شهدت أسواق الأسهم العربية تقلبات حادة في فبراير مع ضغوط تنازلية على الأسعار، تماشت بشكل رئيسي مع حالة من العزوف عن المخاطرة عالمياً.

وقد ساهمت تهديدات التعريفات الجمركية الأمريكية في تأجيج المخاوف من حرب تجارية، مما أدى إلى تقلبات في السوق، ناهيك عن المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتحول المستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً، وهو ما ترافق مع انخفاض في أسعار النفط بنسبة 4.4% خلال الشهر.

الوضع العربي الشهري في أرقام

بلغت القيمة السوقية للأسهم العربية 4,353 مليار دولار بنهاية فبراير، بانخفاض 1.5% مقارنة مع نهاية يناير.

وقد جاء ذلك وسط انخفاض القيمة السوقية لكل من سوق تداول السعودية (الأكبر وزناً عربياً) وسوق أبوظبي للأوراق المالية بمقدار 73.3 مليار دولار و10.1 مليار دولار على التوالي.

كما سجلت أسواق الأسهم العربية نشاط تداول ضعيف، حيث أظهرت القيمة المتداولة الإجمالية انخفاض شهري بنسبة 8.7%، إلى 79.4 مليار دولار في فبراير.

هذا فيما بلغ إجمالي حجم التداول 111.3 مليار سهم في فبراير، بارتفاع نسبته 27% على أساس شهري، على خلفية الزيادة الملموسة في حجم تداول كل من البورصة المصرية بنسبة 38.3%، في ضوء ارتفاع أحجام تداول السندات وأذونات الخزانة، وسوق العراق بنسبة 26.7%، مدفوعة بالصفقات الخاصة، ليستحوذا على ما نسبته 69% من حجم التداول في المنطقة.

في المقابل، بلغ إجمالي عدد الصفقات 11.8 مليون صفقة في فبراير، بانخفاض نسبته 17.2% مقارنة بيناير.

يجدر الذكر أن بورصة البحرين كانت قد شهدت ارتفاع ملحوظ في قيمة وحجم التداول، حيث أعلنت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) عن إتمام بيع حصتها البالغة 20.6% في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) إلى شركة التعدين العربية السعودية (معادن)، في صفقة كبيرة بلغت قيمتها 960 مليون دولار.

بعد تسجيلها مكاسب جيدة في يناير، سجلت أسواق الأسهم العربية أداء متباين في الأسعار في فبراير، مما أدى إلى بعض الضغوط الهبوطية بشكل عام، حيث سجلت 7 أسواق من أصل 14 سوق انخفاضات في مؤشرات أسعارها.

وسجل مؤشر ستاندرد آند بورز المركب للأسواق العربية، والذي تم تصميمه لتتبع أداء 11 سوق، انخفاض طفيف بنسبة 0.8%، ليصل إلى 1,015.9 في نهاية فبراير، في ظل انخفاض طفيف بنسبة 0.4% في مؤشر MSCI لدول مجلس التعاون الخليجي، مثقل بانخفاض في غالبية القطاعات خلال الشهر.

البحرين والكويت

وفي التفاصيل، كانت بورصة البحرين هي السوق الأفضل أداءً في المنطقة العربية خلال الشهر مع ارتفاع مؤشرها الرئيسي بنسبة 4.3%، وهو أكبر نمو في الأشهر الـ14 الماضية، بدعم رئيسي من مؤشرات قطاعي العقارات والمواد.

وقاد مؤشر العقارات مكاسب بورصة البحرين، حيث ارتفع بنسبة 10.4%، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع في سهم عقارات السيف بنسبة 13%، في حين ارتفع مؤشر المواد بنسبة 6.6%، مدعوم بارتفاع سهم ألمنيوم البحرين بنسبة 6.6%، ومدفوع بشكل أساسي بارتفاع سنوي كبير في صافي الأرباح لعام 2024 بنسبة 54.6%، وذلك إلى 184.5 مليون دينار بحريني والتي تم الإعلان عنه هذا الربع.

كما شهدت بورصة البحرين قفزة ملموسة في نشاط التداول حيث ارتفعت قيمة التداول من 14.5 مليون دولار إلى أكثر من  مليار دولار، وحجم التداول من 15.9 مليون سهم إلى 374.7 مليون سهم.

 

وجاءت بورصة الكويت ثاني أفضل الأسواق أداءً في المنطقة، حيث حققت مكاسب شهرية نسبتها 4.1% ومكاسب بنسبة 10% منذ بداية العام، وجاء الارتفاع للشهر الخامس على التوالي.

وتصدر مؤشر قطاع التكنولوجيا الأداء القطاعي الشهري بمكاسب بلغت 54.2%، تلاه مؤشرا قطاعي الرعاية الصحية والمواد الأساسية بمكاسب بلغت 12% و5.7% على التوالي.

بالتوازي، كانت بورصة تونس ثالث أفضل الأسواق أداء في المنطقة العربية بارتفاع مؤشرها الرئيسي بنسبة 4% تلتها بورصة الدار البيضاء بنسبة 2.9%.


السعودية الأكثر تأثراً بالوضع العالمي

سجلت سوق تداول السعودية، التي تمثل قيمتها السوقية 62% من إجمالي القيمة السوقية الإقليمية، انخفاض شهري بنسبة 2.4% في مؤشرها الرئيسي، أكبر انخفاض على مستوى دول الخليج والثاني عربياً بعد بورصة بيروت التي هوت بنسبة 4.6% في ضوء التطورات السياسية والأمنية لاسيما على الحدود مع سوريا.

وجاء التراجع في البورصة السعودية بشكل رئيسي بسبب العزوف عن المخاطرة عالمياً في أعقاب تهديدات التعريفات الجمركية الأمريكية نظرا لانفتاح السوق على عدد كبير من المستثمرين العالميين، إلى جانب بعض النتائج المالية السنوية التي جاءت أقل من المتوقع وانخفاض أسعار النفط.

من ناحية أخرى، تشهد السوق السعودية زخم قوي في طلبات الاكتتابات العامة الأولية المحتملة في كل من السوق الرئيسية والموازية خلال الربع الأول من العام، مع وجود ما يقرب من 40 طلب قيد الدراسة في الوقت الحالي، وفقا لتصريحات للرئيس التنفيذي لمجموعة تداول السعودية خالد الحصان.

هذا كما أعلنت شركة السوق المالية السعودية، التابعة لمجموعة تداول، عن إطلاق نظام جديد لإدارة رأس المال (CMS) لتبسيط عمليات الاكتتاب، وتقليص الأعباء الإدارية، في حين أعلن مركز الإيداع السعودي، وهو أيضاً جزء من مجموعة تداول السعودية، عن إطلاق منصته الجديدة Edaa Connect والتي تهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى صناديق الاستثمار المشتركة، ودمج خيارات الصناديق.

اجتماع الفيدرالي وتأثيراته

تجدر الإشارة إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان قد أبقى للمرة الثانية على التوالي على معدل الفائدة في اجتماعه في 19 مارس، وذلك بالتماشي مع التوقعات، بعد ثلاث تخفيضات: بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر، و25 نقطة أساس في كل من نوفمبر وديسمبر 2024.

وعليه، استجابت الأسواق العالمية بشكل طفيف مع قرار الفيدرالي المتوقع، في وقت ارتفعت أسعار الذهب بنحو 1.8% إلى أكثر من 3,050 دولار للأونصة عقب قرار الفيدرالي الذي حدّ بدوره من مكاسب عقود خام برنت التي أغلقت جلسة 19 مارس على ارتفاع طفيف بنسبة 0.3%، لتصل إلى 70.8 دولار للبرميل.

وأظهر مخطط النقاط أن مسؤولي الفيدرالي يتوقعون خفضين بمقدار ربع نقطة مئوية لكل منهما خلال 2025، بما يتماشى مع توقعاتهم السابقة في ديسمبر.

هذا في حين رفع الفيدرالي تقديراته للتضخم الأساسي إلى 2.8% في 2025، من 2.5% المتوقعة سابقا، في ظل المخاوف التضخمية من تداعيات التعريفات الجمركية المرتقبة، بينما خفض توقعات النمو الاقتصادي الأمريكي إلى 1.7%، من 2.1% في توقعات سابقة.

 وجاء ذلك في ظل إقرار رئيس الفيدرالي جيروم باول، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، عن تعمق حالة عدم اليقين بين المستهلكين والشركات الأمريكية بشكل خاص، وهو ما يعزى إلى الاضطرابات الناجمة عن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإن لا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر هذه التطورات على الإنفاق والاستثمار في المستقبل، وفق باول.

من هنا، من المتوقع أن يستمر منحى فبراير خلال مارس الذي تأثر سلباً خلال الأسابيع الثلاث الأولى بتداعيات الأحداث العالمية، لاسيما المخاوف من التصعيد التجاري جراء تداعيات التعريفات الجمركية، ناهيك عن المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتجدد الصراع في غزة، ما أدخل المستثمرين في دائرة الترقب الحذر لحين انقشاع الرؤية وانجلاء الضبابية التي خيمت على الأسواق العالمية والعربية خلال الشهر.

 

(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، تحرير: ياسمين صالح، مراجعة قبل النشر: شيماء حفظي)

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا