تتكون النفايات الصلبة عادة من مزيج من المواد الغنية بالطاقة مثل الورق والبلاستيك ومخلفات الحدائق والمنتجات المصنوعة من الخشب. ويأتي دور محطات حرق وتدوير هذه النفايات الصلبة في تحويلها إلى طاقة.

كما تعمل تلك المحطات داخل المجتمعات العمرانية على صناعة منتجات جديدة من المخلفات، أو إعادتها لصورتها الأصلية كمواد خام، بجانب توليد الطاقة في حالة صعوبة إعادة تدويرها.

وتأتي المخلفات العضوية على رأس أهم مصادر الطاقة من تلك العملية، ويكون مصدر تلك المخلفات غالبا من المناطق السكنية قبل حرقها واستخدام البخار المتصاعد في تشغيل توربينات المولدات الكهربائية.


الكتلة الحيوية وتوليد الطاقة

النفايات الصلبة هي مصدر جيد جدا لما يعرف باسم الكتلة الحيوية "Biomass" التي هي مصدر للطاقة. والكتلة الحيوية هي مواد عضوية تأتي من النباتات والحيوانات، ومنها المنتجات الورقية، ونفايات الطعام والخشب ومياه الصرف الصحي.

وتشكل المواد العضوية حوالي 50% من النفايات الصلبة، ويمكن تحويلها إلى طاقة ووقود باستخدام تقنيات تقليدية مثل الاحتراق والتقاط الغاز، أو حتى باستخدام تقنيات حرارية متقدمة تُعرف باسم "WTE" أي "من المخلفات إلى الطاقة".

غالبا ما تكون المحطات المستخدمة في تلك التقنية موجودة بجانب مقالب القمامة. ففي مواقع المقالب، يتم جمع الغاز الناتج عن التحلل الطبيعي للنفايات الصلبة المخزنة وتنقيته قبل استخدامه في محركات الاحتراق الداخلي أو توربينات الغاز لتوليد الحرارة والطاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن التخلص من النفايات العضوية عن طريق استخدام خزانات مفرغة من الهواء تُسرع عمل البكتيريا التي تحلل النفايات لينتج غاز حيوي يستخدم في توليد الكهرباء أو البخار، وتعتبر هذه الطريقة هي الخيار الأكثر تفضيلا لاستخراج الطاقة من مياه الصرف الصحي، مما يؤدي إلى إنتاج الغاز الحيوي والسماد العضوي.

ويمكن أيضا حرق حمأة الصرف الصحي - وهي مزيج من المواد الصلبة والمواد العضوية واللاعضوية الناتجة من معالجة مياه الصرف الصحي - في محطات إعادة تدوير المياه وتحويلها إلى غاز أو تجميدها لإنتاج المزيد من الطاقة.

هل هذا الأمر جديد؟

لا يعتبر استخراج الطاقة من المخلفات أمر جديد، فبلاد مختلفة تستخدمها بالفعل بصورة تقنية منذ القرن الفائت. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتم حرق حوالي 85 رطل من كل 100 رطل من النفايات الصلبة قبل تحويلها إلى وقود لتوليد الكهرباء. وتقوم محطات حرق النفايات بحرق أغلبها ليتحول ما يتبقى منها إلى رماد، مما يقلل حجم النفايات بنسبة تقرب من 87%.

ومن أكثر الأنظمة الشائعة لتحويل النفايات إلى طاقة في الولايات المتحدة هو نظام الحرق الجماعي، وفيه يتم حرق النفايات الصلبة غير المعالجة في محرقة كبيرة مع مرجل ومولد لإنتاج الكهرباء.

كما تستخدم الولايات المتحدة أيضا تقنية التحليل العضوي للمخلفات لإنتاج الغاز الحيوي الذي يمكن استخدامه في التدفئة أو في تسخين الطعام أو حتى في توليد الكهرباء.

لكن، ماذا عن الشرق الأوسط؟

تُعتبر الدول العربية ذات الدخل العالي - خاصة النفطية - مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت من أكبر منتجي النفايات في العالم من حيث إنتاج النفايات للفرد، حيث أنه قد يزيد عن كيلوغرامين يوميا في المتوسط في بعض الأحيان.

وقد تخطى إنتاج النفايات في المنطقة الآن 150 مليون طن سنويا، مما دفع صانعي السياسات ومخططي المدن إلى البحث بجدية عن حلول مستدامة لإدارة النفايات، بما في ذلك إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى طاقة.

وبالإضافة إلى هذه النفايات الصلبة في دول الخليج، يوجد أيضا كميات هائلة من حمأة الصرف الصحي، مما يمثل مشكلة خطيرة نظرا لتكاليف معالجتها العالية والمخاطر التي تشكلها على البيئة وصحة الإنسان. ففي المتوسط تتراوح معدلات مياه الصرف الصحي للفرد في تلك البلاد يوميا ما بين 80 إلى 200 لتر. كما تزداد بنسب تصل إلى 25% سنويا، خاصة مع عادات إهدار المياه.

يستعد الشرق الأوسط الآن لمواجهة تحدي التغير المناخي مع النمو السريع لإدارة النفايات. فخلال السنوات الفائتة، كشفت حكومات السعودية والإمارات وقطر عن عدة خطط استثمارية بمليارات الدولارات لتحسين منظومة إدارة النفايات بطريقة أكثر استدامة ومنفعة. 

وكان من ضمن تلك المساعي الخليجية إنشاء قطر لمركز معالجة النفايات بمسيعيد ليكون أكبر المراكز المتخصصة للمعالجة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يقوم المركز بمعالجة النفايات بحيث لا يتبقى منها إلا نسبة تقدر بنحو 3 إلى 5% في صورة رماد، إضافة إلى إنتاج السماد والطاقة التي تقدر بنحو 50 ميغاواط.

مصر واستغلال المخلفات

اعتُبر قطاع المخلفات في مصر من أكثر القطاعات تحديا للحكومات المتعاقبة على مدار العقود الأخيرة. وأشارت بيانات رسمية إلى أن أحجام المخلفات الصلبة المنتجة المجمعة يوميا في مصر في عام 2022 بحوالي 76.6 ألف طن - أي ما يزيد عن 27 مليون طن سنويا - وجاءت العاصمة القاهرة على رأس المحافظات بنسبة 23.3%. كما بلغت الكمية التي تم تدويرها 15.2 ألف طن يوميا.

 لكن تقديرات أخرى غير رسمية تشير إلى أن كمية المخلفات السنوية في كافة أنحاء مصر تعدت حاجز الـ 80 مليون طن، ومازالت في ازدياد لارتباطها بمعدلات نمو السكان - إذ يتخطى التعداد السكاني حاليا الـ 106 مليون نسمة - والمستوى المعيشي.

ودفعت هذه الأرقام الحكومة إلى إقرار قانون تنظيم إدارة المخلفات وإطلاق البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة قبل سنوات. وشمل البرنامج عدة مراحل حتى الآن باستثمارات بمئات الملايين من الدولارات، منها من شركاء خارجيين أبرزهم البنك الدولي.

ويهدف البرنامج إلى تطوير البنية التحتية من خلال إعادة تأهيل مكبات النفايات، وإنشاء محطات وسيطة ثابتة ومتنقلة بالإضافة إلى مدافن صحية جديدة للنفايات، إضافة إلى تطوير نظم لمعالجة المخلفات العضوية وإدارة إعادة استخدامها.

أنشأت أولى المحطات الخاصة بتحويل المخلفات إلى طاقة بمنطقة الشرق الأوسط في مصر وبالتحديد في منطقة العين السخنة، حيث تقوم المحطة بتجميع النفايات الصلبة بالمنطقة وما حولها، ثم معالجتها وتحويلها إلى وقود حراري يستخدم في مصانع الأسمنت لشركة "Lafarge"، مما يقلل من حجم الانبعاثات الصادرة من هذه الصناعة شديدة التلويث بجانب تخفيض سعر الطاقة اللازمة.

وفي فبراير 2024، وضعت مصر حجر الأساس لأول مدينة متكاملة لمعالجة المخلفات بمختلف أنواعها في البلد في منطقة العاشر من رمضان، والتي تعد المدينة الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط بتكلفة بملايين الدولارات.

وتسعى مصر ضمن استراتيجيتها المتعلقة بالمخلفات الصلبة الوصول إلى تدوير نحو 20% منها لإنتاج الكهرباء، و60% لتصنيع الوقود البديل، والوصول بنسبة ما يتم دفنه منها إلى 20% لخفض الطلب على أراض جديدة للمدافن الصحية الآمنة. 

وتدعم المنظومة أيضا السياسات العامة الجديدة المتعلقة بتشجيع الاستثمار في قطاع إنتاج الطاقة المتجددة بما فيها الطاقة المنتجة من المخلفات، كما تشمل تخصيص 150 مصنع لإعادة التدوير لخدمة 300 منطقة مختلفة تشمل جميع محافظات مصر.

 

(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)


#تحليلسريع
لقراءة الموضوع على منصات مجموعة بورصة لندن، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا