منذ نحو 93 عاما تقف منطقة جدة التاريخية شامخة، شاهدة على تاريخ المملكة العتيق، ومنذ ذلك الزمن البعيد تتفانى جهات الدولة المتعددة بهدف الحفاظ على ذلك الأثر الذي احتضن أول منزل سكن به الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في عام 1344هـ، الموافق 1925، والذي اتخذ من بيت نصيف سكنًا له لمدة عشر سنوات أبان فترة توحيد الحجاز وضمها للدولة السعودية، واتخذ بالمنطقة مجلسا ومُصَلىً بجوار مسجد الحنفي لمقابلة الرعية وإدارة شؤون البلاد. 
وجاء الأمر الملكي الخاص بإنشاء إدارة للمنطقة التاريخية في جدة ليبرز اهتمام القيادة بالتراث والتاريخ، وفق خطط المملكة 2030 السياحية، ولا سيما بميزانيتها المستقلة التي ستكون خطوة مهمة لتفعيل دور المنطقة التاريخية على خريطة السياحة المحلية والدولية، ولا سيما بعد اعتمادها من منظمة اليونيسكو كمنطقة تاريخية.
وحول ذلك يقول عبد الله المحمدي، رئيس المجلس البلدي في جدة، إن الموافقة السامية على إنشاء إدارة تعني بالمنطقة التاريخية بجدة ترتبط بوزارة الثقافة، مع تخصيص ميزانية مستقلة لها يعد نقلة كبرى تأتي ضمن ما توليه القيادة السعودية من اهتمام ومحافظة على جدة التاريخية بوصفها موقعا غنيا بالآثار والتاريخ، ونموذجا مميزا للتراث العمراني.
ولفت إلى أن مشروع جدة التاريخية يعتبر امتدادا لتطوير المناطق التاريخية وتحسين بيئتها وتطويرها والحفاظ على قيمتها، ولا سيما كونها مؤشرا للاهتمام بكل المواقع الأثرية التاريخية في المملكة، مؤكدا أن مدينة جدة هي البوابة الرئيسة للحجاج وزوار بيت الله الحرام وهي أهم معابر التجارة العالمية من خلال موانئها البحرية والجوية والبرية، كما أنها أحد المقاصد السياحية المهمة. 
من جانبه، ذكر المهندس طارق شلبي، أحد المستثمرين في المنطقة ومستشار في التصميم المعماري، أن إنشاء إدارة جديدة تحت مظلة وزارة الثقافة، لإدارة إرث تاريخي كبير من حيث الحجم والعمق التاريخي سيحقق ما عجزت عنه الوزارات والهيئات خلال العقود الماضية، مؤكدا أن الجهود التي يتم بذلها في المنطقة التاريخية كبيرة إلا أنها لا تتمتع بالتنسيق بين الجهات في بعض الحالات.
وأشار إلى أن القرار جاء ليوحد الجهود التي تهدف إلى تطوير المنطقة التاريخية، التي فقدت عددا من البيوت والمباني التي تتجاوز عمرها مئات السنين، وذلك خلال السنوات العشر الماضية، وهذا يدل على أن القرار يحمي المنطقة التاريخية من الإهمال.
وقد مر القرار الدولي باعتماد جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي بمراحل عديدة أثناء الترشيح والاختيار، استمرت سنوات، واشتركت هيئة السياحة والتراث الوطني مع أمانة محافظة جدة للعمل على إعادة تأهيل وتطوير جدة التاريخية، حيث قامت في هذا الإطار بعدد من المهام منها إعداد وثيقة الأساس لمشروع الملك عبد العزيز للمحافظة على منطقة جدة التاريخية وتنميتها والتي تكوّنت منها لجان للمشروع على رأسها اللجنة العليا للمشروع برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة.
وكانت قد عقدت الهيئة مع أمانة جدة ورش عمل لتقييم الدراسات التخطيطية الخاصة بتطوير المنطقة، بالتعاقد مع استشاريين عالميين لاستكمال ملف تسجيلها في قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، وذلك بعد موافقة المقام السامي على تسجيل الموقع ضمن هذه القائمة، وافتتحت الهيئة مكتبا لها في جدة التاريخية للإشراف على أعمال الترميم واستكملت الجهات ذات العلاقة ملف ترشيح جدة التاريخية للتسجيل كموقع تراثي عالمي، وتم تقديمه لليونسكو في كانون الثاني (يناير) 2013، للتأكد من استحقاق الموقع للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي.
وتجسد اهتمام الدولة بجدة التاريخية من خلال تشكيل اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية منذ عقد من الزمان، برئاسة الأمير خالد الفيصل، ونائب اللجنة الأمير سلطان بن سلمان، رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني، والتي انبثقت عنها لجنة تنفيذية برئاسة محافظ جدة وعضوية أمين المحافظة، ما انعكس إيجابيا في الاعتماد المالي المتزايد لمشروعات جدة التاريخية، بقيمة 220 مليونا على أن يتم صرف 50 مليون ريال سنويًا ابتداء من عام 1434هـ قابلة للزيادة، وذلك ضمن مشروع الملك عبد العزيز للمحافظة على جدة التاريخية الذي أسس عام 1425هـ (2005).
كما تم تقديم تسهيلات قروض من بنك التسليف الحكومي لترميم المباني التراثية بجدة التاريخية وتحويلها لمشروعات استثمارية من قبل ملاكها بواقع سبعة ملايين ريال للمشروع الواحد، بخلاف تنفيذ مشروع رصف وإنارة جدة التاريخية بميزانية تقارب 80 مليون ريال، وتم ترميم عدد من المباني التراثية وإعادة بناء بوابات المدينة القديمة بباب مكة وباب جديد وتم تأسيس إدارة حماية جدة التاريخية عام 1413هـ لحماية المباني التراثية من الهدم ومنع التعديات.
كما تم تأسيس مشروع الأمير ماجد من خلال صندوق البلدية، وتحويله على جدة التاريخية، وتم ترميم بيت نصيف وتحويله لمتحف مع الكشف الأثري لعين فرج يسر وأجزاء من مسار السور القديم لجدة التاريخية وإعادة البناء، كما تم الترميم الجزئي لـ12 مبنى وتوظيف عدد من المعلمين والعمالة المدربة لذلك، وتم ترميم بيت البلد وبناء جزء جديد مرتبط به (المجلس البلدي) وتحويله لمكاتب ومتحف عام1423هـ (2003) بتكلفة إجمالية قدرها 11 مليون ريال وتأسيس إدارة التطوير العمراني بجدة التاريخية وتزويدها بـ15 موظفا، وقد شكلت نواة لبلدية جدة التاريخية الحالية، وترميم بيت البنط بتكلفة خمسة ملايين ريال.
وتضمنت تلك الجهود إعداد مرجَع ودليل لترميم المباني التراثية وواجهات المحال التجارية عام 1428هـ (2008) من قبل استشاري عالمي بتكلفة خمسة ملايين ريال وتم ترميم المباني التراثية بمجمع بلدية جدة التاريخية عام 1429هـ (2009) بتكلفة ثمانية ملايين ريال وتشكيل لجنة عليا لمشروع إطفاء الحريق بجدة التاريخية برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة ولجنة تنفيذية برئاسة صاحب السمو الملكي محافظ جدة.
وشهد عام 2011 تنفيذ المرحلة الأولى من شبكة إطفاء الحريق بتكلفة سبعة ملايين ريال ونفذ مشروع لصيانة ورصف وإنارة المحاور الرئيسة بجدة التاريخية في الفترة ما بين 2010 - 2013 بتكلفة قدرها 27 مليون ريال، وتم التعاقد مع استشاري عام 2013 لتقديم الدعم الفني لبلدية جدة التاريخية كما تم التعاقد لترميم وصيانة المباني التراثية لأمانة محافظة جدة عام 2013 بتكلفة 14 مليون ريال، والتعاقد لصيانة وتركيب أعمدة إنارة تقليدية عام 2013 بتكلفة ستة ملايين ريال وعقدت عدة ورش عمل بمشاركة خبراء دوليين لمناقشة أفضل السبل للمحافظة على الموقع وإعادة تأهيله.
كما تم تنفيذ مشروعات في جدة التاريخية بأكثر من 50 مليون ريال منها تقديم الخدمات الاستشارية لترميم المباني التاريخية في منطقة البلد وتركيب وتوريد أعمدة الإنارة وإنشاء مواقف وأرصفة للسيارات، تنظيف وصيانة المنطقة التاريخية صيانة وترميم المباني والمتاحف في المنطقة التاريخية، ومشروع ترميم وصيانة سبعة مبان تراثية ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية، مشروع ترميم وصيانة سبعة وعشرين مبنى تراثيا ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية، مشروع الدراسات لترميم وصيانة وإعادة تأهيل 200 مبنى شعبي ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية.
وتوالت الرعاية الكريمة من الدولة خلال عهد الملك سعود وعهد الملك فيصل، وتم تأسيس شبكات الخدمات بجميع أنواعها وإنشاء المرافق الحكومية، وإصدار نظام الآثار عام 1392هـ الذي كفل الحفاظ على جدة التاريخية لاحقا. 
وخلال عهدي الملك خالد والملك فهد قامت الدولة عبر مخططات مدروسة بتنفيذ مشروعات عدة توجت بمشروع ضخم بميزانية تجاوزت 80 مليون ريال لرصف وإنارة جدة التاريخية بأسلوب يتماشى مع قيمتها التاريخية والحفاظ على مبانيها التراثية ونسيجها العمراني التاريخي.

© الاقتصادية 2018