09 07 2016

اعتبرت رفع الكفاءة وتعزيز الربحية أجدى من إنتاج براميل أكثر من الخام

80 في المائة من الاستثمارات الحالية في قطاع النفط والغاز تذهب فقط لتعويض الانخفاضات الطبيعية في الإنتاج.

حوار: أسامة سليمان من فيينا

قال هاري بركلمانس مدير تكنولوجيا المشروعات في عملاق الطاقة "رويال داتش شل"، إن وتيرة نمو الطلب العالمي على النفط الخام تتسارع بشكل جيد في ضوء النمو السكاني وتزايد الاحتياجات من الطاقة، وإن ذلك قاد أخيرا إلى تحسن جيد في مستويات الأسعار نحو الأسعار المتوسطة، معتبراً أن بعض العوامل الجيوسياسية ضغطت على الأسعار خلال الفترة الماضية وعطلت التعافي، وأن آخرها كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والشكوك المحيطة بمعدل النمو الاقتصادي العالمي.

وأفاد بركلمانس في الحوار الذي أجرته معه "الاقتصادية" بأن الاستثمار في سوق النفط والغاز كان مهددا بالتوقف الكامل لولا الدور المحوري والأساسي الذي لعبته منظمة أوبك .. فإلى نص الحوار:

في البداية .. كيف تقيم دور "أوبك" في تحقيق التوازن في السوق، خاصة أن الدول الرئيسة في المنظمة أكدت التزامها الكامل بالحفاظ على الاستثمارات وتنميتها مهما تراجعت الأسعار، ما أسهم في طمأنة الأسواق وتحقيق قدر طيب ومتنام من التوازن؟

"أوبك" ما زالت تلعب دورا حيويا ومؤثرا في السوق، والتزام دول الخليج خاصة وكل أصحاب الإنتاج منخفض التكلفة بالاستمرار في الاستثمار يعتبر تأمينا للإمدادات وتأكيدا للقدرات الواسعة لهذه الدول على تلبية الاحتياجات المتنامية للطاقة، والواقع أنه لولا ذلك لكان وضع السوق غير مطمئن، ويمكننا أن نتخيل لو توقف الاستثمار في مجال التنقيب عن النفط وإنتاجه اليوم يمكن أن تصل الفجوة بين العرض والطلب إلى 70 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040 وهو ما يعادل ستة أضعاف إنتاج المملكة العربية السعودية المسجل في عام 2013.

ما حجم تأثير تراجع أسعار النفط الخام على خطط العمل داخل الشركات الكبرى للطاقة؟ وهل نجحت بالفعل في الحفاظ على التوازن والاستمرارية بمستويات كفاءة جيدة؟

كان للعامين الماضيين تأثيرات واسعة في منظومة العمل في شركات النفط والغاز بصفة خاصة، حيث تأثرت على نحو كبير بحالة انخفاض أسعار النفط الخام وتراجعت التدفقات النقدية ليس فقط لمشغلي حقول النفط والغاز، وكذلك كل الشركات التي توفر اللوازم والخدمات لكل المشغلين، وكانت حالة الضعف في السوق سببا في كشف الكثير من تفاصيل الصناعة، خاصة ما يتعلق بضعف مستويات الكفاءة والمغالاة في تقييم المخاطر والحاجة إلى تصميم وتخطيط أفضل في بناء مشاريع النفط والغاز، والأزمة الراهنة تعد فرصة قوية لتصحيح الأخطاء في العملية الإنتاجية، ومن الضروري قيام المشغل بالعمل الجاد على تحسين كفاءة رأس المال في تنفيذ المشروعات وتطويع التكنولوجيا لتحقيق التحسن المستمر في الأداء من خلال زيادة التعاون بين جميع أطراف الصناعة.

من المعروف أن أسعار النفط مرت بدورات اقتصادية صعبة سابقة خاصة في عامي 1986 و1998 .. كيف تقيم الأزمة الراهنة؟ وكيف تقارنها بالدورات السابقة في صناعة النفط؟

كما ذكرت، العامان الماضيان كانا عامين صعبين على الصناعة ولكنهما ليسا من الأعوام الأصعب في تاريخ الصناعة؛ ففي عام 1986 أدى انهيار أسعار النفط إلى تجفيف الاستثمار وتقلص فرص العمل، ولكن شركات النفط والغاز كافحت واعتمدت على التكنولوجيا الجديدة حتى تمكنت الصناعة من رفع مستويات الإنتاجية على نحو مرتفع بما ضمن لكثير من الشركات أن تظل رابحة، أما في أزمة 1998 فقد اكتسبت الشركات خبرة جيدة وأدركت أن تحقيق النجاح والمحافظة عليه قد يتم بمعزل عن مستوى الأسعار ولا يهم ما قد يحدث من تراجعات سعرية في السوق، حيث ركزت الشركات على تحسن الأداء وتطوير العنصر البشري والاستعانة بقادة عمل يتمتعون بالشجاعة والرؤية والبصيرة الجيدة، وكان ذلك قبل 30 عاما ومعظم هؤلاء القادة تقاعدوا الآن وجاء دورنا لتولي زمام القيادة لتطوير هذه الصناعة، واتخاذ قرارات جريئة تقود إلى تحقيق تغيير جذري.

ماذا يمكن أن يقدم قادة الصناعة اليوم في ضوء تحديات أكبر ومنافسة أشرس وتغيرات جوهرية أقر بحدوثها كل أطراف الصناعة سواء المنتجون أو المستهلكون أو الاستثمارات؟

التحديات تعزز القدرة على الابتكار وهو درس تاريخي تعلمناه جيدا، ويمكن لقادة الصناعة اليوم إعادة صياغة علاقات التعاون والتكامل بين أطراف الصناعة للوصول إلى أعلى معدلات الكفاءة وعلاج كل السلبيات السابقة، ومن المهم في تلك المرحلة ليس فقط أن ننتج براميل أكثر من النفط الخام بل من الأجدى تعزيز الربحية وتحقيق عوائد أفضل من خلال تطوير نظم الإنتاج واتباع الحداثة والكفاءة والابتكار.

كيف ترى وتقيم مسار الطلب العالمي على النفط في الأمد القصير؟ وهل يمكن أن يقود إلى تعافي وتوازن سريع في السوق؟

نحن مقتنعون بأن وتيرة نمو الطلب العالمي على النفط الخام تتسارع بشكل جيد، وهو ما قاد أخيرا إلى تحسن جيد في مستويات الأسعار نحو أسعار متوسطة، إلا أن بعض العوامل الجيوسياسية تضغط على الأسعار وتعطل التعافي، وآخرها كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والشكوك المحيطة بمعدل النمو الاقتصادي العالمي، ولكن مؤشرات الطلب جيدة ومرضية خاصة في ضوء النمو السكاني في العالم، وتزايد احتياجات الطاقة خاصة في أسواق الدول النامية والنمو المحدود لجهود الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة.

كيف أثرت ما سميت بثورة النفط الضيق على منظومة العمل والإنتاج؟ وما حجم استفادة السوق منها؟

بالتأكيد هناك تغيرات جوهرية حدثت في السوق وفي منظومة الإنتاج، والأخص ما سمي ثورة النفط الضيق، ودخلت بالفعل عوامل خارجة عن سيطرة الجميع، وأدت إلى تطوير غير مسبوق في استغلال الموارد الهيدروكربونية، ونحن نعمل على مواكبة هذا التطور من خلال التركيز على المسوحات الجيولوجية المعقدة والتنقيب في المياه العميقة في أماكن ومناطق كانت غير مطروقة قبل عقد من الزمان، وأدى هذا التطور في المجالات الجديدة إلى حدوث الازدهار الاقتصادي في دول مثل الصين، فضلا عن تأسيس مشاريع ضخمة في بلدان مثل أستراليا.

نعلم أن "شل" كانت من أقل الشركات تأثرا بصعوبات السوق نتيجة الكفاءة والخبرات السابقة، ما تعليقكم؟

بالفعل كان تأثير الأزمة أقل في شل، فلها خبرات واسعة في هذا المجال نقلتها إلى الكثير من الشركاء وتمثلت في زيادة الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة، والتركيز على الإدارة الفعالة وزيادة التنافسية، ما ساعد بالتأكيد على تحسين الأداء الصناعي للشركة، وهو ما مكن "شل" من توفير أربعة مليارات دولار في النفقات الاستثمارية والتشغيلية خلال عامي 2015 و2016.

ما البرامج المستقبلية لشركة شل في مجال الاستثمار ودعم الكفاءة وتحقيق التنمية المستدامة؟

توافر المقومات السابقة ليس كافيا وحده للنهوض بمستوى الصناعة، ولكن يجب العمل على تقديم أكثر من ذلك، خاصة في مجال التنمية المستدامة، وزيادة التدفق الاستثماري بمليارات الدولارات من خلال إجراء التحسينات الشاملة في كفاءة رأس المال، بحيث يكون لهذا النوع من العمل تأثير في النهوض بالصناعة ككل، من خلال إجراء تغيير جذري شامل في منظومة الإمدادات والأطراف المشاركة فيها.

تتحدث تقديرات اقتصادية عن تراجع واسع في المعروض بسبب تقلص الاستثمارات، وهو ما سيؤدي إلى عودة الأسعار المرتفعة، ما تقديركم للموقف؟

كما سبق أن ذكرنا هناك حقيقة لا مفر منها، وهي أن الصناعة تواجه تحديات البقاء والاستمرار والمنافسة، ولاشك أن ضعف الاستثمار نتيجة تراجع الأسعار أدى إلى تقلص المعروض واتجاه مستويات الإنتاج إلى الانخفاض كل عام بشكل مستمر ف عديد من مناطق الإنتاج المهمة، خاصة الإنتاج عالي التكلفة، وعلى الرغم من أن الصناعة ما زالت مستمرة في استثمار مئات المليارات من الدولارات في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما إلا أنه بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن أكثر من 80 في المائة من هذه الاستثمارات الحالية تذهب فقط لتعويض الانخفاض الطبيعي للإنتاج من الحقول القائمة.

هل تعتقد أن قضايا البيئة خاصة بعد اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي ستكون عنصرا شديد الضغط على استثمارات الطاقة؟

إضافة إلى مشكلات السوق الراهنة وحالة الخلل المستمر بين العرض والطلب إلى جانب العوامل الجيوسياسية وتأثيراتها، فإن هناك تحديات إضافية، وهي ضرورة التجاوب العالمي لمراعاة الآثار البيئية لعمليات إنتاج الطاقة، خاصة تلك المتعلقة بانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

© الاقتصادية 2016