرار التي وقعت بسبب السفينة التي تسببت في الاصطدام.

التصادمات الناجمة عن الأخطاء المشتركة:

تقاسم الضرر في حالة وقوع خطأ مشترك:

تنص المادة 226/1 من القانون البحري على أنه "إذا كان الخطأ مشتركًا يتم تقييم مسئولية كل سفينة بنسبة الخطأ الذي وقع منها، ومع ذلك إذا حالت الظروف دون تعيين نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة، أو إذا تبين أن أخطاءها متعادلة، وزعت المسئولية بينها بالتساوي".

عند صياغة المادة 226/1 من القانون البحري، يبدو أن المُشرع الكويتي قد قرر تحديد مسؤولية كل سفينة مشاركة في التصادم استنادًا إلى المبدأ القانوني على النحو المنصوص عليه في المادة 227/1 من القانون المدني الكويتي والتي تنص عله أنه يتحمل كل شخص مسؤولية الأضرار التي تسبب بها.

ومع ذلك، غالبًا ما يكون من الصعب تحديد المسؤولية في الحالات التي توجد بها أخطاء متعددة من جانب كل طرف من الطرفين في التصادم البحري؛ وقد يكون السبب في ذلك هو أن تكون جميع هذه الأخطاء قد تسببت مجمعة في وقوع الضرر أو أن خطأ معين قد تسبب في وقوع أعلي نسبة من الضرر عن الأخطاء الأخرى. يتطلب المبدأ القانوني في القانون الكويتي وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر وليس بين الخطأ والحادث مما أدي إلى وقوع الضرر. سوف تقرر المحكمة الكويتية تقسيم المسؤولية على كل طرف استنادًا إلى مدي خطورة الخطأ وسوف تدرس المحكمة كل خطأ وفقًا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية التي حددها القانون الكويتي.

تجدر الإشارة إلى أنه إذا أخفقت المحكمة في تحديد نسبة الأخطاء التي وقعت من كل سفينة، ولم تتمكن المحكمة من تحديد المسؤولية التي تتعلق بالخطأ المحدد والمساهمة في إحداث الضرر فسوف تخلص المحكمة إلى أن يتم تقسيم الحكم بالتعويض بالتساوي بين السفن.

مطالبة الطرف الثالث بالأضرار المادية الناجمة عن التصادم:

في حالة وقوع تصادم بحري يمكن أن يلحق الضرر بالشحنة أو الأمتعة التي تحملها السفينة، وتنص المادة 226/2 من القانون البحري على مسؤولية الطرف الثالث عن رفع دعوي مدنية.

تنص المادة 226/2 من القانون البحري على ما يلي: "تتحمل السفن التي اشتركت في الخطأ المسؤولية بالنسبة المشار إليها في الفقرة السابقة وبدون تضامن بينها، أمام الغير عن الأضرار التي تلحق بالسفن أو البضائع أو الأمتعة أو الأموال الأخرى الخاصة بالبحارة أو المسافرين أو أي شخص آخر موجود على السفينة".

وبالتالي، يتعين على الطرف الثالث التقدم بمطالبة التعويض الخاصة به عن الخسائر أو الأضرار التي لحقت بالشحنة أو الأمتعة فقط ضد شركة النقل وفقًا للشروط التعاقدية المتفق عليها بين الطرف الثالث وشركة النقل الفعلية. ليس للطرف الثالث الحق في رفع أي دعوي ضد السفن المشاركة في التصادم.

التعويض عن الإصابات الشخصية الناجمة عن التصادم:

تنص المادة 226/3 من القانون البحري على أنه "تقع المسئولية بالتضامن إذا كان الضرر ناشئًا عن وفاة الأشخاص الموجودين عليها أو إصابتهم، ويكون للسفينة التي تدفع أكثر من حصتها حق الرجوع على السفن الأخرى".

ومن هنا، فإنه في حالة وقوع إصابات أو وفيات، يكون للطرف المتضرر الحق في مباشرة الإجراءات القانونية بالتضامن ضد السفن المشاركة في التصادم.

المحكمة التي تتمتع بالاختصاص القضائي للنظر في هذه الدعاوي

دعاوي الاصطدام

تنص المادة 231 من القانون البحري على عدة خيارات لكي يقوم المدعي بالشروع في اتخاذ الإجراءات المدنية وفي حالة تصادم السفن:

يجوز لمقدم الطلب الشروع في رفع الإجراءات القانونية أمام أي من المحاكم التالية:

·         محكمة موطن المدعى عليه أو المحكمة التي يقع في دائرتها أحد مراكز استغلال السفينة؛

·         محكمة المكان الذي وقع فيه الحجز على سفينة المدعى عليه التي أحدثت الضرر، أو على سفينة أخرى مملوكة له، إذا كان الحجز عليها جائزا، أو محكمة المكان الذي كان من الجائز توقيع الحجز فيه والذي قدم فيه المدعى عليه ضمانًا ما أو ضمانات أخرى.

·         محكمة المكان الذي وقع فيه التصادم، إذا حدث في الموانئ أو المرافئ أو في المياه الداخلية.

يجوز للخصوم الاتفاق على رفع الدعوى أمام محكمة غير المحاكم المذكورة في الفقرات السابقة، أو عرض النزاع على التحكيم.

وبالتالي، فإنه يتاح أمام المطالبين أكثر من خيار واحد لرفع دعواهم أمام أحد المحاكم سالفة الذكر أو يجوز للطرفين الاتفاق على إحالة المسألة للتحكيم.

من المهم أن نلاحظ أن مدة التقادم لرفع الدعوي القانونية فيما يتعلق بالتصادم البحري هي سنتين من تاريخ وقوع الحادث.

الأدلة المقبولة لإثبات التصادم

في حالة الاصطدام البحري، من المهم ملاحظة أن هناك عمليتان سوف تحدثان في أعقاب وقوع الحادث مباشرة. سيتم اتخاذ إجراءات مدنية تتناول مطالبات التعويض عن الأضرار التي وقعت؛ وبالإضافة إلى الإجراءات المدنية، يتعين إجراء تحقيق جنائي يغطي التحقيقات التي تتعلق بالمسؤولية عن التصادم.

تتولى النيابة العامة الكويتية إجراء التحقيق الجنائي؛ سوف يقوم المدعي العام بالتحقيقات في ظروف الحادث وتحديد الجهة المسؤولة التي تسببت في الضرر الناجم عن خطأه. إذا كان المدعي العام غير متخصص في المجال البحري، فينغي على المدعي العام الاستناد إلى طلبات المسح والدراسات الاستقصائية التي تتعلق بحادث التصادم. يجوز للمدعي العام الجنائي تعيين خبير للإدلاء برأيه في ظروف وملابسات التصادم.

سيتم الشروع في العملية المدنية عندما يقدم الطرف المتضرر دعواه أمام المحاكم الكويتية للمطالبة بالتعويضات التي لحقت به. سوف تحقق المحكمة المدنية في الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها المدعي ويتعين عليها تحديد التعويض وفقًا للمستندات المقدمة من الطرفين. تطبق المادة 9 من قانون الإثبات الكويتي على المسائل المدنية والتجارية التي يتم النظر فيها من قبل المحاكم المدنية الكويتية وتنص على ما يلي:

"الوثائق الرسمية هي دليل ملزم للجميع بما في ذلك المسائل التي يصدرها الموظف العمومي في حدود مهامه أو الأوراق الموقع عليها من قبل الأطراف المعنية في وجوده، ما لم يثبت أنها مزورة من خلال الطرق القانونية".

تنص المادة 8 من قانون الإثبات الكويتي وتحدد الوثائق التي تعتبر وثائق رسمية:

"الأوراق الرسمية هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقًا للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه".

ينبغي التأكيد أنه وفقًا للأحكام المذكورة أعلاه، أن المحكمة تمنح الأولوية "للوثائق الرسمية" الصادرة عن الكيانات الحكومية بدلًا من أي وثائق أخري قد يقدمها الطرفان لدعم دفوعهم.

 

خاتمة

في ضوء ما ذكر أعلاه، فإننا ننصح أن تحاول الأطراف المتورطة في التصادم البحري الحصول على تقارير استقصائية تصدر عن السلطات الحكومية و/أو أن يحرصوا على إجراء دراسات استقصائية مشتركة بين الأطراف المعنية بالتصادم (أي السفينة والسفن). ويعتبر ذلك ضروريًا لأن كل من المدعي العام في الإجراءات الجنائية والمحاكم المدنية القانونية، التي تقوم بالتحقيق في أساس التعويض وتحديد الفعل والأضرار والصلة السببية بينها، يعتمدون عادةً على الاستنتاجات المذكورة في تقارير المسح والدراسات الاستقصائية الرسمية التي أجريت بشأن التصادم.

من المهم أيضًا ملاحظة أنه عند اختتام الإجراءات القانونية سيقوم المدعي العام بفرض غرامة على السفينة التي ارتكبت الخطأ في حال إذا تسببت في أي أضرار مادية؛ وفي هذه الحالة يحق للطرف المتضرر المطالبة بالتعويضات من الطرف المسؤول عن هذا التصرف في إجراءات مدنية لاحقة.

هذا ولإثبات الخسارة الناشئة عن التصادم البحري، سيكون من المهم أيضًا أن يقوم المدعي بجمع الفواتير الأصلية التي تحدد الخسائر التي تكبدها المدعي في تحديد مبلغ التعويض والرجوع إلى تقارير المسح والدراسات الاستقصائية الصادرة عن السلطات الحكومية فيما يتعلق بالتحقيق الجنائي في التصادم البحري. في حالة عدم توافر أي تقارير استقصائية، يوصي أن يقوم المدعي بتقديم تقرير الدراسة الاستقصائية التي قام بها الطرفان المشتركان في التصادم (أي السفينة والسفن) كدليل على التصادم. 

كريم ماروني - k.marouny@tamimi.com

© Al Tamimi & Company 2017