22 06 2016

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أن عام 2016 سيكون عاماً صعباً على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وأن قطاعات عديدة مثل الإنشاءات والخدمات المالية، وحتى الضيافة أصبحت تشعر بآثار التذبذب في أسعار النفط التي شهدت تقلبات بأكثر من 60 في المئة، مقارنة بمستويات يناير 2014.

وعلى الرغم من التفاؤل الحذر الذي يستند إلى بوادر الانتعاش النسبي في أسعار النفط التي تلوح في الأفق، إلا أن هذا المناخ أوجد أرضية صلبة لتجدد الدعوة للانتقال بالاقتصادات الخليجية من اقتصادات أحادية المورد إلى اقتصادات متعددة الموارد، وتبني استراتيجيات وخطط تركز على خلق الفرص وتحقيق المزيد من المرونة الاقتصادية.

بداية، لا يمكن إغفال حقيقة أن الإيرادات النفطية هي صاحبة الحصة الأكبر من الإيرادات الحكومية لدولنا. فعلى سبيل المثال، تمثل الصادرات النفطية الكويتية ما يزيد عن نصف إجمالي الناتج المحلي و94 في المئة من إجمالي عوائد الصادرات.

وتعيد الحكومة ضخ هذه الإيرادات في الاقتصاد المحلي على شكل استثمارات في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم وغيرها. وعلى الرغم من أن هذا النموذج حقق قيمة مضافة أسهمت بشكل ملموس في رفع مستويات المعيشة للمواطنين، إلا أنه في المقابل يوضح درجة الارتباط العالية للاقتصاد الكويتي بمنظومة النفط، فالنفط المنتج من حقلي «برقان» أو «الوفرة» لم تقتصر عوائده الاقتصادية والاجتماعية على العاملين ضمن الشركة المنتجة فحسب، بل لامست أيضاً حياة العديد من العاملين في قطاعات مساندة، سواء في القطاع المصرفي أو الشحن أو الخدمات الهندسية أو اللوجستية وغيرها. وبالتالي، فإن النفط بمثابة شريان الحياة للاقتصاد المحلي.

ومما لاشك فيه أن هذه المنظومة أسهمت في تحقيق إنجازات كبيرة في مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الكويت، لكن ذلك لا يمنع من القول بأننا لانزال في بداية الطريق لتحقيق المزيد من التنويع في مصادر الدخل من خلال تنمية القطاعات غير النفطية سواء في قطاع الخدمات أو الصناعات التحويلية.

وما نشهده حالياً، وبالرغم من الإجماع على الحاجة لتنويع القاعدة الاقتصادية، إلا أن التوجه نحو تطوير هذه القطاعات يبقى في مراحله الأولية. وهذا الأمر يستدعي سرعة العمل على بلورة استراتيجيات وخطط عمل بأهداف واضحة ومراحل زمنية محددة تتمحور حول إيجاد البيئة الحاضنة لتطوير السلاسل الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية في القطاعات النفطية وغير النفطية وبناء القدرات والمهارات الوطنية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.

ونحن اليوم بحاجة أكثر بكثير من السابق للتركيز على تنمية قطاع الصناعات التحويلية لاسيما قطاع البتروكيماويات والصناعات المرتبطة بها. وما يعزز فرص هذا التوجه نجاح الكويت منذ خمسة عقود في تطوير صناعة بتروكيماويات أساسية ذات تنافسية عالمية.

وكان ولايزال الدور المأمول من هذا القطاع إضافة إلى قطاع الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، تحقيق قيمة مضافة أعلى للموارد الهيدروكربونية الناضبة، إضافة إلى خلق فرص عمل ذات مردود اقتصادي مرتفع للمواطنين.

وهذه المعطيات هي ثمرة لرؤية تمتعت بها قيادة قطاع البترول في الكويت في منتصف الستينيات التي هيأت لها الدولة الدعم المتثمل بتهيئة متطلبات هذه الصناعة من بنية تحتية ومدخلات إنتاج وموارد بشرية مؤهلة، أسهمت مجتمعة في النمو المطرد للطاقات الإنتاجية للبتروكيماويات والأسمدة الكيماوية، والتي بلغت بنهاية عام 2015 نحو 8.8 مليون طن في السنة وفقاً لإحصاءات الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا).

ومن منظور اقتصادي كلي، أسهمت هذه الصناعة في توفير فوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة للاقتصاد الكويتي.

وبالرغم من الأوقات الصعبة التي نمر بها في الوقت الحاضر، إلا أن التحديات تشكل فرصاً مهمة للتطوير والتقدم. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن تنويع الاقتصاد بالنسبة للدول المصدّرة للنفط عادة ما يحدث خلال فترات انخفاض الإيرادات النفطية، ومن الأهمية بمكان أن لا يكون ذلك مرحلياً وتتراجع وتيرته عند ارتداد أسعار النفط إلى مستويات أعلى.

والأمر الذي لا يقل أهمية أنه لا ينبغي التوهم بأن تنويع القاعدة الاقتصادية يعني التخلي التدريجي عن قطاع البترول. فاستراتيجية التنويع الاقتصادي ينبغي أن تتمحور حول الاستغلال الأمثل للموارد الهيدروكربونية التي تتمتع بها الكويت وقطاع الخدمات المساندة.

والخطوة الجديرة بالإشارة إليها في هذا السياق، مشروع مجمع الزور للتكرير والبتروكيماويات الذي أعلن عنه العام الماضي، والذي يمثل مرحلة متقدمة تتكامل فيها الصناعة النفطية الأساسية والتحويلية، وخطوة نحو تعزيز القيمة المضافة للبترول الخام.

وللتطلع إلى المستقبل، فإن رفع مساهمات قطاعي تكرير البترول والبتروكيماويات أضحى ضرورة ملحة لتجنب التقلبات الحادة في أسعار النفط، والتي لا يمكن التنبؤء بها أو السيطرة عليها. وهذا الأمر يتطلب توفير التشريعات والبيئة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية التي تعزز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وتنمية رأس المال البشري الوطني. ولابد من الإشارة إلى أهمية ترسيخ منهجية الابتكار المفتوح بين القطاعين العام والخاص من جهة، والمؤسسات التعليمية والبحثية من جهة أخرى لدفع عجلة الابتكار في الكويت. وهذا يقودنا إلى التأكيد على أن تنويع مصادر الاقتصاد الوطني لم يعد مسؤولية الحكومة، بل هو مسعى يتطلب تعاون وتضافر جميع الجهات ذات العلاقة للمضي قدماً نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي المستدام.

© Al- Rai 2016