خاص لزاوية عربي من فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية

 

ماذا حدث في أغسطس؟

شهدت أسواق الأسهم العربية تقلبات لافتة خلال أغسطس مع تباين ملموس في الأداء، وذلك بالتماشي مع أداء الأسواق العالمية، لاسيما في ظل تفاقم حدة التوترات الجيوسياسية في المنطقة، بالتوازي مع عودة المخاوف من الركود العالمي، خاصة خلال الأسبوع الأول من الشهر.

للمزيد من التفاصيل وتحليل مفصل عن تأثيرات الأسبوع "الدامي" على الأسواق، أضغط هنا   

تحليل سريع: الأسبوع "الدامي" في نقاط وتشارتات  (zawya.com)

وقد ساهمت كل هذه العوامل المعاكسة في أن ترخي بثقلها بشكل كبير على أداء الأسواق العربية، وخاصة يومي 4 و5 أغسطس، ما سلط الضوء على التأثير العميق لحالة عدم اليقين العالمي والإقليمي على سلوك المستثمرين واستقرار السوق، حيث تراجعت غالبية مؤشرات الأسهم العربية بشكل كبير، في ظل عمليات بيع واسعة النطاق.

غير أن الأسواق المالية العالمية والعربية عادت وشهدت تحسن ملموس في الأيام الأولى التي أعقبت الانخفاضات الحادة يوم 5 أغسطس والذي عُرف بالاثنين الأسود، حيث أظهرت الأسواق درجة من المرونة، لتستعيد غالبية المؤشرات جزء كبير من خسائرها في جلسات التداول اللاحقة.

هذا بينما تحسنت معنويات المستثمرين تدريجياً حيث قام المشاركون في السوق بتقييم الوضع في ظل تباين واضح في درجة التعافي بين مختلف الأسواق.

ويُعزى هذا الانتعاش إلى عملية التصحيح القوية عبر الأسواق وسط سعي المستثمرين إلى الاستفادة من ظروف ذروة البيع في ظل نسب تقييم جاذبة، حيث خلق التراجع الحاد فرص شراء للمستثمرين الذين يبحثون عن أسهم مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية. ناهيك عن صدور بعض التقارير التي أظهرت بعض المناعة على صعيد المؤشرات الاقتصادية حول العالم، لاسيما الأمريكية.

القيم السوقية

بلغت القيمة السوقية للأسهم العربية 4,264 مليار دولار في نهاية أغسطس 2024، بارتفاع نسبته 0.5% مقارنة مع نهاية يوليو.

والجدير بالذكر أنه خلال ستة أيام تداول فقط، عوضت القيمة السوقية الإجمالية كامل خسائرها البالغة 34 مليار دولار خلال الأسبوع الدامي، لترتفع بنحو 62 مليار دولار خلال الأسبوع التالي، الممتد من 11 إلى 16 أغسطس، علماً أن القيمة السوقية الإقليمية قد انكمشت بمقدار 60 مليار دولار يوم الأحد 4 أغسطس، وبنحو 87 مليار دولار يوم الاثنين 5 أغسطس.

 

أنشطة التداول

سجلت أسواق الأسهم العربية نشاط قوي على صعيد أنشطة التداول، حيث أظهرت قيمة التداول الإجمالية ارتفاع شهري بنسبة 13.7%، إلى 85.7 مليار دولار في أغسطس.

هذا مع الإشارة إلى أن قيمة التداول قد بلغت نحو 696 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، وهو مستوى قياسي تاريخي، مقارنة بـ 378 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام 2023.

وبلغ إجمالي حجم التداول 115.6 مليار سهم في أغسطس، بزيادة نسبتها 5.0% على أساس شهري، في حين بلغ إجمالي عدد الصفقات 15.5 مليون صفقة في أغسطس، بزيادة نسبتها 3.3% مقارنة بيوليو.

الأسعار

في المقابل، سجلت أسواق الأسهم العربية أداء خجول على صعيد الأسعار خلال شهر أغسطس، حيث سجلت 10 أسواق من أصل 15 سوق ارتفاعات معتدلة نسبياً في مؤشرات أسعارها.

وسجل مؤشر ستاندرد آند بورز المركب للأسواق العربية، والذي تم تصميمه لتتبع أداء 11 سوق للأسهم، زيادة شهرية طفيفة بلغت نسبتها 0.4%، لينهي أغسطس عند 975.2 نقطة.

وبعد تراجع بنسبة 4.0% في مؤشر MSCI لدول مجلس التعاون الخليجي خلال بداية أغسطس بسبب الأحداث الجيوسياسية، أغلق المؤشر شهر أغسطس على ارتفاع ولو هامشي بنسبة 0.2%.

 

أداء البورصات العربية

كانت بورصة مسقط السوق الأفضل أداء بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال الشهر، بمكاسب بلغت 1.8%، وذلك بعد شهرين متتاليين من التراجعات.

وجاء سوق دبي المالي في المرتبة الثانية بمكاسب شهرية بلغت 1.3%، تلته بورصة قطر وتداول السعودية بمكاسب طفيفة.

وبالتوازي، كانت البورصة المصرية الأفضل أداء في المنطقة العربية مع ارتفاع مؤشرها الرئيسي بنسبة 4.7% على أساس شهري، في حين كانت سوق العراق للأوراق المالية الأقل أداء في المنطقة مع انكماش بنسبة 4.2% في أغسطس مقارنة بالشهر السابق.

تداول

سجلت سوق تداول السعودية، التي تمثل قيمتها السوقية نحو 64% من إجمالي القيمة السوقية الإقليمية، مكاسب في أغسطس للشهر الثالث على التوالي، وإن كانت هامشية.

وجاء ذلك في ضوء الإصدارات الأخيرة للأرباح وارتفاع أسعار النفط إلى جانب التوترات الجيوسياسية في المنطقة والتي أثرت على معنويات المستثمرين بشكل عام.

 عليه، فقد بلغ المؤشر العام ذروته عند أعلى مستوى إغلاق له، أي 12,263 نقطة في 25 أغسطس، لكنه عاد ليتبع منحى تنازلي بقية الشهر ليغلق على مكاسب شهرية هامشية بلغت نسبتها 0.3%.

يذكر أن السوق السعودية تكثف تركيزها على جذب المستثمرين الآسيويين لتعزيز السيولة والنشاط في أكبر سوق في المنطقة، خاصة مع ارتفاع حصة ملكية الأجانب في أسواق المال السعودية على مدى السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى مستويات قياسية في العام 2023.

بلغ صافي الاستثمارات الأجنبية 198 مليار ريال سعودي (52.8 مليار دولار) في العام 2023 بزيادة نسبتها 7.7% عن العام 2022، مع ارتفاع إجمالي الملكية الأجنبية إلى 401 مليار ريال سعودي (حوالي 107 مليار دولار) بحلول نهاية العام 2023، وفقاً لهيئة السوق المالية السعودية.

وعلى هذا النحو، وتماشياً مع هذه الاستراتيجية، تم إطلاق اثنين من الصناديق المتداولة يركزان على الأسهم السعودية في بورصتي شنغهاي وشنتشن في منتصف يوليو 2024، مما يعزز العلاقات الاستثمارية المتنامية بين الصين والسعودية حيث تسعى كلتا الدولتين إلى تنويع محافظهما بعيداً عن الأسواق الغربية التقليدية.

 

سوق دبي المالي

سجل سوق دبي المالي مكاسب للشهر الثالث على التوالي وثاني أكبر مكسب شهري بين أسواق دول مجلس التعاون الخليجي في أغسطس.

ارتفع المؤشر الرئيسي بنسبة 1.3%، مما دفع بمكاسبه منذ بداية العام إلى أعلى مستوى في دول مجلس التعاون الخليجي، عند 6.5%.

وبالتوازي، سجلت أربعة من القطاعات الثمانية نمو خلال الشهر بينما تراجعت القطاعات الأربعة المتبقية، علماً أن الارتفاع الشهري للمؤشر العام جاء نتيجة نمو المؤشر المالي الذي سجل ارتفاع بنسبة 1.8% خلال الشهر، والذي يُعزى بشكل رئيسي إلى مكاسب البنوك وشركات التأمين ذات الأوزان الكبيرة بما في ذلك بنك الإمارات للاستثمار وبنك دبي الإسلامي.

من ناحية أخرى، وقّعت بورصة شنتشن وسوق دبي المالي مذكرة تفاهم لتعزيز الاستثمار عبر الحدود بين الصين والإمارات، بما في ذلك في مجال صناديق الاستثمار المتداولة في منتصف أغسطس 2024. كما ستتعاون البورصتان في مجال الإدراج المزدوج، والعروض المشتركة للمؤشرات وعروض الدخل الثابت، ومساعدة المستثمرين على الاستفادة من الأسواق الثانوية في كلا البلدين.

 

 

إي جي أكس

سجلت البورصة المصرية أفضل أداء في المنطقة العربية خلال أغسطس، وذلك للشهر الرابع على التوالي، حيث سجل مؤشرها الرئيسي ارتفاع بنسبة 4.7%، لترتفع قيمتها السوقية بنحو 1.7 مليار دولار خلال الشهر، بدعم من بعض نتائج الشركات الإيجابية.

الجدير بالذكر أن إجمالي قيمة التداول بلغت نحو 27.4 مليار دولار، حيث استحوذت تداولات الأسهم على 7.2% من إجمالي قيمة التداول في السوق الرئيسية، بينما استحوذت السندات وأذون الخزانة على النسبة المتبقية والبالغة 92.8% خلال الشهر.

 بالتوازي، استحوذ المصريون على 88.1% من قيمة التداول في الأسهم المقيدة بعد استبعاد الصفقات خلال الفترة، واستحوذ الأجانب على 6.1%، بينما استحوذ العرب على 5.7%.

 

ماذا عن الأسبوع الأول من سبتمبر ؟

في موازاة ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن أسواق الأسهم العربية قد استهلت شهر سبتمبر بأداء خافت نسيباً، دون أي تغييرات تُذكر في أسعار الأسهم خلال الأسبوع الأول من الشهر والممتد من 1 إلى 6 سبتمبر.

وتراوحت نسب تحرك مؤشر ستاندرد آند بورز المركب للأسواق العربية ضمن نطاق -0.3% و+0.5%.

ومن المتوقع أن يستمر هذا الأداء الضعيف نسبياً حتى منتصف شهر سبتمبر مع ترقب اجتماع الفيدرالي الأمريكي في 17-18 سبتمبر، بحيث تتجه أنظار العالم نحو خفض مرتقب في معدلات الفوائد لأول مرة منذ العام 2020.

وهذا مع توقع الأسواق المالية الآن احتمال بنسبة 43% لخفض بمقدار 50 نقطة أساس في معدل الفائدة، وإن لا تزال مخاوف الركود تغلب على توقعات خفض الفائدة في الأسواق العالمية بعد أن أشار البنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً، في مسحه "الكتاب البيج"  *(Beige Book)، أن النشاط الاقتصادي كان ثابت أو متراجع في معظم المناطق في الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة.

 

*الكتاب البيج  (Beige Book)هو ملخص للمعلومات التي يجمعها كل بنك احتياطي فيدرالي في منطقته من الاتصالات التجارية والاقتصاديين والخبراء الماليين.

 

(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي)

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا