قال رئيس قطاع الاستراتيجيات في شركة «فورسايت» للاستشارات والحلول التكنولوجية فرانسيسكو كينتانا إن المحللين في دول الخليج يركزون عادة على أسعار النفط وتأثيرها على الاقتصادات الخليجية دون النظر إلى عامل أساسي آخر مؤثر يدفع هذه الاقتصادات، وهو حجم الصرف الحكومي. صحيح أن النفط هو المصدر الرئيسي للدخل، ولكنه ليس المصدر الوحيد. فالدين أيضاً يلعب دوراً شبيهاً كما كان الحال في معظم الدول الأخرى في العالم في العقد الذي سبق أزمة عام 2008.
وأضاف ان الحكومات الخليجية رأت بالفعل أهمية الصرف العام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وقامت بزيادة صرفها بشكل منتظم في الأعوام الخمسة الماضية، إذ قامت السعودية بزيادة حجم صرفها من %33 إلى %40 من إجمالي ناتجها المحلي، في حين رفعت قطر حجم الصرف من %29 إلى %37، وسلطنة عمان من %41 إلى %53، والكويت من %39 إلى %56. ولم يكن لأسعار النفط المنخفضة تأثير سلبي في الزيادة المستمرة في الصرف، بل كانت  الزيادة الأكبر قد تمت في عام 2014 حين بدأت أسعار النفط بالانهيار.
تابع أن الرسالة من هذه الاحصائيات واضحة: الحكومات الخليجية مستعدة لدخول سوق الدين لتمويل العجز المالي الذي بدأ يزداد بوتيرة سريعة، والأمر ينطبق على وجه الخصوص في السعودية حيث من المرجح أن يصبح العجز البالغ 100 مليار دولار ضمن خطة الصرف الحكومي الاعتيادي. وسيزداد العجز خلال عامي 2016 و2017، وسيضغط عليه أيضاً تأثيرات تصويت Brexit في المملكة المتحدة وتباين الدورات الاقتصادية في الولايات المتحدة وبقية دول العالم. حتى إن عادت أسعار النفط بالارتفاع، فإن الضغوطات التي تضعها برامج الدعم المالي والاستحقاقات على الاقتصاد ستجبر الحكومات إلى الاعتماد على الدين.
من هنا، ستكون تأثيرات العجز المالي، أي الدين، على الجوانب الاقتصادية والمالية ذات أهمية على مستقبل الاقتصادات الخليجية. أولاً، سيبقى اقتصاد الخليج مستقراً نسبياً بحدود متوقع عند %2 حتى في ظل استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي، إذ ستقوم الحكومات بترشيد الصرف العام فيما يخص مصروفات ثانوية لا تؤثر على الرواتب والدعم المالي، وهما العنصران الرئيسان من الميزانية العامة.
ثانياً، سيشهد السوق زيادة ملحوظة في حجم السندات التي يتم إصدارها. فإلى جانب السندات التي تصدرها الحكومات، ستقوم الشركات الحكومية التي ستعاني من نقص السيولة النقدية من حكوماتها، وأيضاً البنوك التي ستسعى إلى تعزيز جودة رأسمالها لتطبيق مقررات بازل 3، بإصدار أيضاً المزيد من السندات. وسبق أن أظهر عام 2015 هذا التوجه وكان عام التحول بهذا الاتجاه إذ، وبحسب تقرير المركز المالي الكويتي، ازداد عدد السندات والصكوك التي تم إصدارها في دول الخليج بنسبة %37 لترتفع قيمتها الإجمالية إلى 119 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث القيمة السوقية الإجمالية للأسهم في السوق المالية السعودية (تداول) كما في بداية عام 2016. ودفع زيادة الإصدارات رئيسياً إصدار السندات السيادية، حيث أصدرت السعودية سندات يقيمة 30 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2007.
وأصدرت بدورها قطر سندات بقيمة تسعة مليارات دولار، فيما بلغت قيمة السندات التي أصدرتها أبو ظبي للمرة الأولى في سبع سنوات مبلغ خمسة مليارات دولار. وسيستمر التوجه لإصدار المزيد من السندات هذا العام، وهو ما نراه في السعودية والكويت اللتين تستعدان إلى إصدار سندات بقيمة تزيد عن 30 مليار دولار، بحيث تستهدف أغلب هذه السندات الأسواق العالمية.
ومقارنة بالبيانات التاريخية، إن الأرباح من هذه السندات لا تعد عالية عندما تقارن بالأوراق الطويلة الأمد. فقد تم إصدار سندات السعودية المستحقة في عشر سنوات بعائد يبلغ %2.65، وسندات أبو ظبي بعائد %3.125، وسندات قطر بعائد فاق %3.5. لكن بالمقارنة بالسندات الأميركية المستحقة في عشر سنوات التي يتم تدوالها بعائد يبلغ %1.41 وبعائد سندات الدول المتقدمة، فإن عوائد السندات الخليجية أعلى وبالتالي أكثر جذباً، وتتفوق أيضاً على سندات معظم الدول التي تم ربط عملتها بالدولار. على سبيل المثال، توفر هونغ كونغ عائد بنسبة %1 في سنداتها. إلى جانب العائد، تقدم منطقة الخليج تنوع في العوائد المعدلة المخاطر: إن كان المستثمر على استعداد للاستثمار في مخاطر أعلى، تصل نسبة العائد إلى %7 في البحرين. بالإضافة إلى هذا المثال، فإن الأوراق المستحقة على المدى القصير كتلك التي أصدرتها السعودية والمستحقة في عام من إصدارها توفر عائد بنسبة %2.5 مقارنة بالسندات الأمريكية التي توفر عائد بنسبة %0.45 فقط.
بالإضافة إلى جاذبية مستوى العوائد المتوفرة، إن التطورات الذي يشهدها سوق السندات الخليجية إيجابية جداً للمستثمرين الإقليميين. في العالم، يمثل سوق الأسهم نصف سوق السندات، لكن الحال يختلف في منطقة الخليج حيث سوق الأسهم يفوق سوق السندات بخمسة أضعاف. إن التوجه الحالي سيساهم في تطوير وتعزيز سوق السندات الناشىء في المنطقة، بالإضافة إلى كون السندات تلبي طلب المستثمرين المحليين الذين يبحثون عن منتجات مدرة للعوائد في ظل الاضطرابات الحالية. سيتوجب أيضاً على المؤسسات المالية زيادة حصة السندات في محفظتها حتى تتبع توجه الأسواق وتتجنب خسارة عملائها أمام المنافسين.